عيادة المريض: عبادة ورحمة وطريق إلى الجنة

منذ 6 ساعات

عيادة المريض ليست فقط زيارة، بل صلة ورحمة، وتفقد لحال أخيك، وتذكير له بالصبر والأمل، ودعاء له بالشفاء، وتخفيف لآلامه النفسية والجسدية.

في دين التوحيد والرحمة، وفي مجتمع تسوده الألفة والمودة، لا يُترك الإنسان وحده في مرضه، بل تُحيطه شريعة الإسلام بالرعاية والعناية، فتجعل من عيادة المريض خلقًا راقيًا، وسُنّةً مؤكدة، بل بابًا من أبواب الأجر العظيم.

عيادة المريض ليست مجرد زيارة عابرة، بل هي عمل قلبي، فيه المواساة، والرحمة، والتواصل، وفيه من الفضل ما يجعلها عبادة يتقرب بها العبد إلى ربه، ويوطد بها علاقته بأخيه الإنسان، ومجتمعه، وربه جل في علاه.

مكانة عيادة المريض في الإسلام
جعل الإسلام عيادة المريض من الحقوق الستة التي يجب أن يؤديها المسلم تجاه أخيه المسلم، كما في حديث النبي صلى الله عليه وسلم:

حق المسلم على المسلم ست: إذا لقيته فسلّم عليه... وإذا مرض فعده...الخ. (رواه مسلم).

وفي حديث آخر، يقول صلى الله عليه وسلم:

«خمس من حق المسلم على المسلم: رد السلام، وإجابة الدعوة، وعيادة المريض، واتباع الجنائز، وتشميت العاطس». (البخاري ومسلم).

عيادة المريض ليست فقط زيارة، بل صلة ورحمة، وتفقد لحال أخيك، وتذكير له بالصبر والأمل، ودعاء له بالشفاء، وتخفيف لآلامه النفسية والجسدية.

فضل عيادة المريض:
1. في معية الله
قال النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه:
«يا ابن آدم، مرضتُ فلم تعدني... أما علمتَ أن عبدي فلانًا مرض فلم تعده، أما إنك لو عدته لوجدتني عنده؟». (مسلم).

تخيل أن تزور مريضًا، فتكون زيارتك كأنك زرت ربك! إنها عظمة الرحمة الإلهية التي تربط القلوب بلُطف، وتكافئ الأعمال الصغيرة بأجر لا يتصوره عقل.

2. الملائكة تصلي عليه:
قال صلى الله عليه وسلم:
«ما من امرئ يعود مريضًا، إلا صلّى عليه سبعون ألف ملك حتى يمسي، وإن عاد غدوة صلّى عليه سبعون ألف ملك حتى يُمسي، وكان له خريف (ثمر) في الجنة». (الترمذي وصححه).

3. غَمَرَته الرحمة:
قال صلى الله عليه وسلم:
«من عاد مريضًا، خاض في الرحمة، فإذا قعد عنده غمرته». (البخاري في الأدب المفرد).

4. يمشي في رياض الجنة:
قال صلى الله عليه وسلم:
«من عاد مريضًا، لم يزل في خُرفة الجنة حتى يرجع». (مسلم). وفي رواية:
«قال الله له: طبت، وطاب ممشاك، وتبوأت من الجنة منزلًا».

آداب عيادة المريض:
عيادة المريض فنٌّ وذوق، وسُنة وهدي، ومن أهم آدابها:
1. اختيار الوقت المناسب:
لا تزر المريض في وقت راحته أو نومه أو علاجه، وقد جاء عن أنس رضي الله عنه:كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يعود مريضًا إلا بعد ثلاث. (ابن ماجه).

2. الجلوس القصير:
قال الغزاليّ رحمه الله في بيان حقوق المسلم على المسلم: أن يعود مرضاهم..، وأدب العائد خفّة الجلسة.
ولا يُثقل على المريض بكثرة الكلام أو الأسئلة. فالمريض بحاجة إلى الراحة، لا إلى السرد والتشويش.
ذكر ابن الصّيرفيّ الحرّانيّ في نوادره قول بعض الشّعراء:

لا تضجرنّ عليلا في مساءلةإنّ العيادة يوم بين يومين

بل سله عن حاله وادع الإله لهواجلس بقدر فواق بين حلبين

من زار غبّا أخا دامت مودّتهوكان ذاك صلاحا للخليلين

 

3. الدعاء له:
كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول عند عيادة المريض:
«أذهب البأس رب الناس، اشفِ وأنت الشافي، لا شفاء إلا شفاؤك، شفاء لا يغادر سقمًا». (أحمد والنسائي).

كما قال صلى الله عليه وسلم:
«من عاد مريضًا لم يحضر أجله فقال: أسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يشفيك – سبع مرات – إلا عوفي». (الترمذي).
وفي حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان إذا جاء الرَّجلَ يعودُه قال:
«اللَّهمَّ اشْفِ عبدَك ينكَأُ لك عدوًّا أو يمشي لك إلى صلاةٍ». (أبو داود).

4. توسيع الأمل في قلبه:
قال صلى الله عليه وسلم:
«إذا دخلتُمْ على المريضِ فنفِّسوا له في أجَلهِ فإنَّ ذلك لا يردُّ شيئًا ويطيِّبُ نفسَهُ». (الترمذي).

كما عاد صلى الله عليه وسلم شابًا في مرض موته، فقال له: «كيف تجدك؟» ، فقال: أرجو الله وأخاف ذنوبي. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يجتمعاِن في قَلبِ عَبدٍ في مِثلِ هذه الحالِ إلَّا أعطاه اللهُ ما يرجو، وأمَّنَه مِمَّا يخافُ».(الترمذي).

5. تذكيره بأجر الصبر:
قال صلى الله عليه وسلم:
«ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا همّ ولا غمّ... حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه». (البخاري ومسلم).

6. عدم التشاؤم أو نقل الأخبار السيئة:
لا تُذكره بمن مات بمثل مرضه، ولا تقارن حالته بحالات محبطة، بل خذ بيده نحو الأمل والرضا، واذكر له وَعْدَ الله للصابرين في القرآن: {
{وبشّر الصابرين...}.

لمحات من هدي النبي صلى الله عليه وسلم:
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم حريصا على عيادة المرضى، ومواساتاهم، وكانت زيارته مزيجًا من الرحمة واللطف والدعاء.

عاد غلامًا يهوديًا حتى أسلم، وقال: «الحمد لله الذي أنقذه بي من النار». (البخاري).
عاد سعد بن عبادة، فوضع يده على جبهته، ومسح وجهه ودعا له.
عاد جابرًا رضي الله عنه، ورش عليه من وضوئه فشُفي.

زيارة على طريق الجنة:
عيادة المريض ليست فقط زيارة، بل هي مدرسة في الإيمان، ومحطة في طريق الجنة، وباب واسع للأجر والمغفرة.
فيها دعوة للرحمة، وتذكرة بالآخرة، وتطهير للقلوب.
قال بعض السلف: من لم يُحسن مواساة المريض، فليدعُ له، فإن الدعاء أبلغ المواساة.
فلنحرص على هذه العبادة الجليلة، ولنربِّ عليها أبناءنا، ولنزرع بها الرحمة في مجتمعاتنا.

  • 0
  • 0
  • 0

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً