(حلف الدم) الخيانة الدرزية في فلسطين

منذ 13 ساعة

يحيط الدروز أنفسهم بفقاعة دينية تعود جذورها الاعتقادية إلى الإسماعلية التي أنجبتها الدولة الفاطمية في القرن العاشر، وهي حركة باطنية يؤمن المنتمون إليها بما يعرف لديهم بـ (رسائل الحكمة).

تعيش الطائفة الدرزية في فلسطين المحتلة حالة تمزق رهينة بالمتغيرات السياسية التي طرأت منذ التصاقها بمشروع الحركة الصهيونية في فلسطين قبل عام 1948م وتوقيع القيادة الدينية للطائفة على ما عُرِف لاحقاً بــ (حلف الدم)، وهو مبادرة تعهد فيها القادة الدينيون للطائفة بالحفاظ على ولائهم للمشروع الصهيوني وإرسال أبنائهم للخدمة في الجيش الإسرائيلي مقابل تحييدهم من الهجمات التي تشنها العصابات اليهودية، الأمر الذي تمخض عنه عزل الدروز عن الفلسطينيين ووضعهم في حدود ديموغرافية ضيقة جعلتهم مجرد دُخلاء يخدمون آلة القمع الاستيطانية الصهيونية في فلسطين.

ويحيط الدروز أنفسهم بفقاعة دينية تعود جذورها الاعتقادية إلى الإسماعلية التي أنجبتها الدولة الفاطمية في القرن العاشر، وهي حركة باطنية يؤمن المنتمون إليها بما يعرف لديهم بـ (رسائل الحكمة)؛ وهي مزيج من النصوص الفلسفية الهندوسية واليونانية وبعض المقالات الإسلامية، ولا تقبل الطائفة الدرزية انضمام الغرباء إليها فالدين لديها بالوراثة ينتقل من الآباء إلى الأبناء.

بدأ تاريخها السياسي الحديث بعد أن قدم أحد أبرز قادتها الدينيين (جبر معدي) عام 1956م التماساً للحكومة الإسرائيلية في عهد ديفيد بن غوريون رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي، للسماح لأبناء الطائفة بالانضمام إلى الجيش الإسرائيلي، وكانت تلك الخطوة امتداداً لإسهامات الدروز في مساعدة العصابات اليهودية على احتلال منطقة الجليل الأعلى شمال فلسطين المحتلة، وهي المنطقة التي أصبحت مركزاً لتجمعاتهم البشرية، ويبلغ تعدادهم بحسب مركز المعلومات الوطني الفلسطيني 122 ألف نسمة يتوزعون على 15 بلدة وقرية أغلبها تقع على قمم الجبال ومنها دالية الكرمل وعسفيا وشفا عمرو والمغار.

عملت الدولة العبرية على فصل الدروز عن الهوية القومية المرتبطة بفلسطين سواء من خلال الاعتراف بديانتهم ومنحهم امتيازات على هذا الأساس، أم من خلال تمييز معاملتهم عن بقية الفلسطينيين داخل الخط الأخضر، فقد تم دعم برامج تعليمية خاصة بهم وحصلوا على وظائف في مؤسسات الأمن والجيش والتحق العديد من أبناء الطائفة بالكتل السياسية اليهودية بشقيها اليميني واليساري، وخصص الجيش الإسرائيلي كتيبة كاملة ضمن صفوفه للدروز عرفت باسم كتيبة (السيف)، وسعت (إسرائيل) بذلك لإبعاد الدروز عن الخطاب القومي الفلسطيني المعادي للصهيونية مستغلةً بعض التراث الديني مثل رواية تزويج النبي شعيب عليه السلام ابنته للنبي موسى عليه السلام، لإيجاد رابط ديني وتاريخي بين اليهود والدروز وإبعادهم عن إطارهم العربي.

وإمعاناً في تكريس الفصل قامت السلطات الإسرائيلية عام 1959 بفصل المحاكم الدرزية عن المحاكم الشرعية الإسلامية، وخصصت لهم سلطات محلية عززت بداخل أبناء الطائفة استقلاليتهم العرقية والقومية وهي خطوات اتخذتها السلطات الإسرائيلية بعد ظهور أصوات معارضة داخل الطائفة الدرزية ترفض (حلف الدم) الذي وقَّعته القيادة الدينية الدرزية مع الحركة الصيهونية، ورفضت كذلك الخدمة في صفوف الجيش الإسرائيلي.

ورغم كل ما قدمه الدروز للمشروع الصهيوني فإن السياسيات التمييزية العنصرية التي قامت عليها (إسرائيل) استهدفت أيضاً أراضي الدروز فتمت مصادرتها لصالح بناء تجمعات استيطانية يهودية، وهذا الأمر يؤكده الكاتب الدرزي رباح حلبي في كتابه (الهوية الدرزية والدولة اليهودية) الذي قال فيه إن جماعته «خُدعت واستغلت بطريقة نتنة لخدمة المشروع الصهيوني».

فوَفْقاً لتقـرير إحصائي نشره مركز مدار لدراسات الشأن الإسرائيلي، يصنَّف الدروز في أسفل الهرم المعيشي الاقتصادي في الدولة العبرية، وبموجب التصنيف الرسمي الذي يتشكل من 10 درجات فإن القرى الدرزية تحتل الدرجات الثلاث الأولى وهي الأشد فقراً، مثل قرية يركا، وهي ثاني أكبر قرية من بين القرى الدرزية، وفيها أقل من 17 ألف نسمة، وتقع في التدريج الثالث الفقير، ومثلها قرية بيت جن 12 ألف نسمة في التدريج الثالث، ودالية الكرمل أكبر القرى ويسكن فيها أكثر من 17 ألف نسمة، في التدريج الرابع.

وعلى صعيد الهوية الوطنية فإن إحصائية نشرها مركز بيو الأمريكي للدراسات أشار فيها إلى أن تسعة من كل عشرة دروز لديهم إحساس بالانتماء لمجتمعهم الديني أكثر من هويتهم الوطنية، ويعتقدون أن هويتهم الدينية مهمة بالنسبة لهم، فثمانية من كل عشرة تقريباً يرون أن الهوية الدرزية تتعلـق بالدين والنسب. ولم يكن التعاون الديني الدرزي مع المشروع الإسرائيلي في فلسطين فقط؛ بل أيضاً حينما احتلت (إسرائيل) مرتفعات الجولان عام 1967م حافظ الجيش الإسرائيلي على بقاء 6396 درزياً سورياً ورفض طردهم مثل بقية السوريين الذين كان تعدادهم يصل إلى 130 ألفاً قبـل الحرب، وكان ذلك إشارة واضحة إلى أن (حلف الدم) الذي وقَّعته القيادة الروحية الدرزية مع بن غوريون يمكن أن يتم تعميمه على الدروز في الشرق الأوسط، وبالفعل فقد عامل الاحتلال الإسرائيلي الدروز في مرتفعات الجولان بصورة مغايرة عن سكان الضفة وقطاع غزة في تلك الفترة وحتى الآن، فقد منحهم الاحتلال امتيازات مكنت الدروز في الجولان من التنقل بحرية داخل فلسطين المحتلة، وسمحت للقيادات الدينية الدرزية بعقد لقاءات متواصلة ضمن عملية دمجهم للكيان الدرزي الذي صنعه الاحتلال بعد نكبة عام 1948م.

لكن رغم الكثير من الخطوات الاستثنائية لتعزيز اندماج الدروز في المشروع الصهيوني إلا أن المواطنة في (إسرائيل) استمرت حقاً حصرياً لليهود فقط، وهذا ما جسده قانون القومية الذي أقره الكنيست وروج له رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو عام 2018م، فالأدبيات الصهيونية التي روجت للكثير من المخططات الهادفة لطرد الفلسطينيين من وطنهم سواء بمشاريع مثل الوطن البديل في الأردن، أم بإلحاق سكان قطاع غزة بشبه جزيرة سيناء المصرية؛ لم تستثنِ الدروز من ذلك ودعتهم أيضاً لإقامة دولة درزية في سوريا وهو مشروع كان له أصل أثناء الاستعمار الفرنسي لبلاد الشام عام 1923م، لذلك حينما أعلنت الحكومة الإسرائيلية تبني قانون (يهودية الدولة) خرجت مظاهرات لبعض الدروز ومنهم من خدم في الجيش الإسرائيلي ورددوا هتافات أبرزها (لسنا مرتززقة).

البروفسور الدرزي قيس فرو له كتاب بعنوان (دروز في زمن الغفلة... من المحراث الفلسطيني إلى البندقية الإسرائيلية) يسرد فيه توثيقاً تاريخياً يشير فيه إلى دور القيادات الدينية الدرزية في تدجين المجتمع الدرزي للتنازل عن قوميته الفلسطينية وعروبته وانخراطه في صفوف المشروع اليهودي وتحويل أبناء الطائفة إلى مرتزقة داخل كتائب الجيش الإسرائيلي، قال فيه: «في جميع المراحل عملت المؤسسة الإسرائيلية، قبل وبعد 1948م وبصورة ممنهجة على نزع الهوية العربية من الدروز من خلال تطبيق أهدافها؛ وذلك باستغلال أو تجنيد قيادات الدروز الدينية والاجتماعية، والسياسية كمتعاونين أو عمـلاء لها، وأن الطائفة الدرزية وقياداتها أضحت ورقة أو أداة من أجل خدمة المشروع اليهودي).

تعقيباً على قانون (يهودية الدولة) يشير الباحث في علم الاجتماع بجامعة حيفا (سامي سموحة) إلى أن قانون الدولة القومية أصبح ممكناً بسبب تراجع التفاؤل الذي ساد بعد التوقيع التاريخي لاتفاقيات أوسلو بين إسرائيل والفلسطينيين في عام 1993م، هناك انقسامات عميقة داخل إسرائيل بين اليهود والعرب والعلمانيين والمتدينين، والمعسكر الذي فضل المفاوضات مع الفلسطينيين والمستوطنين اليمنيين الذين يطالبون بملكية الأراضي في الضفة الغربية).

____________________________________
الكاتب: 
 أحمد أبو دقة

  • 1
  • 0
  • 65

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً