الكفاية في تلخيص أحكام صلاة المسافرين والجمع بين الصلاتين

منذ يوم

فهذه خلاصة نافعة في أحكام صلاة المسافرين والجمع بين الصلاتين، شاملة مختصرة، لخصت مسائلها التي تكثر الحاجة إلى معرفتها من أهم المتون الفقهية المشهورة

 

                المقدمة

الحمدُ لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، محمدٍ وآله وصحبه، أما بعد:  

فهذه خلاصة نافعة في أحكام صلاة المسافرين والجمع بين الصلاتين، شاملة مختصرة، لخصت مسائلها التي تكثر الحاجة إلى معرفتها من أهم المتون الفقهية المشهورة في كل المذاهب المعتبرة، ومن كتب الفقه القديمة والحديثة، ومن الموسوعات العلمية، ومواقع الإفتاء الموثوقة، وحرصت على تحرير المسائل الفقهية وجمعها وتهذيبها، وأسأل الله أن ينفع بها، والحمد لله أولًا وآخرًا.

       أحكام صلاة المسافرين

كل مسافة تسمى في العُرف سفرًا يُشرَع للمسافر أن يقصر فيها الصلاة الرباعية سواء كان سفره برًا أو بحرًا أو جوًا، سواء كان السفر طويلًا أو قصيرًا، وفي العُرف قد تكون المسافة القريبة التي يغيب الإنسان فيها مدة يومين أو ثلاثة ويتزود بالمال أو الزاد سفرًا، وقد لا تكون في العُرف سفرًا كرعاة الإبل الذين يخرجون إلى الضواحي وطرف الصحاري، وإذا خرج الإنسان إلى مسافة قريبة ولم يحتج إلى أخذ مال ولا زاد ورجع من يومه لا يكون في العُرف مسافرًا‏، وأكثر الفقهاء حدَّدوا مسافة السفر بمرحلتين، وهي مسيرة يومين أو مسيرة يوم وليلة بالأقدام، وذلك ما يقارب 80 كيلو مترًا، وقيل: 89 كيلو مترًا تقريبًا لا تحديدًا، والأحوط أن لا يقصر أحد دون هذه المسافة.

 

وإن كان عمله بعيدًا عن مسكنه بقدر هذه المسافة أو أكثر، وهو يتردد إلى عمله البعيد كل يوم بسيارة أو نحوها، فقيل: له القصر، وقيل: لا يقصر؛ لأنه لا يعتبر في العُرف مسافرًا، وهو الأحوط.

ويُشرع القصر للمسافر ولو قطع مسافة السفر في دقائق بطائرة ونحوها، ولو لم يشق عليه السفر.

وقصرُ الصلاة الرباعية للمسافر سنةٌ مؤكدة، وقيل: واجب، وقيل: رخصة، ويُكره للمسافر إتمام الصلاة رغبة عن رُخصة القصر التي داوم عليها النبي عليه الصلاة والسلام في جميع أسفاره، روى مسلم في صحيحه عن يعلى بن أُمية قال: قلت لعمر بن الخطاب: (ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ [النساء:101] فقد أمِن الناس! فقال: عجبتُ مما عجبتَ منه، فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال: «صَدَقَةٌ تَصَدَّقَ اللهُ بِهَا عَلَيْكُمْ، فَاقْبَلُوا صَدَقَتَهُ» .   

وأكثر العلماء أنه لا يجوز القصر إلا في سفر الطاعة والسفر المباح، وقيل: يجوز القصر في كل سفر ولو كان سفر معصية.

ويُشترط لجواز القصر أن يعزم في الابتداء على قطع مسافة السفر، فالصيادون في البر أو البحر الذين إذا وجدوا الصيد قريبًا منهم اكتفوا به، وإذا لم يجدوه قريبًا منهم توغلوا في الصحاري أو الغابات أو داخل البحر لا يجوز لهم القصر؛ لأنهم لم يقصدوا قطع مسافة سفر، وكذا إن سافر إلى بلد ونوى إن لقي صديقه في بعض الطريق رجع لم يقصر.

 وفي اشتراط نية القصر عند الإحرام بالصلاة قولان مشهوران:

القول الأول: لا يشترط نية القصر، فإذا صلى المسافر ركعتين بنية الفريضة أجزأه ذلك، سواء نوى القَصْر أو لم ينوه.

والقول الثاني وهو قول أكثر العلماء: يشترط لصحة القصر أن ينوي المسافر قصر الصلاة حين يُحرِم بالصلاة، فإن أتمها ساهيًا ففرضه الركعتان، ويسجد للسهو، فإن قام للثالثة سهوًا ثم ذكر لزمه أن يجلس، ويسجد للسهو، ولو صلى ثالثة ورابعة سهوًا وجلس للتشهد فتذكر سجد للسهو وسلَّم، ووقعت صلاته مقصورة.

وإن نوى قصْرَ الصلاة ثم رفضه ونوى الإتمام صحت صلاته، وقيل: تبطل صلاته، وإن نوى إتمام الصلاة ثم قصرها بطَلَت صلاته، وقال الذين لا يشترطون نية القصر عند الإحرام بالصلاة: لا تبطل.

وإن نوى المسافر القصر خلف إمامٍ مسافرٍ يريد أن يُتِم صلاته انعقدت صلاته ولغت نية القصر، ووجب عليه متابعة إمامه.

وإن أحرم المسافر خلف من يشك هل هو مقيم أو مسافر أو علم أنه مسافر ولم يدرِ أنوى القصر أو الإتمام فلينو المأموم أن يتابع إمامه في قصره أو إتمامه، فإن أتمَّ إمامُه أتمَّ الصلاة مثله، وإن قصَر إمامُه قصَر الصلاة مثله، وقيل: يلزمه الإتمام وإن قصَر إمامُه، ولو جهل نية إمامه المسافر فنوى في نفسه: إن قَصَر قصرتُ، وإن أتم أتممتُ، فإنه يتابع إمامَه سواء قصَر أو أتم، وتصح صلاته.

وإن لم ينو المسافر القصر عند الإحرام بالصلاة أو شك هل نوى القصر أو الإتمام ولم يغلب على ظنه أحد الأمرين لزمه أن يُتِمَّ، وكذا يجب الإتمام على من شك في قدر المسافة هل هي مسافة قصر أو لا، أو شك المقيم إقامة عارضة هل يُعتبر مسافرًا أو لا، فإن غلب على ظنه أحد الأمرين عمل به ولا حرج.

وإن كان هناك جماعة مسافرون وشك بعضهم في مشروعية القصر في حقهم لا يقصر من شك، ويقصر غيره ممن تبين له مشروعية القصر أو غلب على ظنه مشروعيته باجتهاد أو تقليد، والجاهل يسأل من يثق بعلمه، ويصلون في جماعةٍ واحدةٍ  كلٌّ على ما يعتقده ويغلب على ظنه من كونه يجوز له القصر أو لا يجوز له القصر، فإن كان الإمام يرى القصر قصر بهم وتابعه على القصر من يرى مشروعية القصر، ومن لا يرى مشروعية القصر يصلي معهم جماعة، ثم يُتم ما بقي عليه بعد سلام الإمام، وإن كان الإمام يرى عدم القصر تابعوه جميعًا على الإتمام، ولا يُنكِر أحدٌ على الآخر، وإن تبين خطأ أحدهم فلا إثم عليه ولا إعادة.

 ومن أدركته الصلاة في الحضر ثمَّ سافر فإنه يصليها قصرًا، ولا يقصر المسافر قبل خروجه من البَلد ومجاوزة عُمرانه، وينتهي سفره بوصوله البلد الذي نوى الإقامة فيه مطلقًا أو نوى الإقامة فيه أكثر من أربعة أيام، وإذا رجع انتهى سفره ببلوغه عُمران البلد.

والمسافر يقصر الصلاة ما دام مسافرًا ما لم يستوطن أو ينوي الإقامة في مكان صالح للإقامة، واختلف الفقهاء في قدر الأيام التي إن نوى إقامتها انقطع حكم سفره، ، فقيل: إن نوى إقامة أكثر من أربعة أيام صار مقيمًا بمجرد وصوله، ويتم الصلاة كأهل البلد الذي أقام فيه، وإن نوى الإقامة أربعة أيام أو أقل قصر، وقيل: إن نوى الإقامة قدر ما يصلي أكثر من إحدى وعشرين صلاة فريضة أتم الصلاة، وقيل: إن نوى أن يقيم خمسة عشر يومًا فصاعدًا أتم الصلاة، وقيل: الإنسان إما مقيمٌ وإما مسافرٌ، فإذا لم ينو الاستيطان ولا الإقامة المطلقة التي ينوي معها قطع السفر فهو مسافر ولو طالت المدة، ولا تُحدَّد الإقامة بنية أيام معدودة، والقول الأول أشهر وأحوط، فينبغي أن لا يقصر المسافر إن نوى إقامة أكثر من أربعة أيام في مكان يصلح للإقامة.

ومن أقام إقامة عارضة حال سفره في مكان لا يصلح للإقامة فهو مسافر مهما طالت إقامته، ومن الأماكن التي لا تصلح للإقامة: الصحاري والجبال الخالية والجزر النائية وأماكن حصار الأعداء في بلادهم، فلا يُتِم المسافر إذا أقام في هذه الأماكن حال سفره ولو نوى الإقامة العارضة فيها عدة أشهر، وقيل: ينقطع السفر بنية الإقامة في الأماكن التي لا تصلح للإقامة إن نوى أن يقيم فيها أكثر من أربعة أيام، والمجاهد المقيم في غير بلده لقتال الكفار أو الخوارج والبُغاة يقصر أبدًا وإن نوى إقامة أكثر من أربعة أيام.

وجمهور العلماء أن من أقام ببلد بنية أن يرحل عنه إذا حصلت حاجة يتوقعها يقصر الصلاة حتى تنقضي حاجته، ولو أقام عدة سنين، إن كان لا يعلم المدة التي سيبقى فيها، فإن ظن أن حاجته لا تنقضي إلا بعد أربعة أيام أتم، وقيل: يقصر من لا يعلم متى تنقضي حاجته إلى ثمانية عشر يومًا.

ومن حُبِس في سفره ولم ينو الإقامة قصَر أبدًا.

ووطن الإنسان الأصلي الذي يجب عليه إتمام الصلاة فيه هو بلدته التي توطَّن بها للعيش فيها مع زوجه وولده أو بمفرده، وإذا توطَّن الإنسان بلدة أخرى ونقل إليها أهله خرج البلد الأول من أن يكون وطنًا أصليًا، وصار وطنه الأصلي الذي استقر فيه آخرًا، فلو رجع إلى بلده الأول لزيارة والديه وأقاربه أو للنزهة ونحو ذلك فهو مسافر يقصر الصلاة ما لم ينو الإقامة أكثر من أربعة أيام، فالنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه المهاجرون كانوا إذا حجوا أو اعتمروا يعتبرون أنفسهم مسافرين في مكة، مع أنها كانت بلدهم الأول.

وقد يكون للإنسان أكثر من وطن أصلي يجب عليه إتمام الصلاة فيه، بأن يكون له زوجة وأولاد وبيت بالملك أو الإيجار في بلدتين أو أكثر.

ومن يسافر للعمل أو الدراسة ويقيم في مسكنٍ قريبٍ من مكان عمله أو دراسته، ثم يرجع إلى بلده في عطلة الأسبوع؛ عليه أن يُتِم الصلاة في محل إقامته في مكان العمل أو الدراسة، وكذلك يُتِم في محل إقامته الأصلي.

وإذا ائتم المسافر بمقيم ولو في التشهد الأخير يُتِم صلاته أربع ركعات، ويقضي ما فاته بعد سلام الإمام، وقيل: إن أدرك المسافر مع الإمام المقيم ركعة أتم، وإن أدرك معه ما بعد الركوع الأخير قَصَر.

وإن كان الإمام المقيم يصلي العشاء والمسافر لم يصل المغرب فيجوز له أن يصلي معه، فإن أدرك المأمومُ الإمامَ في أول صلاة العشاء يدخل معه بنية صلاة المغرب، فإذا قام الإمام للركعة الرابعة يفارقه ويُسلِّم، وله أن يدخل معه في آخر صلاته ناويًا صلاة العشاء، ويجوز أن يبقى جالسًا يقرأ التشهد الأخير وينتظر الإمام حتى يُسلِّم فيُسلِّم معه، وإن أدرك المأمومُ الإمامَ في الركعة الثانية من صلاة العشاء فإنه يصلي معه بنية صلاة المغرب ويُسلِّم معه، وإن دخل معه من الركعة الثالثة أو الرابعة فإذا سلَّم الإمام قام المسافر فقضى ما فاته من صلاة المغرب، وإذا دخل مسافرٌ لم يصل العِشاء مع إمام مقيم يصلي التراويح في شهر رمضان فإنه يصلي معه العشاء ركعتين قصرًا. 

ويُشرَع للمسافرين أن يصلوا الصلوات جماعة، ويؤذن أحدهم ويقيم، وإن جمعوا بين الصلاتين فيكتفوا بأذان واحد وإقامتين، وإن صلى المسافرون جماعة في بعض المساجد التي يؤذِّن فيها مؤذنٌ راتب فيكتفوا بإقامة الصلاة بلا أذان.

ويجوز أن يؤم المسافر المقيم، فيصلي ركعتين ويُسلِّم، ويُتِم المقيم ما بقي من صلاته، ولو صلى المسافر بجماعة مسافرين ومقيمين سلَّم المسافرون بسلامه من الركعتين، ويُتِم المقيمون ما بقي من صلاتهم فرادى.

ويجوز السفر يوم الجمعة ولو قبل أذان صلاة الجمعة، فإن دخل وقتها قبل أن يخرج من البلد لزمه حضورها إلا لضرورة كأن يكون موعد رحلته بعد الأذان مباشرة ولا يستطيع تأخير موعد الرحلة.

ولا تجب صلاة الجمعة على المسافرين، ويصلون يوم الجمعة الظهر قصرًا، فإن أدركوا صلاة الجمعة مع مقيمين أجزأتهم عن الظهر، والأصح أنه يجوز للمسافر إذا صلى الجمعة مع المقيمين أن يجمع صلاة العصر مع صلاة الجمعة، وقيل: لا يجمع المسافر بين صلاتي الجمعة والعصر؛ لأن الجمعة صلاة مختلفة عن الظهر، ولم يثبت أن النبي عليه الصلاة والسلام جمع بين الجمعة والعصر أبدًا حتى بعذر المطر.

ومن السنة في السفر ترك صلاة السنن الراتبة إلا سنة الفجر وصلاة الوتر، وجمهور العلماء على استحباب صلاة جميع النوافل في السفر مطلقًا، والخلاف في الأفضل، والأخذ بالسنة أيسر وأفضل.

وإذا دخل المسافر مسجدًا فلا يجلس حتى يصلي ركعتين كغيره من المقيمين، وإذا كان يصلي الفرائض في مسجد جماعة مع المقيمين فينبغي له أن يصلي السنن الراتبة القبلية والبعدية كغيره، وإن أراد الجمع بين الصلاتين فليصل الصلاة الثانية بعد أن يُسلِّم مع الإمام من غير أن يفصل بينهما بصلاة السنة البعدية أو الأذكار.

وللمسافر أن يصلي صلاة الضحى وقيام الليل والنفل المطلق ولو راكبًا ولو متجهًا إلى غير القبلة، ويومئ برأسه في الركوع والسجود، ويجعل السجود أخفض من الركوع.

ومن كان يريد السفر بسيارة أو طائرة أو قطار وخشي خروج وقت الصلاة أثناء السفر فعليه أن يجمع بين الصلاتين جمع تقديم قبل الركوب أو جمع تأخير بعد الوصول، وفي الرحلات الطويلة المتواصلة يصلي راكب الطائرة ونحوها قائمًا إن استطاع مستقبل القبلة، مع الركوع والسجود، فإن لم يمكنه القيام ولا الركوع ولا السجود صلى على حسب حاله جالسًا ولو إلى غير القبلة للضرورة، ويومئ برأسه في الركوع والسجود، ويجعل سجوده أخفض من ركوعه.

وإن نسي صلاةَ حضرٍ رباعيةً فذكرها في السفر أو نسيها في السفر فذكرها في الحضر فعليه أن يقضيها أربع ركعات، وقيل: إن فاتته في السفر أو نسيها قضاها في الحضر قصرًا.

وخلاف الفقهاء في بعض أحكام صلاة المسافر هو خلاف أفهام أو خلاف تنوع كغيره من المسائل الاجتهادية التي يسوغ فيها الخلاف، ومن أخذ بأحد الأقوال مجتهدًا أو مقلِّدًا لا حرج عليه، ولا يُنكَر عليه، وكثير من خلاف الفقهاء هو في بيان الأفضل مع اتفاقهم على جواز الأمرين، ومن شك في جواز أمر اختلف الفقهاء في جوازه فاحتاط لدينه فتركه فقد أحسن، ومن تبين له الراجح فقال به فله أجران، ومن اجتهد وأخطأ فله أجر، والحمد لله الذي لم يجعل علينا في الدين من حرج.

 

 

  أحكام الجمع بين الصلاتين

يجوز الجمع بين صلاتي الظهر والعصر، والمغرب والعشاء في وقت إحداهما جمع تقديم أو جمع تأخير دفعًا لمشقة معتبرة لمن لم يتخذه عادة، كالمسافر والمريض إن احتاجا للجمع، والأفضل لمحتاج الجمع أن يفعل الأرفق به من تقديم أو تأخير، وللمريض أن يجمع الظهر والعصر جمع تأخير، ثم إذا غربت الشمس يجمع المغرب والعشاء جمع تقديم بوضوء واحد.

ويحرم الجمع بين الصلاتين بلا عذر، وهو رخصة مباحة لمن احتاج إليه دفعًا للحرج، ولا يختص بالسفر، فيجوز الجمع بين الصلاتين في الحضر عند وجود مشقة معتبرة كوجود المطر الذي يبُل الثياب والوحَل الشديد والثلج والمرض والعذر الطارئ والشُّغلِ المتصل كالطبيب في غرفة العمليات.

والأفضل للمسافر أن لا يجمع بين الصلاتين إلا للحاجة، فقد كان النبي عليه الصلاة والسلام يجمع بين الصلاتين إذا كان سائرًا حال السفر، فإن كان نازلًا في سفره وأقام إقامة عارضة صلى كل صلاة في وقتها.

والجمع لعذر المطر رخصة وليس سنة، والأفضل ترك الجمع بين الصلاتين لعذر المطر، وإنما يجوز في صلاتي المغرب والعشاء خاصة، وقيل: يجوز أيضًا في صلاتي الظهر والعصر.

ويُشرع للمؤذن عند نزول المطر أن يقول في الأذان: صلُّوا في بيوتكم أو يقول: صلُّوا في رحالكم، يقولها مرتين بعد الأذان أو يقولها أثناء الأذان بعد قوله: حي على الصلاة حي على الفلاح أو يقولها أثناء الأذان بدلًا من قول: حي على الصلاة حي على الفلاح، وقيل: يقولها بدلًا من قوله: حي على الصلاة، والأمر واسع.

ولا يجوز الجمع لاحتمال نزول المطر أو عند المطر الخفيف، والأصح أن الجمع بين الصلاتين بعذر المطر خاص بجماعة المسجد أو المصلى العام دون مَن يُصلُّون في بيوتهم فرادى، والأحوط لمن صلوا جماعةً في بيتٍ أو في مصلى خاص بعمال ونحوهم أن لا يجمعوا لعذر المطر؛ لعدم وجود المشقة عليهم، وقيل: يجوز لهم الجمع.

ولا يجمع أهل المسجد لعذر المطر إلا إذا جمع بهم الإمام الراتب، فإن لم يجمع بهم فلا يخالفونه، وإذا جمع الإمام الراتب بين الصلاتين فلا يتخلف عنه المأموم ويظهر المخالفة فيُسبب فتنة وفُرقة، وإن كان المأموم لا يرى صحة الجمع فإما أن يصلي معهم بنية النافلة وهو الأفضل في حقه، أو ينصرف ويصلي الصلاة في وقتها في مسجد آخر إن تيسر أو في بيته.

 ويُشرع الجمع بين الصلاتين مع جماعة المسجد لكل من في المسجد وإن كان لا يشق عليه المطر لكونه مقيمًا في المسجد أو معتكفًا أو كان بيته ملاصقًا للمسجد.

ولو كان أهل المسجد جماعة معتكفين للعبادة أو منقطعين للدراسة في المسجد أو في مدرسة متصلة بالمسجد فلا يجمعون للمطر؛ لعدم وجود المشقة عليهم، وإن كان يأتي للصلاة معهم غيرهم ممن يشق عليه المطر فيجوز لهم الجمع مراعاة للذين ينصرفون إلى منازلهم.

ويُشترط لصحة جمع التقديم الموالاة بين الصلاتين، فلا يطول الفصلُ بين الصلاة الأولى والثانية كأن يصلي بينهما ركعتين، فإن طال الفصلُ عُرفًا وجب تأخير الصلاة الثانية إلى وقتها، وقيل: لا تُشترط الموالاة لصحة الجمع بين الصلاتين مطلقًا، والسُّنَّة أن يكون الجمع متواليًا دون فصلٍ بين الفريضتين، بأذان واحد وإقامتين.

ولا يشترط في جمع الصلاتين اتحاد الإمام والمأموم، فيجوز أن يصلي إمامٌ بالناس الصلاة الأولى ثم يصلي بهم إمامٌ آخر الصلاة الثانية، والسُّنَّة في الجمع أن يصلي بهم الصلاتين إمام واحد، ويجوز للمأموم أن ينوي الجمع خلف إمام لا يجمع، فيصلي الصلاة الأولى جماعة والأخرى منفردًا.

وإن دخل المأموم المسجد وقد انتهى الإمام من صلاتَي الجمع فليس له أن يجمع وحده، بل يصلي الصلاة الثانية في وقتها ولو في بيته، ويُكرَه الجمع بعد جمع الإمام الراتب، وقيل: يجوز للجماعة الثانية أن يجمعوا بين الصلاتين بلا كراهة دفعًا للحرج والمشقة.

وإذا جمع إمام المسجد الراتب الصلاتين جمع تقديم لعذر المطر، ثم اجتمع بعض الناس في المسجد في وقت الصلاة الثانية، فيصلوا الصلاة الثانية جماعة بإقامة من غير أذان، ويجوز أن يصلي بهم الإمام الراتب، وتكون له نافلة.

والأصح أنه يجوز لمن يريد الجمع بين الصلاتين لأي عذرٍ معتبرٍ أن ينوي الجمع قبل الشروع في الصلاة الثانية ما دام سبب الجمع باقيًا، وقيل: يشترط نية الجمع عند الإحرام بالأولى، وقيل: يشترط نية الجمع قبل الفراغ من الأولى.

والأصح أنه لا يُشترط وجود المطر عند الشروع في الصلاة الأولى، فلو حدث مطر شديد بعد افتتاح الصلاة الأولى وبدا للإمام أثناء الصلاة أن يجمع الصلاتين فله ذلك، ولو انقطع المطر قبل الشروع في الصلاة الثانية لا يُشرع الجمع إلا إن حصل وحَلٌ فيباح الجمع لوجود العذر.

وإن جمع الإمام بين المغرب والعشاء، وجاء رجل والإمام في آخر صلاة العشاء دخل معه بنية صلاة المغرب، وبعد السلام يقضي ما فاته من صلاة المغرب، ثم يصلي صلاة العشاء جمعًا إن شاء.

وإن جمع المسافر بين الصلاتين جمع تقديم ثم رجع إلى بلده قبل دخول وقت الصلاة الثانية لا يصليها مرة أخرى.

ومن فرغ من الجمع بين الصلاتين أتى بالأذكار التي تقال بعد الصلاة مرة واحدة للصلاتين، والأكمل إن جمع بين صلاتي المغرب والعشاء أن يأتي بأذكار صلاة المغرب؛ لأنها أكثر.

وإن أراد غير المسافر أن يجمع بين الظهر والعصر لعذر فإنه يصلي سنة الظهر القبلية، ثم يصلي صلاتي الظهر والعصر جمعًا، ثم يصلي سنة الظهر البعدية، وكره بعضهم صلاة السنة بعد صلاة العصر المجموعة إلى الظهر، وإن جمع بين المغرب والعشاء جمع تقديم صلى سنة المغرب البعدية بعد صلاة العشاء، ثم يصلي بعدها سنة العشاء البعدية، ثم يصلي الوتر إن شاء وإن لم يدخل وقت العشاء، وقيل: لا يصلي الوتر حتى يدخل وقت العشاء.

 

* * *

 

 

المحتويات

المقدمة 2

أحكام صلاة المسافرين. 3

أحكام الجمع بين الصلاتين. 18

المحتويات.. 26

 

محمد بن علي بن جميل المطري

دكتوراه في الدراسات الإسلامية وإمام وخطيب في صنعاء اليمن

  • 0
  • 0
  • 101

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً