صلاة البردين

منذ 2025-04-08

المحافظة على صلاة الفجر والعصر في جماعة، فقد بشَّر النبي صلى الله عليه وسلم من يحافظ عليما بدخول الجنة"

 شهادة ضمان لدخول جنة الرحمن، وهي من الأمور التي فرَّط فيها كثيرٌ من المسلمين: المحافظة على صلاة الفجر والعصر في جماعة، فقد بشَّر النبي صلى الله عليه وسلم من يحافظ عليما بدخول الجنة؛ عن أبي بكر بن أبي موسى عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من صلى البردَين دخل الجنة»[1].

 

يقول ابن حجر - رحمه الله -: وقال البزار في توجيه اختصاص هاتين الصلاتين بدخول الجنة دون غيرهما من الصلوات ما محصِّله: إن من موصولة لا شرطية، والمراد الذين صلَّوْهما أول ما فُرضت الصلاة ثم ماتوا قبل فرض الصلوات الخمس؛ لأنها فُرضت أولًا ركعتين بالغداة وركعتين بالعشي، ثم فُرضت الصلوات الخمس، فهو خبر عن ناس مخصوصين لا عموم فيه، قلت: ولا يخفى ما فيه من التكلف، والأوجه أن (مَن) في الحديث شرطية، وقوله: دخل جواب الشرط وعدل عن الأصل وهو فعل المضارع، كأن يقول: يدخل الجنة إرادةً للتأكيد في وقوعه، بجعل ما سيقع كالواقع)[2].

 

واعلم أن ثواب هاتين الصلاتين أكثر من أن يُحصيه إنسان؛ إذ لا يَعلَم ثوابَه إلا واهبُه سبحانه وتعالى، صلاة العشاء والفجر في جماعة، فثوابهما كقيام ليلة من صلى الفجر والعشاء، الدليل: عن عثمان بن عفان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من صلى العشاء في جماعة كان كقيام نصف ليلة، ومن صلى العشاء والفجر في جماعة كان كقيام ليلة» [3].

 

يقول المناوي - رحمه الله -: (من صلى العشاء في جماعة)؛ أي: معهم، (فكأنما قام نصف الليل)؛ أي اشتغل بالعبادة إلى نصف الليل، (ومن صلى الصبح في جماعة، فكأنما صلى الليل كله)، نزَّل صلاة كلٍّ مِن طرفي الليل منزلةَ نوافل نصفه، ولا يَلزَم منه أن يبلغ ثوابه ثوابَ مَن قام الليل كله؛ لأن هذا تشبيهٌ في مطلق مقدار الثواب، ولا يلزم مِن تشبيه الشيء بالشيء أخذُه بجميع أحكامه، ولو كان قدر الثواب سواءً لم يكن لمصلِّي العشاء والفجر جماعةً مَنفعةٌ في قيام الليل غير التعب؛ ذكره البيضاوي، وقال الطيبي: لم يُرد بقوله: فكأنما صلى الليل كله، ولم يقُل قام؛ ليشاكل قوله صلى الصبح [4]، وها هي بعض فوائد تلك الصلاة.

 

تزكية الملائكة عند الله؛قال الله سبحانه وتعالى: {وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا} [الإسراء:78]،

 

عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يتعاقبون فيكم ملائكةٌ بالليل وملائكة بالنهار، ويجتمعون في صلاة الفجر وصلاة العصر، ثم يَعرُج الذين باتوا فيكم، فيسألهم وهو أعلم بهم: كيف تركتم عبادي؟ فيقولون تركناهم وهم يُصلون وأتيناهم وهم يُصلون»[5].

 

يقول بدر الدين العيني - رحمه الله -: وقال القرطبي: وهذه حكمة اجتماعهم في هاتين الصلاتين، أو يكون سؤاله لهم استدعاء لشهادتهم لهم، ولذلك قالوا: أتيناهم وهم يُصلون، وتركناهم وهم يصلون، وهذا من خفي لطفه وجميل ستره إذا لم يُطلعهم إلا على حال عبادتهم، ولم يُطلعهم على حالة شهواتهم وما يُشبهها؛ انتهى، وهذا الذي قاله يعطي أنهم غير الحفظة؛ لأن الحفظة يطَّلعون على أحوالهم كلها، اللهم إلا أن تكون الحفظة غير الكاتبين، فيتَّجه ما قاله، والظاهر أنهم غيرهما؛ لأنه قد جاء في بعض الأحاديث: إذا مات العبد جلس كاتباه عند قبره يَستغفران له ويُصليان عليه إلى يوم القيامة، يوضِّحه ما رواه ابن المنذر بسند له عن أبي عبيدة بن عبد الله عن أبيه أنه كان يقول: يتداول الحارسان من ملائكة الله تعالى، حارس الليل وحارس النهار عند طلوع الفجر، وعن الضحاك في قوله تعالى: {وَقُرْآنَ الْفَجْرِ} [الإسراء: 78]، قال: تشهد ملائكة الليل وملائكة النهار يشهدون أعمال بني آدم، وفي تفسير ابن أبي حاتم تشهده الملائكة والجن...

 

المغفرة الربانية، ففي حديث أبي هريرة الذي رواه مسلم في صحيحه والترمذي في سننه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة، كفارةٌ لِما بينهن ما لم تُغش الكبائر»، فهذه مغفرة ربانية إلهية دائمة متكررة، فكلما وقَع منك قول أو خاطر أو فعل عن غفلةٍ، أو زلة أو وسواس شيطان، أو استزلال هوى، أو داعي شهوة، فإن الله سبحانه وتعالى قد جعل في هذه الصلوات - ومنها الفجر - هذه المغفرة الربانية، وهي من أعظم هذه الغنائم التي ينبغي ألا يُفوِّتها العبد [6].

 

البشارة النورانية: ففي حديث أنس رضي الله عنه - ويُروى هذا الحديث عن ستة عشر من الصحابة بروايات مختلفة - عند أبي داود والترمذي وابن ماجه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «بشِّر المشائين في الظُّلَم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة»، وما أعظم هذه البشارة بهذا النور في الوقت الذي تُظلم فيه على الإنسان الظلمةُ الشديدة والكربُ العصيب والهولُ العظيم.

 

الانطلاقة الحيوية: وهذه أيضًا غنيمة عملية دنيوية دينية وإيمانية في الوقت نفسه، وهذه أثرها واضح، وأمثلتها العملية بالكثرة التي لا تُحصى، يشرحها لنا أيضًا حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: «يَعقِد الشيطان على قافية رأس أحدكم إذا هو نام ثلاث عُقد، يَضرِب على كلِّ عقدة منها، فيقول: عليك ليل طويل فارقُد، فإذا استيقظ - أي: النائم - فذكر الله انحلَّت عقدة، وإذا توضَّأ انحلت عنه عقدتان، فإذا صلى انحلت عُقَدُه كلها، فأصبح نشيطًا طيبَ النفس، وإلا أصبَح خبيث النفس كسلانَ»؛ (رواه مسلم).

 

الحصانة الإلهية: وهذه أيضًا تابعة للتي قبلها، وكم يحتاج الإنسان إلى أن يُحصِّن نفسه! فإذا كانت هذه الحصانة من الله، وإذا كان هذا الحفظ من الله، فانظر - رعاك الله - كيف يكون من صلى الفجر في جماعة في سلامة وأمن وطمأنينة لا يُمكن أن يَحوزها أي إنسان! لأن أي إنسان سيعتمد في هذا الحفظ أو في هذه الحصانة على جهود بشرية، أو على قوى أرضية، وأنت معتمد على رب الأرباب سبحانه وتعالى، كما في حديث جندب بن سفيان عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من صلى الصبح فهو في ذمة الله، فانظر يا بن آدم، لا يَطلبَّنك الله في ذمته بشيء»؛ أي: هو في حفظ الله ما دام على طاعة الله.

 

وأعظم من تلك الغنيمة رؤية الله عز وجل: ففي حديث النبي صلى الله عليه وسلم عند مسلم في تفسير قوله عز وجل: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} [يونس:26] قال: (الحسنى: الجنة، والزيادة: النظر إلى وجه الله سبحانه وتعالى).

 

وفي حديث جرير رضي الله عنه قال: (كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم، فنظر إلى القمر ليلة البدر، فقال: إن إنكم ستَرون ربَّكم كما ترون هذا القمر، لا تُضامون في رؤيته، فإن استطعتم ألا تُغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها، فافعلُوا، ثم قرأ: {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا} [طه:130]؛ (رواه أصحاب السنن الأربع).

 

البركة والفلاح وهي غنيمة البركة والنجاح، في حديث جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «اللهم بارِك لأُمتي في بكورها»؛ (رواه الطبراني في الأوسط)، قال الهيثمي: رجاله ثقات، إلا أن شيخ الطبراني لم أجد له ترجمة.

 

عن صخر: عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «اللهم بارِك لأمتي في بكورها»، وكان إذا بعث سرية أو جيشًا، بعثَهم من أول النهار، وكان صخر رجلًا تاجرًا، وكان يبعَث تجارته من أول النهار، فأثْرى وكثُر ماله، قال أبو داود: وهو صخر بن وداعة [7].

 

فالذي يريد البركة التي افتقدها كثيرٌ من الناس بسبب تركهم لِما شرَع الله سبحانه وتعالى، وهجْرهم ونوْمهم عن صلاة الفجر في جماعة، حتى أضحت المساجد تشتكي إلى الله في صلاة الفجر من قلة المصلين، فعليه بالعمل بالهدي النبوي المبارك، وأن يصلي الفجر في جماعة، وتأمَّل إلى حال ذلك الصحابي الجليل التي امتثل إلى ما أرشَد إليه النبي - صلى الله عليه وسلم - فرزَقه الله من حيث لا يَحتسب، إنه صخر بن وداعة رضي الله عنه.

 


[1] أخرجه البخاري ح 548.

[2] فتح الباري، ابن حجر، [جزء 2 - صفحة 53].

[3] رواه مالك في الموطأ ح 259، وأبو داود ح 555، والترمذي ح 221، وأحمد ح 408، قال الشيخ الألباني: (صحيح)؛ انظر حديث رقم : 6341 في صحيح الجامع.

[4] فيض القدير، جزء 6 - صفحة 165.

[5] صحيح البخاري، جزء 1 - صفحة 203 ح 530، ومسلم ح 632.

[6] عمدة القاري، جزء 5، صفحة 45.

[7] أخرجه أحمد ح 1319، وأبو داود ح 2606، والترمذي ح 1212، وابن ماجه ح 2236، وقال الشيخ الألباني: (صحيح)؛ انظر حديث رقم: 1300 في صحيح الجامع.

____________________________________________________
الكاتب: السيد مراد سلامة

  • 0
  • 0
  • 100

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً