حين يمهد العطاء طريقه بالصبر

منذ 7 ساعات

فما الرزقُ الحقيقي إلا أن ترزق قلبًا لا يتغيّر إن تغيرت الدنيا، ولا يلتفتُ إن التفت الخلق، ولا يضعف يقينه مهما ضاقت به السبل، لأنه يستند على ربه الكريم الذي لا منتهى لكرمه، ولا يعجزه شيء، وبيده ملكوت كلّ شيء.

من أبواب حسن الظن الدقيقة؛ حسن الفهم عن الله في باب المنع والعطاء، وأكثر الناس عن هذا غافلون.

فقد يتأخر رزقُك، لا لأنَّ دعاءك لم يُسمع، بل لأنك لم تُكمل بعد عُدَّتَك له، و لم تُهيَّأ بعد لحمل ثقله، ولم تُربَّ على احتمال فتنته.

ولو فاجأك في طورك هذا، لكان عليك لا لك، ولو فتح لك الباب على مصراعيه قبل أوانك ونضجك؛ لتغيرت عندك المقاييس، ولفتنتك زخارفه كما تفتن النار الفراش. واختل في نفسك ميزانُ التقدير، فتكون النعمة فتنة، العطاء استدراجا، فتأخره من تمام اللطف والعناية، والموفّق من تلمح هذا.

لطف الله بك أن يُؤخره عنك ليرفعك، ويبتليك ليطهرك ويُهيئك، ومن ويأخذك في معارج طاعته منزلة بعد منزلة، فيمسكك الرحمن على أبواب الصبر، ويُربي فيك اليقين حتى إذا اعتادت روحك التسليم، واطمأنت في حضرة المنح كما كانت آمنةً في ميدان المحن ولانت النفسُ واستقرت وزكت، وامتحنها الزهد فما اهتزت، وأدبرت الدنيا فما حَزَنت، وأقبلت فما طربت، حينئذ لا يفتح الله عليك فحسب، بل يُسبغ عليك الخير إسباعا، وتأتيك المنح مطأطئة هاماتها إليك، ذليلةً لعزيمتك وصبرك وحسن ظنك، هنالك تتنزل الأرزاق لا لتفتنك بل لتخدمك؛ فتأتيك النعمة تمامًا على الذي أحسن.

فما الرزقُ الحقيقي إلا أن ترزق قلبًا لا يتغيّر إن تغيرت الدنيا، ولا يلتفتُ إن التفت الخلق، ولا يضعف يقينه مهما ضاقت به السبل، لأنه يستند على ربه الكريم الذي لا منتهى لكرمه، ولا يعجزه شيء، وبيده ملكوت كلّ شيء.

د. طلال بن فواز الحسان

  • 1
  • 0
  • 41

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً