وارأساه

منذ 12 ساعة

لحظة الحقيقة هذه لحظة غريبة، تختصر لسامعها شكوى السنين في همسة واحدة، تشعر لو أن بوسعك أن تمنحه فيها كل تعاطف الحياة، شكواه لا تشبه أي شكوى، الشكوى اليتيمة التي عبرت عن ألم العمر دفعة واحدة.

في حياتنا أحبة اعتدنا على أنهم منصة للفرح والرضا والمواساة، نهرع إليهم بعد الله لبث أوجاعنا والحديث عن متاعبنا.

ولطول صبرهم واحتضانهم لكل آلام من حولهم بدا لأحبابهم أنهم لا يتوجعون وأنهم خلقوا هكذا بلا مواجع 
وفي لحظة إفاقة، وعند فيضان الألم، حين يخبروننا ولو بكلمة واحدة أنهم يعانون، نشعر بصدمة الوعي أنهم يتألمون مثلنا وأكثر لكنهم نفوس صبورة تطوي الألم مهما كان فادحا، وتواسي غيرها.


لحظة الحقيقة هذه لحظة غريبة، تختصر لسامعها شكوى السنين في همسة واحدة، تشعر لو أن بوسعك أن تمنحه فيها كل تعاطف الحياة، شكواه لا تشبه أي شكوى، الشكوى اليتيمة التي عبرت عن ألم العمر دفعة واحدة.


كان لنا قريب عامر القلب بالرضا مع ابتلائه بداء عضال رافقه قرابة عشرين سنة، لم يعرف منه إلا الحمد والرضا وبث الحياة، وفي الليالي الأخيرة سأله أحد أولاده وكان ينتظر الجواب الذي اعتاده من أبيه منذ عرفه لكنه قال له
"أتألم".

لم تكن كلمة، كانت ثورة بركان ظل خامدا حتى نسيت الأرض لطول صمته أن جوفه يحترق.
تذكرت هذا وأنا أقرأ صحيح البخاري، وبلغت حديث ابتداء مرض النبي صلى الله عليه وسلم
وعائشة رضي الله عنها تعيش مع اعتادته مع النبي الرحيم من سماع آلامها لكنه كان يوما جديدا لا يشبه الأيام
حين قال ربما لأول مرة «بل أنا ورأساه»


قال البخاري: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى: أَخْبَرَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ: سَمِعْتُ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ قَالَ:
قَالَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها: وَارَأْسَاهْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «ذاكِ لَوْ كَانَ وَأَنَا حَيٌّ فأستغفر لك وأدعو لك». فقالت عائشة: واثكلياه، وَاللَّهِ إِنِّي لَأَظُنُّكَ تحبُّ مَوْتِي، وَلَوْ كَانَ ذاك لظلِلتَ آخر يومك معرِّسًا ببعض أزواجك، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «بَلْ أَنَا وَارَأْسَاهْ، لَقَدْ هَمَمْتُ، -أَوْ أَرَدْتُ-، أَنْ أُرْسِلَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ وَابْنِهِ فَأَعْهَدَ، أَنْ يَقُولَ الْقَائِلُونَ أَوْ يَتَمَنَّى المتمنُّون، ثُمَّ قُلْتُ: يَأْبَى اللَّهُ وَيَدْفَعُ الْمُؤْمِنُونَ، أَوْ: يَدْفَعُ اللَّهُ ويأبى المؤمنون».

________________________________________
الكاتب: د. عبدالله بن بلقاسم

  • 1
  • 0
  • 56

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً