لماذا تتأخر إجابة الدعاء

منذ 14 ساعة

التذكير بأهمية وفضائل الدعاء، مع بيان شروط إجابة الدعاء، والرد على شبهة تأخر إجابة الدعاء.

• أيها المسلمون عباد الله، إن الدعاء هو مفتاح الخيرات، وبه تُستجلب الرحَمات، وبه تُدفع النِّقم والبلايا والرزايا.

 

• فإن من أعظم نِعم المولى سبحانه وتعالى التي يتفضَّل بها على عباده قولَه تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} [البقرة: 186].

 

• فسبحانه ذي الكرم والجُود العظيم؛ جعل سؤال عبده له، وطلبه قضاءَ حوائجه عبادةً يُؤجر عليها؛ فقد روى الترمذي عن النعمان بن بشير رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن الدعاء هو العبادة»؛ والمعنى أنك تتقرب إلى الله تعالى بسؤالك إياه، وطلب قضاء حوائجك.

 

• والعبد عندما يسأل ربه، ويطلب قضاء حوائجه، فهو في عبادة يُؤجر عليها؛ فقد روى الترمذي عن النعمان بن بشير رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن الدعاء هو العبادة»؛ والمعنى أنك تتقرب إلى الله تعالى بسؤالك إياه وطلب قضاء حوائجك.

 

• وقد جعل سبحانه وتعالى عدمَ سؤال العبد له مذمومًا؛ فقد ذمَّه بأبلغ أنواع الذم؛ كما قال تعالى: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} [غافر: 60].

 

• بل إن الله تعالى يغضب إذا ترك العبد سؤاله؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من لم يسألِ الله، يغضَبْ عليه»؛ [ (رواه الترمذي، وابن ماجه، وأحمد، وصححه الألباني) ]، وعن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ليس شيءٌ أكرمَ على الله تعالى من الدعاء»؛ [ (رواه الترمذي، وابن ماجه، وأحمد، وصححه الألباني) ].

 

• رأى أحد الصالحين رجلًا يتردد على أبواب الملوك، ويسألهم من عطاياهم، فقال له: "ويحك، تأتي من يُغلق عنك بابه، ويُظهر لك فقره، ويواري عنك غِناه، وتدَع من يفتح لك بابه، ويُظهر لك غناه؛ ويقول: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر: 60].

 

• فإن الله سبحانه وتعالى هو القادر على جلب جميع المصالح، ودفع جميع المضار؛ كما قال تعالى: {وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [يونس: 107].

 

• ولو أنه استجاب لجميع خلقه، فلا ينقص من ملكه شيء؛ كما في الحديث القدسي: «يا عبادي، لو أن أولَكم وآخركم، وإنسَكم وجنَّكم قاموا في صعيد واحد، فسألوني فأعطيتُ كلَّ إنسان مسألته، ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص الْمِخْيَط إذا أُدخل البحر»؛ [ (رواه مسلم) ].

 

• والدعاء باب عظيم من أبواب تفريج الكُربات، وقضاء الحاجات؛ فكم من مريض شُفي بالدعاء! وكم من مكروبٍ ومهموم زال همُّه بالدعاء! وكم من فقير أغناه الله تعالى عندما دعاه! وكم من غائب رجع إلى أهله بالدعاء! وكم من مذنب وعاصٍ غُفر له بالدعاء! وكم من ضالٍّ منحرف رجع إلى طريق الهداية بالدعاء! وكم من ميت في قبره يحتاج إلى الدعاء، أو رُفعت درجته بالدعاء!

 

• فهل شُفي أيوب عليه السلام إلا بالدعاء؟ قال الله تعالى: {وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} [الأنبياء: 83]؛ فكانت الإجابة: {فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ} [الأنبياء: 84].

 

• وهل رُزق زكريا عليه السلام نعمة الولد بعد أن بلغ من العمر عتيًّا إلا بالدعاء؟ قال الله تعالى: {وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ} [الأنبياء: 89]، وقال تعالى: {قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا} [مريم: 4]؛ فكانت الإجابة: {فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ} [الأنبياء: 90].

 

• وهل خرج يونس عليه السلام من بطن الحوت إلا عندما دعا ربَّه وناجاه؟ قال الله تعالى: {وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ} [الأنبياء: 87]؛ فكانت الإجابة: {فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ} [الأنبياء: 88].

 

• وهذا النبي صلى الله عليه وسلم يوم بدرٍ، عندما جمع الله تعالى بينه وبين عدوه بلا ميعاد؛ قال الله تعالى: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ} [الأنفال: 9].

 

• فإذا تراكمت عليك الهموم والأحزان، فعليك برفع يديك إلى السماء، واطلب من ربك، وألِحَّ عليه في الدعاء، وتوسَّل إليه بأسمائه الحسنى؛ كما في الدعاء النبوي: «... أن تجعل القرآن ربيعَ قلبي، ونور بصري، وجِلاء حزني، وذَهاب همي، إلا أذهب الله همَّه، وأبدله مكانَ حزنه فرحًا».

 

• وإذا تراكمت عليك الديون، فعليك بالدعاء؛ فعن عليٍّ رضي الله عنه، أن مكاتبًا جاءه فقال: إني قد عجزت عن كتابتي فأعنِّي، قال: ألَا أُعلمك كلماتٍ علمنيهن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لو كان عليك مثلُ جبل صِيرٍ دَينًا أدَّاه الله عنك، قال: «قُل: اللهم اكْفِني بحلالك عن حرامك، وأغْنِني بفضلك عمن سواك»؛ [ (رواه الترمذي، وحسنه الألباني) ]، وعن أبي سعيد الخدري قال: ((دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم المسجد، فإذا هو برجل من الأنصار يُقال له: أبو أمامة، فقال: «يا أبا أمامة، ما لي أراك جالسًا في المسجد في غير وقت الصلاة؟» قال: همومٌ لزمتني وديون يا رسول الله، قال: «أفَلَا أُعلمك كلامًا إذا أنت قلتَه، أذهب الله عز وجل همك وقضى عنك دينك؟» قال: قلت: بلى يا رسول الله، قال: «قُل إذا أصبحت وإذا أمسيت: اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، وأعوذ بك من العجز والكسل، وأعوذ بك من الجبن والبخل، وأعوذ بك من غلَبة الدَّين، وقهر الرجال» ، قال: ففعلت ذلك، فأذهب الله عز وجل همِّي، وقضى عني دَيني))؛ [ (رواه أبو داود) ].

 

• وإذا استصعبت أمرًا وشقَّ عليك، فعليك بالدعاء؛ فقل كما علمنا النبي صلى الله عليه وسلم: «اللهم لا سهلَ إلا ما جعلته سهلًا، وأنت تجعل الحزن إذا شئتَ سهلًا».‏

 

• وإذا كنت في حيرة من أمرك، لا تدري ماذا تفعل، فعليك بالدعاء؛ وقُل كما علمنا النبي صلى الله عليه وسلم: «اللهم إني أستخيرك بعلمك، وأستقدرك بقدرتك، وأسألك من فضلك؛ فإنك تقدر ولا أقدر، وتعلم ولا أعلم، وأنت علَّام الغيوب».

 

• ولذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو الله تعالى في كل أحواله: إذا دخل المسجد أو خرج منه، وإذا ركب دابته مسافرًا، وإذا أحس وجعًا أو ألمًا في بدنه.

 

مع شروط إجابة الدعاء:

• أيها المسلمون عباد الله، اعلموا - رحمكم الله - أن للدعاء شروطًا وآدابًا؛ حتى يكون دعاءً مستجابًا، ومن هذه الشروط والآداب:

1- إخلاص الدعاء لله عز وجل؛ كما قال الله تعالى: {فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} [غافر: 14]، وقال تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} [البينة: 5]؛ وهذا هو معنى قوله تعالى: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا} [الجن: 18].

 

2- طِيب الْمَطعم؛ فإن نقيض ذلك من أسباب رد الدعاء؛ فقد استبعد النبي صلى الله عليه وسلم الاستجابةَ لمن أكل وشرِب ولبِس الحرام؛ كما في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: «... ثم ذكر الرجل يطيل السفرَ، أشعثَ أغبرَ، يمُدُّ يديه إلى السماء: يا رب، يا رب، ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغُذِّيَ بالحرام، فأنَّى يُستجاب لذلك؟».

 

3- اليقين والثقة في موعود الله جل في علاه؛ فقد روى الترمذي والحاكم وحسنه الألباني، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة، واعلموا أن الله لا يستجيب دعاءً من قلب غافل لاهٍ».

 

• وهنا وقفة مهمة جدًّا؛ وهي أن كثيرًا من الناس من يقول: دعوت ولم يُستجَب لي، لم أجد أثرًا للدعاء!

 

أولًا: نوقن جميعًا أن الله تعالى هو أصدق القائلين.

 

ثانيًا: تأمل معي هذا الحديث العظيم؛ فقد روى البخاري في الأدب المفرد، عن أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما من مسلمٍ يدعو ليس بإثمٍ ولا قطيعة رحم، إلا أعطاه الله إحدى ثلاث: إما أن يعجِّل له دعوته، وإما أن يدَّخرها له في الآخرة، وإما أن يدفع عنه من السوء مثلها، قال الراوي: إذًا نُكثر، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: الله أكثر»؛ قال ابن حجر رحمه الله: "كل داعٍ يُستجاب له، لكن تتنوع الإجابة، فتارة تقع بعين ما دعا به، وتارة بعِوضه".

 

ثالثًا: قد يتأخر الجواب؛ وذلك لِحِكَمٍ لا يعلمها إلا الله تعالى؛ فمنها:

1- أن الله تعالى يستجيب لمن يشاء؛ فإن المطلَق في قوله تعالى: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر: 60]، مُقيَّدٌ بقوله تعالى: {بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاءَ وَتَنْسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ} [الأنعام: 41]؛ فردَّ إجابة الدعاء إلى المشيئة؛ لأنه سبحانه هو الخالق المدبِّر لأمر هذا الكون، وهو العليم بأحوال خلقه.

 

2- العبد قاصر الفَهم قد يدعو بشيء، ويكون فيه ضرر عليه؛ كما قال تعالى: {وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [البقرة: 216]، وقال تعالى: {فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا} [النساء: 19]؛ فقد يدعو أن يرزقه الله مبلغًا من المال، وتتأخر الإجابة؛ لعِلم الله تعالى وحكمته.

 

3- وقد يتأخر الجواب؛ حتى تدعو وتُلِحَّ في الدعاء، وتُظهر فقرك وحاجتك لسيدك ومولاك؛ فقد روى مسلم عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: ((كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دعا دعا ثلاثًا، وإذا سأل سأل ثلاثًا)).

 

• قال ابن القيم رحمه الله في (الداء والدواء): "ومن أنفع الأدوية الإلحاح في الدعاء".

 

4- وقد يتأخر الجواب؛ لكي يفتش العبد في نفسه لعله ظلم، أو أذنب؛ فتحصل منه التوبة.

 

5- ومنها: أن العبد قد يستعجل؛ فيُحرم إجابة الدعاء؛ ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لا يزال يُستجاب للعبد ما لم يدْعُ بإثم أو قطيعة رحم» ، ما لم يستعجل، قيل: يا رسول الله، ما الاستعجال؟ قال «يقول: قد دعوتُ وقد دعوتُ، فلم أرَ يستجيب لي، فيستحسر – أي: فينقطع عن الدعاء ويتركه- عند ذلك ويدَع الدعاء»، وفي رواية: «يُستجاب لأحدكم ما لم يعجَل يقول: دعوت فلم يُستجب لي».

 

نسأل الله العظيم أن يوفقنا جميعًا للدعاء، وأن يفتح لدعواتنا أبواب السماء.

  • 1
  • 0
  • 43

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً