وسائل التواصل الاجتماعي

منذ 2025-04-17

إن وسائل التواصل في هذا الزمان أصبحت مَعاوِلَ هَدْمٍ للقيم والأخلاق، وأصبح التافهون والفاسقون قدواتٍ، كما قيل: نحن نشغل أوقاتنا بمتابعة فراغ الآخرين وتفاهتهم.

فيا عباد الله، شرُّ الخلق على الإطلاق في الدنيا والآخرة هم الذين يستغلون نعمة الله تعالى، ويخونونها، ويستخدمونها في معصية الله تعالى، هؤلاء يعذبون أنفسهم بعقوبة الله تعالى في الدنيا قبل الآخرة {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى} [طه: 124- 126].

 

يا عباد الله، نعم الله تعالى تستوجب الشكر، فمن شكر الله تعالى على نعمه رأيته عبدًا مطمئن القلب، قرير العين، راضيًا عن ربه أتمَّ الرضا، ملأ قلبه حبًّا لله تعالى، ورجاءً فيه، ويقينًا في رحمته، واستبشر بقوله تعالى: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ} [إبراهيم: 7]؛ لأن الشكر لله تعالى يعقل النعمة الموجودة، ويستجلب النعمة المفقودة.

 

أيها الإخوة الكرام، من جملة نِعَم الله تعالى علينا نعمة ما يُسمَّى بوسائل التواصل الاجتماعي، وكل نعمة في الحياة الدنيا اختبار وابتلاء {لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ} [النمل: 40]، وأجهزة التواصل الاجتماعي بحد ذاتها نعمة، ولكنها وبكل أسف انقلبت إلى نقمة عند أكثر الناس، حيث سهلت عليهم معصية الله تعالى، بسبب الغفلة عنه تبارك وتعالى.

 

يا عباد الله، يا أصحاب الجوَّالات، راقبوا الله تعالى القائل: {إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء: 1]، والقائل: {أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى} [العلق: 14]، والقائل: {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ} [الحديد: 4] والقائل: {إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى} [طه: 46].

 

يا أصحاب هذه النعمة، لا تجعلوا الله أهون الناظرين إليكم، وتذكروا قول الله تعالى: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق: 18]، واسمعوا حديث رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: «استحيوا من الله حق الحياء».

 

قال: قلنا: يا رسول الله، إنا نستحيي والحمد لله.

 

قال: ليس ذاك، ولكن الاستحياء من الله حق الحياء أن تحفظ الرأس وما وعى، والبطن وما حوى، ولتذكر الموت والبلى، ومن أراد الآخرة ترك زينة الدنيا، فمن فعل ذلك فقد استحيا من الله حق الحياء؛ (رواه الترمذي).

 

على المرء كذلك أن يتذكر مسؤوليته عما تجترحه جوارحه من أفعال وأقوال، قال تعالى: {يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ} [النور: 24، 25].

 

وإن مما يذكر في هذا المقام ما جاء عن المعصوم صلى الله عليه وسلم حيث قال: «إنه أتاني الليلة آتيان، وإنهما ابتعثاني، وإنهما قالا لي انطلق، وإني انطلقت معهما»، وفيه: «فأتينا على رجل مستلقٍ لقفاه، وإذا آخر قائم عليه بكلوب من حديد، وإذا هو يأتي أحد شقي وجهه فيشرشر شدقه إلى قفاه، ومنخره إلى قفاه، وعينه إلى قفاه، ثم يتحول إلى الجانب الآخر فيفعل به مثل ما فعل بالـجانب الأول، فما يفرغ من ذلك الجانب حتى يَصِحَّ ذلك الجانب كما كان، ثم يعود عليه فيفعل مثل ما فعل المرة الأولى»، وفيه: «وأما الرجل الذي أتيت عليه، يشرشر شدقه إلى قفاه، ومنخره إلى قفاه، وعينه إلى قفاه، فإنه الرجل يغدو من بيته، فيكذب الكذبة تبلغ الآفاق»؛ (الحديث بطوله رواه البخاري).

 

وهذا واقع مشاهد يكذب الكذبة في هذا الجهاز فتبلغ الآفاق، وعقابه في البرزخ ما قد سمعتم.

 

فالحذرَ الحذرَ، واعلموا أن أعراض الـمسلمين وأسرارهم غير مباحة للتعدي، وعلى هذا الأساس يجب ستر الـمسلمين، ويحرم كل ما يؤدي إلى انتهاك أعراضهم وفضحها؛ قال صلى الله عليه وسلم: «يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان قلبه، لا تغتابوا المسلمين، ولا تتبعوا عوراتهم، فإنه من اتبع عوراتهم يتبع الله عورته، ومن يتبع الله عورته يفضحه في بيته».

 

إخوة الإيمان، إن من أعظم الخطر وأعظم مصيبة أن تنشر المعاصي والموبقات في وسائل ومواقع التواصل الاجتماعي، وتبقى تحصد تلك الذنوب المستمرة في حياتك وبعد موتك.

 

قال حبيب الفارسي رحمه الله: إن من سعادة المرء أن يموت وتموت معه ذنوبه.

 

إخوة الإيمان، إن وسائل التواصل في هذا الزمان أصبحت مَعاوِلَ هَدْمٍ للقيم والأخلاق، وأصبح التافهون والفاسقون قدواتٍ، كما قيل: نحن نشغل أوقاتنا بمتابعة فراغ الآخرين وتفاهتهم.

 

فهذا منذر شرٍّ على المجتمع عن أبي هريرة قال: قال صلى الله عليه وسلم: «سيأتي على الناس سنوات خدَّاعات؛ يصدق فيها الكاذب، ويكذب فيها الصادق، ويؤتمن فيها الخائن، ويخون فيها الأمين، وينطق فيها الرويبضة. قيل: وما الرويبضة؟ قال: الرجل التافه يتكَلَّم في أمر العامة».
 

إخوة الإيمان، إن على الآباء والأمهات مسؤولية عظيمة في مراقبة الأبناء والبنات فكلُّكم راعٍ وكلُّكم مسؤولٌ عن رعيته، فإنكم ستسألون أمام الله عن رعيتكم، ومن الأمور التي تعين على مواجهة هذا الطوفان التقني الذي فتح أبواب الشر على مصراعيها تعزيز الرقابة الذاتية عند أبنائنا وبناتنا، وهي شعور داخلي، وقوة ضابطة، نابعة من إيمانه بمراقبة الله تعالى، واطِّلاعه على أعماله، تدعوه إلى الحرص على فعل الطاعات طلبًا لمرضاة الله وثوابه، والبُعْد عن المعاصي خوفًا من عقابه.

 

ومن الأمور المعينة الاهتمام بكتاب الله قراءةً وحفظًا، اقرأوا القرآن وعلِّمُوه أبناءكم، قال أحد السلف: عَلِّم ولدك القرآن، والقرآن سيعلمه كل شيء، قال تعالى: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} [الإسراء: 9]؛ أي: يهدي للتي هي أعدل وأعلى من العقائد والأعمال والأخلاق.

 

قيل للحسن البصري: فلان يحفظ القرآن، فقال: بل القرآن يحفظه!

اللهم ارفعنا وانفعنا بالقرآن العظيم.

وصلوا رحمكم الله.

 

  • 1
  • 0
  • 92

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً