خطبة عيد الفطر المبارك لعام 1446 هـ (ليُدخل بعضكم السرور على بعض)

منذ 2025-03-29

وليُدخل بعضكم السرور على بعض؛ امتثالًا لما حثَّ عليه المبعوث رحمةً للعالمين ﷺ "أحبُّ الأعمال إلى الله عز وجل سرور تُدخله على مسلم، تكشف عنه كُربة، أو تقضي عنه دَينًا، أو تطرد عنه جوعًا".

خطبة عيد الفطر المبارك لعام 1446 هـ (ليُدخل بعضكم السرور على بعض)

الخطبة الأولى

الحمد لله الذي أنعم علينا بنعمة الإسلام، وتفضَّل علينا بالهداية للإيمان، ووفَّقنا للصيام والقيام، نحمده سبحانه ونشكره ونستغفره، ونشهد أن لا إله إلا هو وحده لا شريك له، ونشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وسلم، وعلى آله وأصحابه والتابعين؛ أما بعد عباد الله:

فبعد إعلان رؤية هلال شهر شوال، دَعَونا أن يُهله الله علينا باليُمن والبركات، والعزة والنصر للمسلمين والمسلمات؛ لتعُمَّ أفراحهم، وها نحن اليوم نعيش فرحة العيد، فأبشروا وبشِّروا به، وليُدخل بعضكم السرور على بعض؛ امتثالًا لما حثَّ عليه المبعوث رحمةً للعالمين صلى الله عليه وسلم حينما سُئل: ((أيُّ الناس أحبُّ إلى الله؟ فقال: «أحبُّ الناس إلى الله أنفعهم للناس، وأحبُّ الأعمال إلى الله عز وجل سرور تُدخله على مسلم، تكشف عنه كُربة، أو تقضي عنه دَينًا، أو تطرد عنه جوعًا، ولأن أمشي مع أخٍ في حاجة أحبُّ إليَّ من أن أعتكف في هذا المسجد –يعني مسجد المدينة– شهرًا»؛ إنه العيد، يوم الشكر لله تعالى على هدايته وتوفيقه، ومن مظاهر هذا الشكر في هذا اليوم المبارك: الاغتسال، والتطيُّب، وأخذ الزينة، ثم إخراج زكاة الفطر «طُهرةً للصَّائمِ منَ اللَّغوِ والرَّفثِ، وطعمةً للمساكينِ»، من أدَّاها قبلَ الصَّلاةِ فهيَ زَكاةٌ مقبولةٌ، ومن أدَّاها بعدَ الصَّلاةِ فهيَ صدقةٌ منَ الصَّدقاتِ؛ مما جاءت الإشارة إليه في قوله تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى * وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى} [الأعلى: 14، 15].

 

ومن مظاهر هذا الشكر الإكثارُ من ذِكْرِ الله جل وعلا، تكبيرًا وتهليلًا، وتسبيحًا وتحميدًا، منذ الخروج من البيت إلى الجلوس في المصلَّى إلى القيام لأداء صلاة العيد، فإذا قُضيت الصلاة، وانتهى المُصلُّون من سماع الخطبة وتبادل التهاني، يعود كل مسلم ومسلمة إلى بيوتهم من غير الطريق التي أتَوا منها، ذاكرين وشاكرين لله.

 

الله أكبر...

 

معاشر المؤمنين والمؤمنات، إن يوم العيد يومُ فرحٍ دنيويٍّ، يفرح فيه المؤمنون والمؤمنات بما قدَّموا من الطاعات والأعمال الصالحات، وما تنافسوا فيه من الخيرات وادِّخار الحسنات، وسيرافقهم السرور والفرح ما داموا على ما كانوا عليه في رمضان، وإلا فإن من ضعُف وانتكس، وعاد بعدما عاش نقِيًّا بعد رمضان إلى سيئ الأفعال والأقوال، فإن حاله يكون كحال من بنى بنيانًا جميلًا فهدمه، وكمن أعطى عطايا وندم؛ قال تعالى: {أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاءُ فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ} [البقرة: 266].

 

فلازموا - عباد الله - ما كنتم عليه من طُهر اللسان، ونقاء الجَنان، ونشاط الجوارح في أداء الطاعات، ومجاهدة النفس في ترك الشهوات، بَلْه المحرماتِ؛ استعدادًا للفرح الثاني الدائم يومَ لقاء الله؛ فإن «للصائم فرحتان يفرحهما: إذا أفطر فرِح، وإذا لقِيَ ربه فرح بصومه».

 

فواصلوا - أيها المسلمون - توبتَكم، ولازموا تقوى الله بفعل ما أمركم به، واجتناب ما نهاكم عنه، وبذلك تتم فرحتكم برضوان من الله، وجنة عرضها السماوات والأرض، المُعَدَّة لاستقبال المتقين: {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} [يونس: 58].

 

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآي والذكر الحكيم، وبكلام سيد المرسلين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

 

الخطبة الثانية

الله أكبر، الله أكبر كبيرًا، والحمد لله كثيرًا، وسبحان الله بكرة وأصيلًا.

 

الحمد لله ولي المؤمنين، نحمده ونشكره، ونصلي ونسلم على نبي الهدى، وعلى آله وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين؛ أما بعد عباد الله:

فإن هذا اليوم يوم عيدكم، تشكرون فيه ربكم على ما تفضَّل عليكم به من النعم ليزيدكم، ومن مظاهر شكره سبحانه إتْباعُ رمضانَ بصيام ستٍّ من شوال، وأن تصِلوا فيه أرحامكم، وتزوروا أحبابكم وإخوانكم، وأن تتقوا الله حيثما كنتم؛ فهذه وصية من ربكم لكم ولمن قبلكم وبعدكم: {وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ غَنِيًّا حَمِيدًا} [النساء: 131].

 

ربُّوا أبناءكم على حب الله ورسوله، وأدِّبوهم بآداب الإسلام؛ ليكونوا صالحين يدعون لكم بعد رحيلكم من هذه الدار، ولكيلا ينقطع عملكم.

 

ويا معشر النساء الصالحات، إنكن مدارس لأُسركن، وبصلاحكن يصلح المجتمع، وبصلاح المجتمعات تصلح الأمة بإذن رب الأرض والسماوات، ويا معشر الرجال، إياكم وازدراءَ النساء؛ وقد أوصى النبي صلى الله عليه وسلم بهن خيرًا فقال: «خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي».

 

فإذا حرَص الجميع ممن صاموا أيام رمضان، وقاموا لياليه إيمانًا واحتسابًا، فحُقَّ لهم أن يفرحوا بالعيد فرحًا مأجورًا: {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} [يونس: 58].

 

الدعاء...

______________________________________________________
الكاتب: الشيخ الحسين أشقرا

  • 1
  • 0
  • 771

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً