خُطْبَةٌ : اَلصَّدْقَةُ بَيْنَ حِكْمَتِهَا وَبَيْنَ بَرَكَتِهَا

منذ يوم

إِذَا قَامَتْ السَّاعَةُ وَأُذِنَ لَهُمْ أَنْ يَرْفَعُوا رُؤُوسَهُمْ بَعْدَ الْبَعْثِ قَالُوا أَوَّلُ مَا قَالُوا سُبْحَانَكَ مَا عَبَدْنَاكَ حَقَّ عِبَادَتِكَ


 ✍: اَلْعَنَاصِرُ الْأَسَاسِيَّةُ :
✍: الْأَوَّلُ : عَجْزُ الْعَبْدِ عَنْ أَنْ يَتَّقَ اللَّهَ حَقَّ تَقْوَاهُ
✍: الثَّانِي : الصَّدَقَةُ وَسَدُّ الْخَلَلِ .
✍: الثَّالِثُ : صَدَقَةُ الْفِطْرِ حِكْمَةٌ وَبَرَكَةٌ .
                      ✍:الْمَوْضُوع
أَمَّا بَعْدُ فَيَقُولُ رَبُّ الْعَالَمِينَ سُبْحَانَهُ {(مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاء وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لاَ يُتْبِعُونَ مَا أَنفَقُواُ مَنًّا وَلاَ أَذًى لَّهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ قَوْلٌ مَّعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِّن صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَآ أَذًى وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ ) }
وَفِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ عَدَى بْنِ حَاتِمٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «« مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إلَّا سَيُكَلِّمُهُ رَبُّهُ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ حَاجِبٌ وَلَا تَرْجُمَانٌ فَيَنْظُرُ أَيْمَنُ مِنْهُ فَلَا يَرَى شَيْئًا إلَّا شَيْئًا قَدَّمَهُ ، وَيَنْظُرُ أَشْأَمَ مِنْهُ فَلَا يَرَى إلَّا شَيْئًا قَدَّمَهُ ، وَيَنْظُرُ أَمَامَهُ فَلَا يَرَى إلَّا النَّارَ فَاتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ » »
أَيُّهَا الْإِخْوَةُ الْكِرَامُ : فِي سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالِي عَلَيَّ رَسُولِنَا عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ هَذِهِ الْآيَةَ {( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اِتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تَقَاتِهِ وَلَا تَمُوتَنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ )}
أَوْرَدَ الْمُفَسِّرُونَ عِنْدَ تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ ذَكَرَ فِي مَعْنَاهَا قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {{ اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تَقَاتِهِ } } أَنْ يُطَاعَ فَلَا يُعْصَى ، وَيُشْكُرَ فَلَا يَكْفُرَ ، وَيُذْكِرَ فَلَا يُنْسَى "


لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ { ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اِتَّقُوا اَللَّهَ حَقَّ تَقَاتِهِ وَلَا تَمُوتَنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ )} وَلَمَّا كَانَ هَذَا هُوَ مَعْنَاهَا . . أَنْ يُطَاعَ اَللَّهُ تَعَالِي فَلَا يُعْصَى ، وَأَنْ يَشْكُرَ اَللَّهَ تَعَالِيَ فَلَا يَكْفُرَ ، وَأَنْ يَذْكُرَ اَللَّهَ تَعَالِيَ فَلَا يُنْسَى " شَقَّ ذَلِكَ عَلَي اَلصَّحَابَةِ رِضْوَانُ اَللَّهِ تَعَالِي عَلَيْهِمْ . .
لِمَاذَا ؟
لِأَنَّهُ لَا يُوجَدُ مَخْلُوقٌ فِي الْبَرِّ وَلَا فِي الْبَحْرِ ، وَلَا يُوجَدُ عَبْدٌ فِي السَّمَوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ يَقَدِّرُ أَنْ يَتَّقَ اللَّهَ تَعَالِيَ حَقَّ تَقْوَاهُ . .
{( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تَقَاتِهِ وَلَا تَمُوتَنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ) } شَقَّتْ الْآيَةُ عَلَي النَّاسِ لِأَنَّهُ لَا يُوجَدُ عَبْدٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ يُطِيقُ أَنْ يَعْبُدَ اللَّهَ تَعَالِى حَقَّ عِبَادَتِهِ . . حَتَّي الْمَلَائِكَةُ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ . . الْعِبَادُ الْمُكْرَمُونَ الَّذِينَ يَسْبَحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتَرُونَ ، حَتَّي الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ، حَتَّي الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ لَا يَسْبِقُونَ رَبَّهُمْ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ ، حَتَّي الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ لَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنْ ارْتَضَي وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ . .


إِذَا قَامَتْ السَّاعَةُ وَأُذِنَ لَهُمْ أَنْ يَرْفَعُوا رُؤُوسَهُمْ بَعْدَ الْبَعْثِ قَالُوا أَوَّلُ مَا قَالُوا سُبْحَانَكَ مَا عَبَدْنَاكَ حَقَّ عِبَادَتِكَ . .
وَلِذَلِكَ كَانَ مِنْ صُوَرِ رَحْمَةِ اللَّهِ تَعَالِي
بِنَا نَحْنُ الْبَشَرَ وَبِسَبَبِ عِلْمِهِ سُبْحَانَهُ بِضَعْفِنَا وَبِعَجْزِنَا عَنْ أَنْ نَأْتِيَ بِالْعِبَادَةِ عَلَي وَجْهِهَا بَعْدَ أَنْ قَالَ ( اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تَقَاتِهِ } رَحِمَنَا
فَقَالَ {( فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ ) } ، {( فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنْفِقُوا خَيْرًا لِأَنْفُسِكُمْ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ )}
مِنْ رَحْمَةِ رَبِّنَا بِنَا ، وَلِأَنَّنَا ضُعَفَاءُ وَلِأَنَّنَا عَجَزَةٌ عَنْ أَنْ نَعْبُدَ اللَّهَ حَقَّ عِبَادَتِهِ ، أُمِرْنَا أَمْرًا بَعْدَ كُلِّ عِبَادَةٍ بِمَا يَسُدُّ خَلَلَهَا ، أَمَرْنَا أَمْرًا بَعْدَ كُلِّ عِبَادَةٍ بِمَا يُدَاوِي جِرَاحَهَا ، أَمَرْنَا أَمْرًا بَعْدَ كُلِّ عِبَادَةٍ بِمَا يَجْبِرُ نَقْصَهَا ، فَبَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الصَّلَاةِ أُمِرْنَا أَنْ نَسْتَغْفِرَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ ، وَبَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ زَكَاةِ الْمَالِ أُمِرْنَا أَنْ نَسْتَغْفِرَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ ، قَالَ عَزَّ مِنْ قَائِلٍ {(فَاقْرَؤُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا وَمَا تُقَدِّمُوا لأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ )}

وَبَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ مَنَاسِكِ الْحَجِّ أَيْضًا أَمِرَنَا أَنْ نَسْتَغْفِرَاللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {( فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنْ الضَّآلِينَ ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ )}
قَضِيَ الْحَكِيمُ سُبْحَانَهُ وَحَكَمَ بِأَنَّهُ مَا يَكُونُ فِي الصَّلَاةِ مِنْ خَلَلٍ يَسُدُّهُ أَنْ تُسْتَغْفَرَ ، وَمَا يَكُونُ فِي الزَّكَاةِ مِنْ خَلَلٍ يَسُدُّهُ أَنْ تُسْتَغْفَرَ وَمَا يَكُونُ فِي الْحَجِّ مِنْ خَلَلٍ يَسُدُّهُ أَنْ تُسْتَغْفَرَ . .
إِلَّا اَلصِّيَامُ :
فَلَا يَسُدُّ خَلَلَ الصِّيَامِ ، وَلَا يُدَاوِي عِلَّةَ الصِّيَامِ ، وَلَا يَجْبِرُ كَسْرَهُ ، إلَّا تُطْعِمُ الطَّعَامَ . .

فَبَعْدَ مَا قُدِّرَ لَنَا صِيَامُهُ وَقِيَامُهُ مِنْ أَيَّامِ رَمَضَانَ ، وَمِنْ لَيَالِي رَمَضَانَ نُؤْمِرُ بِالصَّدَقَةِ . . فَبَيْنَ رُؤْيَةِ هِلَالِ رَمَضَانَ إِلَى رُؤْيَةِ هِلَالِ شَوَّالٍ ، شَهْرٌ كَامِلٌ مِنْ الْقِيَامِ وَالْقُرْآنِ وَالذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ . . نُؤْمِرُ بِالصَّدَقَةِ . . .
ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ فِي الصِّيَامِ قَدْ وَقَعَ مِنَّا لَغْوٌ فَلَيْسَ دَوَاؤُهُ إِلَّا الصَّدَقَةَ . .
وَلَوْ كَانَ فِي الصِّيَامِ قَدْ وَقَعَ مِنَّا جَهْلٌ أَوْ رُفَثٌ أَوْ صَخَبٌ أَوْ تَجَاوُزٌ فَلَيْسَ تِرْيَاقُهُ إِلَّا الصَّدَقَةَ . .
شَرَعَتْ الصَّدَقَةُ بَعْدَ الْفِطْرِ مِنْ رَمَضَانَ طُهْرَةً لِلصَّائِمِ مِنْ لَغْوِهِ مِنْ رَفَثِهِ مِنْ صَخَبِهِ مِنْ جَهْلِهِ . .
شَرِعَتْ الصَّدَقَةُ فِي رَمَضَانَ لِتَسُدَّ الْخَلَلَ لِتَجْبِرَ الْكَسْرَ وَتُدَاوِيَ الْعِلَلَ . .
لِلصَّدْقَةِ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ ارْتِبَاطٌ وَثِيقٌ بِالصِّيَامِ فِي الدُّنْيَا كَمَا فِي الْآخِرَةِ وَفِي صَحِيحِ السُّنَّةِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ أَجْوَدَ النَّاسِ بِالْخَيْرِ ، وَكَانَ أَجْوَدَ مَا يَكُونُ فَى رَمَضَانَ "

الْجِنَّةُ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَهَا ثَمَانِيَةُ أَبْوَابٍ كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنْ النَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَإِذَا كَانَ فِي الْجَنَّةِ بَابٌ يُقَالُ لَهُ الرَّيَّانُ لَا يَدْخُلُ مِنْهُ إِلَّا الصَّائِمُونَ فَإِنَّ بِالْجِوَارِ بَابًا يُقَالُ لَهُ بَابُ الصَّدَقَةِ لَا يَدْخُلُ مِنْهُ إِلَّا الْمُتَصَدِّقُونَ . .
الصِّيَامُ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ سِرٌّ بَيْنَ الْعَبْدِ وَبَيْنَ رَبِّهِ
أَنْ يُشَوِّهَهُ الْعَبْدُ بِسُوءِ عَمَلِهِ . . أَنْ يُدَنِّسَهُ الْعَبْدُ بِسُوءِ تَصَرُّفِهِ وَبِكَثْرَةِ هَفَوَاتِهِ وَجَهْلِهِ ، هَذَا يُغْضِبُ اللَّهَ مِنْ عَبْدِهِ . .
وَمَا مِنْ قُرْبَةٍ يَتَقَرَّبُ بِهَا الْعَبْدُ إِلَي رَبِّهِ تُرْضِي اللَّهَ تَعَالِيَ وَتُطْفِئُ غَضَبَ اللَّهِ تَعَالِيَ مِثْلُ الصَّدَقَةِ عَلَي يَتِيمٍ أَوْ مِسْكِينٍ أَوْ عَاجِزٍ فَقِيرٍ . .
قَالَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «( صَدَقَةُ السِّرِّ تُطْفِئُ غَضَبَ الرَّبِّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَصِلَةُ الرَّحِمِ تَزِيدُ فِي الْعُمُرِ وَفِعْلُ الْخَيْرَاتِ يَقِي مَصَارِعَ السُّوءِ )»


وَإِذَا كَانَ اَلصِّيَامُ مِنْ أَحَبِّ الْأَعْمَالِ إِلَيَّ اللَّهِ تَعَالِيَ ، وَلِبُعْدِهِ عَنْ الرِّيَاءِ ، وَلِأَنَّهُ لَمْ يَعْبُدْ أَحَدٌ بِالصِّيَامِ مَعْبُودٌ إِلَّا اللَّهَ فَإِنَّ الصَّدَقَةَ هِيَ الْأُخْرَى مِنْ أَحَبِّ الْأَعْمَالِ إِلَيَّ اللَّهِ تَعَالِيَ لِأَنَّهَا مِنْ أَعْلَي وَأَقْوَي دَلَائِلِ الْإِيمَانِ . .
قَالَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ
«( وَالصَّدَقَةُ بُرْهَانٌ ) » قَالُوا الصَّدَقَةُ بُرْهَانٌ يَعْنِي أَنَّهَا أَمَارَةٌ وَاضِحَةٌ عَلَيَّ أَنَّ حُبَّ صَاحِبِهَا لِلَّهِ تَعَالِيَ أَكْبَرُ مِنْ حُبِّهِ لِلْمَالِ وَعَلَي أَنَّ حُبَّ صَاحِبِهَا لِمَرْضَاةِ اللَّهِ أَقْوَي وَأَشَدُّ مِنْ حُبِّ الْمَالِ
وَقَبْلَ جَلْسَةِ الِاسْتِرَاحَةِ أَقُولُ
إِنَّ مِنْ أَسْرَارِ حُبِّ اللَّهِ تَعَالِي لِلصِّيَامِ وَمِنْ أَسْبَابِ نِسْبَةِ الصَّوْمِ بِالذَّاتِ إِلَي اللَّهِ تَعَالِيَ أَنَّ الصَّوْمَ عِبَادَةٌ سِرِّيَّةٌ بَيْنَ الْعَبْدِ وَبَيْنَ رَبِّهِ ، وَأَنَّ الصَّوْمَ عِبَادَةٌ خَفِيَّةٌ لَا يَعْلَمُهَا شَيْطَانٌ فَيُفْسِدُهَا ، وَلَا يَرَاهُ إِنْسَانٌ فَيَحْسُدُهَا وَلَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ مَلِكٌ فَيَكْتُبُهَا إِلَّا بِوَحْيٍ مِنَ اللَّهِ تَعَالِيَ . .
أَقُولُ وَكَذَلِكَ الصَّدَقَةُ إِذَا أَلْبَسْتَهَا ثَوْبَ الْخَفَاءِ وَجَعَلْتَهَا سِرًّا بَيْنَكَ وَبَيْنَ رَبِّكَ لَا تَعْلَمْهَا زَوْجُكَ وَلَا يَعْلَمُهَا وَلَدُكَ وَلَا يَشْعُرُ بِهَا جَارُكَ وَلَا الْفَقِيرُ يَشْعُرُ أَنَّكَ مَنْ تَصَدَّقْتَ عَلَيْهِ كَانَتْ الصَّدَقَةُ أَعْظَمَ مَا تَكُونُ ثَوَابًا عِنْدَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ .
أَخْرَجَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ مِنْ حَدِيثٍ أَنَسِ أن النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَمَّا خَلَقَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الْأَرْضَ جَعَلَتْ تَمِيدُ فَخَلَقَ الْجِبَالَ الله فَأَلْقَاهَا عَلَيْهَا فَاسْتَقَرَّتْ الأرض فَتَعَجَّبَتْ الْمَلَائِكَةُ مِنْ خَلْقِ الْجِبَالِ فَقَالَتْ يَا رَبِّ هَلْ مِنْ خَلْقِكَ شَيْءٌ أَشَدُّ مِنْ الْجِبَالِ قَالَ نَعَمْ الْحَدِيدُ قَالَتْ يَا رَبِّ هَلْ مِنْ خَلْقِكَ شَيْءٌ أَشَدُّ مِنْ الْحَدِيدِ قَالَ نَعَمْ النَّارُ قَالَتْ يَا رَبِّ هَلْ مِنْ خَلْقِكَ شَيْءٌ أَشَدُّ مِنْ النَّارِ قَالَ نَعَمْ الْمَاءُ قَالَتْ يَا رَبِّ فَهَلْ مِنْ خَلْقِكَ شَيْءٌ أَشَدُّ مِنْ الْمَاءِ قَالَ نَعَمْ الرِّيحُ قَالَتْ يَا رَبِّ فَهَلْ مِنْ خَلْقِكَ شَيْءٌ أَشَدُّ مِنْ الرِّيحِ قَالَ نَعَمْ ابْنُ آدَمَ يَتَصَدَّقُ بِيَمِينِهِ يُخْفِيهَا مِنْ شِمَالِهِ ) 

نَسْأَلُ اللَّهَ الْعَظِيمَ رَبَّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ أَنْ يُكَفِّرَ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَأَنْ يَغْسِلَنَا بِالْمَاءِ وَالثَّلْجِ وَالْبَرْدِ إِنَّهُ وَلِيُّ ذَلِكَ وَمَوْلَاهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ . .
الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
أَمَّا بَعْدُ فَيَا أَيُّهَا الْإِخْوَةُ الْمُؤْمِنُونَ أَحْبَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَقَى لَنَا فَى الْخِتَامِ أَنْ نَقُولَ إِذَا كَانَ رَمَضَانُ يُلَمْلِمُ أَوْرَاقَهُ فَالْخَيْرُ فِيهِ وَفَى كُلِّ لَحْظَةٍ مِنْ لَحَظَاتِهِ خَيْرٌ لَا يُحْصِيهِ وَلَا يَعُدُّهُ الْعَادُونَ حَتَّى مَعَ آخِرِ نَفَسٍ مِنْ رَمَضَانَ الْخَيْرُ فِيهِ بِفَضْلِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَالَ الْحَبِيبُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . .
( «أَعْطَيْتُ أُمَّتَى فَى رَمَضَانَ خَمْسًا لَمْ يُعْطَهُنَّ نَبَى قَبْلَى . . وَعَدَّ مِنْهُنَّ رَسُولُ اللَّهِ قَوْلَهُ وَأَمَّا الْخَامِسَةُ فَإِنَّهُ إذَا كَانَتْ آخِرُ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ غَفَرَ اللَّهُ لَهُمْ جَمِيعًا قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَهَى لَيْلَةُ الْقَدْرِ قَالَ لَا أَلَمْ تَرَ إِلَى الْعُمَّالِ يَعْمَلُونَ فَإِذَا فَرَغُوا مِنْ أَعْمَالِهِمْ وَفَوا أُجُورَهُمْ» ) . .

يَلْمَلِمُ رَمَضَانُ أَوْرَاقَهُ وَمَا بَيْنَنَا وَبَيْنَ رَحِيلِهِ عَنَّا إِلَّا أَقَلُّ الْقَلِيلِ ، لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنَّا فَى رَمَضَانَ نَبِيًّا وَمَلِكًا وَلَا مَعْصُومًا ، لَا شَكَّ أَنَّهُ وَقَعَ مِنِّي وَمِنْكُمْ فَى رَمَضَانَ هَفَوَاتٌ ، وَزَلَّاتٌ ، وَتَجَاوُزَاتٌ ، وَالْمَعْصُومُ مَنْ عَصَمَهُ اللَّهُ تَعَالَى . .
يَنْبَغِي لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَّا أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ مَا يَصْدُرُ عَنْهُ فِي رَمَضَانَ مِنْ لَغْوٍ أَوْ مِنْ جَهْلٍ أَوْ تَجَاوُزٍ يَجْرَحُ الصِّيَامَ ، وَيَنْتَقِصُ مِنْ الصِّيَامِ ، وَيُؤَثِّرُ عَلَي الصِّيَامِ بِصُورَةٍ أَوْ بِأُخْرَي . .
رِحْمَةٌ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى شَرَعَ لَنَا رَبُّنَا فَى خِتَامِ رَمَضَانَ أَنْ نَتَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ . .
شَرَعَ لَنَا رَبَّنَا فَى خِتَامِ رَمَضَانَ مَا يَسُدُّ بِهِ خَلَلَ صِيَامِنَا ، وَمَا يَمْحُو بِهِ آثَارَ هَفَوَاتِنَا ، وَزَلَّاتِنَا ، شَرَعَ لَنَا فَى خِتَامِ رَمَضَانَ صَدَقَةً تَتَمَيَّزُ عَنْ جَمِيعِ اَلصَّدَقَاتِ . .
فِي وَقْتِهَا ، وَفِي نِصَابِهَا ، وَفِي غَايَتِهَا وَهَدَفِهَا ، وَفِي حِكْمَتِهَا . . هَذِهِ الصَّدَقَةُ يُقَالُ لَهَا صَدَقَةُ الْفِطْرِ . .
وَمَا صَدَقَةُ الْفِطْرِ ؟
صَدْقَةُ الْفِطْرِ : طُهْرَةٌ لِلصَّائِمِ مِنْ لَغْوِهِ وَرُفْثِهِ . .
صَدْقَةُ الْفِطْرِ : طُعْمَةٌ لِلْمَسَاكِينِ
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ( «فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَكَاةَ الْفِطْرِ مِنْ رَمَضَانَ طُهْرَةً لِلصَّائِمِ مِنْ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ وَطَعْمَةً لِلْمَسَاكِينِ ، مَنْ أَدَّاهَا قَبْلَ الصَّلَاةِ فَهِيَ زَكَاةٌ مَقْبُولَةٌ وَمَنْ أَدَّاهَا بَعْدَ الصَّلَاةِ فَهِيَ صَدَقَةٌ مِنْ الصَّدَقَاتِ» .
قَالَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا
( « فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَكَاةَ الْفِطْرِ مِنْ رَمَضَانَ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ عَلَى الْعَبْدِ وَالْحُرِّ وَالذَّكَرِ وَالْأُنْثَى وَالصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَ أَمَرَ بِهَا أَنْ تُؤَدَّى قَبْلَ خُرُوجِ النَّاسِ إِلَى الصَّلَاةِ » "
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : ( { قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى } ) نَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يَتَقَبَّلَ صِيَامَنَا وَقِيَامَنَا،وأن يبلغنا رمضان سنوات عديدة، وأن يجعلنا فيه من المخلصين المقبولين  . آمين. 
: جَمْعُ وَتَرْتِيبُ الشَّيْخِ / مُحَمَّدِ سَيِّدِ حُسَيْنِ عَبْدِ الْوَاحِدِ .
- إِدَارَةُ اوقاف القناطر الخيرية. 
- مديرية أَوْقَافِ الْقَلْيُوبِيَّةِ . مِصْرُ .

محمد سيد حسين عبد الواحد

إمام وخطيب ومدرس أول.

  • 0
  • 0
  • 81

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً