وداع شهر رمضان المبارك
فوداعك أيها المسلم الصائم لهذا الشهر المبارك يكون بالعزم على الاستمرار على العمل الصالح، وتحري الإخلاص، والصدق في متابعة سيد الخلق رسول الله صلى الله عليه وسلم، ودوام مراقبة الله تعالى
خطبة الحاجة:
المقدمة.
قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ} [البقرة: 183].
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قد جاءكم شهر رمضان، شهر مبارك افترض الله عليكم صيامه، تُفتَح فيه أبواب الجنة، وتُغلَق فيه أبواب الجحيم، وتُغَلُّ فيه مردة الشياطين، فيه ليلةٌ خيرٌ من ألف شهر، من حرم خيرها فقد حرم» ؛ (رواه أحمد وهو صحيح).
أيها المسلمون أيها الصائمون، كنا بالأمس وفي أول جمعة من رمضان نتلو هذه الآية: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ} [البقرة: 183]، وذكرنا أنفسنا بهذا الحديث قد جاءكم شهر رمضان شهر مبارك افترض الله عليكم صيامه تفتح فيه أبواب الجنة وتغلق فيه أبواب الجحيم، وتغل فيه مردة الشياطين، فيه ليلة خير من ألف شهر، من حرم خيرها فقد حرم، وها نحن اليوم نودِّع شهر رمضان، نودِّع شهر التوبة، نودِّع شهر الأوبة والعودة إلى الله، شهر الخير، شهر البر والإحسان، شهر الصدقات وكثرة الأعمال الصالحات، شهر الصيام والقيام والتراويح، شهر القرآن، شهر العتق من النيران، شهر الانتصار على النفس والهوى، شهر الامتثال لأوامر الله ولهدي وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أيها الصائمون، العبر والعظات في الحياة كثيرة جدًّا، منها:
انقضاء الأعمار، ومرور الأعوام، وطي صحائف الأعمال، ووضع الأقلام {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ} [النور: 44]، {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ} [ق: 37].
أيها الصائمون، وفي بداية الشهر ونهايته: عبرة لأصحاب العقول الزكية.
أيها الصائمون، وها نحن نُودِّع شهر رمضان، وقبل دخول شهر رمضان كنا ندعو الله أن يبلغنا إياه، واليوم نقول: اللهم تقَبَّله منا يا رب العالمين.
عباد الله، ولا ندري هل نحن ممَّن يقبل منه الصيام والقيام وسائر الأعمال الصالحة، وهل نحن ممن حاز وفاز بجائزة الرب تبارك وتعالى، أم نحن ممن صام وكان حظه من صيامه الجوع والعطش، وقام وحظُّه من قيامه السهرُ والتعبُ، ولكننا نرجو ثواب الله، ونطمع في عفو الله وكرمه وجوده تبارك وتعالى، قال الله تعالى في الحديث القدسي: أنا عند حسن ظن عبدي بي، فأحسنوا الظن بالله مع الحذر من مغبة التقصير والتفريط، وأن نحذر من الغفلة والتسويف والأماني الخادعة {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} [الزلزلة: 7، 8].
أيها الصائمون، فوداع الحبيب رمضان المبارك يكون بهذه الأعمال، ولكي نستدرك بعض ما فاتنا من الخير، وكلنا على تقصير، فوداع الحبيب رمضان المبارك يكون:
1- بالاجتهاد في الطاعات.
2- ونودِّعه بدوام العمل الصالح.
3- ونودِّعه بالدعاء بأن الله تعالى يتقبَّل منا ومنكم صالح الأعمال، وكان من دعاء السلف الصالح: اللهُمَّ سلمنا إلى رمضان، وسلِّم لنا رمضان، وتسلمه منا متقبلًا.
4- ونودِّعه بكثرة الاستغفار.
5- ونودِّعه بالتوبة النصوح.
6- ونودعه بالشكر لله تعالى الذي أنعم علينا بنعمة الإسلام ونعمة إرسال الرحمة المهداة صلوات الله وسلامه عليه، ونعمة الصيام والقيام، وقراءة القرآن، وحفظ الجوارح من الآثام {لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ} [إبراهيم: 7]، {وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [البقرة: 185].
أيها الصائمون، إن مما نذكر به أنفسنا ومع نهاية هذا الشهر المبارك:
استغلال ما بقي من أيامه ولياليه الفاضلة.
ونحن قادمون على ليالٍ وِتْرية فاضلة يُرجى فيها إدراك ليلة القدر التي هي خيرٌ من ألف شهر.
ليلة السابع والعشرين وليلة التاسع والعشرين من هذا الشهر المبارك فإنها- والله- فرصةٌ عظيمةٌ وثمينةٌ، وغنيمةٌ باردةٌ، وكنزٌ ثمينٌ، قال رسول الله: «من قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه».
أخي الصائم، هي ليلة واحدة لكنها في الفضل والأجر والثواب تعدل عمل 83 سنة ليلةُ القدر خيرٌ من ألف شهر.
أيها الصائمون، لقد شرع الله تعالى في آخر شهر الصوم زكاة الفطر قربانًا يتقرَّب بها العبد إلى الله تعالى، حيث فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر صاعًا من طعام على الحُرِّ والعبد، والصغير والكبير، والذكر والأنثى من المسلمين، قال عبدالله بن عمر رضي الله عنهما: فرض رسول الله زكاة الفطر من رمضان صاعًا من تمر أو صاعًا من شعير؛ رواه البخاري ومسلم.
وحكمة زكاة الفطر:
1- مواساة الفقراء، وإدخال السرور عليهم، والتنفيس والتخفيف عنهم، والإحسان إليهم.
2- الاتصاف بصفة الكرم، والجود، وسخاء النفس.
3- تطهير الصائم من اللغو والرفث والإثم.
4- أداء شكر النعمة، قال ابن عباس رضي الله عنهما: فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر طهرةً للصائم من اللغو والرفث، وطعمة للمساكين، فمن أدَّاها قبل الصلاة (أي صلاة عيد الفطر) فهي زكاة مقبولة، ومن أدَّاها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات.
وتخرج من الطعام الذي هو غالب طعام الناس سواء من البر أو الشعير أو التمر أو الأرز أو الدقيق، أو غير ذلك مما هو طعام، قال أبوسعيد الخُدْري رضي الله عنه: كنا نخرج يوم الفطر في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم صاعًا من طعام؛ رواه البخاري ومسلم.
ومقدارها تقريبًا: ثلاثة كيلو جرامات من الطعام.
ووقت وجوبها: من غروب شمس ليلة العيد، ويجوز إخراجها قبل العيد بيوم أو يومين.
وأفضل وقت لإخراجها يوم العيد بعد صلاة الفجر وقبل صلاة العيد، وقال بعض العلماء: ويجوز إخراج القيمة (أي إخراجها نقدًا) إن كان في ذلك نفع للمسكين، وهذا مذهب الأحناف ورجَّحه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.
أيها الصائمون، رمضان يودع بمداومة العمل الصالح، ومن ذلك:
كثرة الاستغفار.
الدعاء بقبول الأعمال.
كثرة ذكر الله وشكره، {وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [البقرة: 185].
الاهتمام بالقلوب وأعمالها من الإخلاص، والتقوى، والخوف، والخشية، ومراقبة الله في السِّرِّ والعَلَن، والتسليم لأمر الله وأمر رسوله.
الفرح بالطاعة، والحزن والألم والندم على فعل المعصية.
وأن يتذكر أحدنا إخوانه في العقيدة وفي الدين من المظلومين في كل مكان وعلى وجه الخصوص في أرض غزة وفلسطين؛ ليشعر بجراحهم وآلامهم، ويدعو لهم، ويعادي أعداء الدين وأعداء الإسلام من اليهود والنصارى والأمريكان وسائر مِلَل الكفر، وسائر المنافقين ممن خانوا دينهم وأمتهم ووضعوا أياديهم في أيادي اليهود والنصارى، ويعادي سائر أهل الضلال الذين يحاربون دين الله، ويقفون حجر عثرة أمام دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فوداعك أيها المسلم الصائم لهذا الشهر المبارك يكون بالعزم على الاستمرار على العمل الصالح، وتحري الإخلاص، والصدق في متابعة سيد الخلق رسول الله صلى الله عليه وسلم، ودوام مراقبة الله تعالى، والخوف من عدم قبول العمل، والجد والاجتهاد في المحافظة على الواجبات، والحرص على الأعمال الصالحات، وطلب القبول والنجاة بين يدي الملك الجليل {يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ﴾ [الشعراء: 88، 89]، ﴿فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ} [آل عمران: 185].
ألا وصلوا وسلموا على خير خلق الله.
________________________________________
الكاتب: أبو سلمان راجح الحنق
- التصنيف: