إكرامُ كبارِ السن
كِبَارُ السِّنّ فَقَدُوا وَالدَيْهِمْ، وَطَائِفَةً مِنْ رُفَقَائِهِمْ، فقُلُوبُهُمْ جَرِيحِةٌ،وهُمُومُهمْ مُبَرِّحَةٌ. وَقَد يُوَارُونَ دَمْعَتَهُمْ ورَاءَ بَسْمَتِهِمْ. شَابَتْ شُعُورُهُمْ، وَنَضَبَتْ مَشَاعِرُهُمْ، ويُؤْلِمُهُمْ بُعدُكَ عَنْهُمْ، وانشغُالُكَ بهاتِفِكَ فِي حَضْرَتِهِمْ.
إنَّ الحَمْدَ للهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينَهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أنْ لَا إلَهَ إلَّا اللهُ، وَأَشْهَدُ أنَّ محمَدًا عبدُه ورسولُه، صَلَّى اللهُ علَيْهِ وسَلَّمَ تَسْلِيمًا كثيرًا، أمَّا بَعْدُ: فتَأَمَّلْ ذَلِكَ الرَّجُلَ الهَرِمَ الذِيْ سَقَطَ حَاجِبَاهُ عَلىَ عَيْنَيْهِ، وَرَأْسُهُ بَيْنْ رُكْبَتَيْهِ مُحْدَوْدِبًا، وَهَذَا ابْنُهُ يَحْمِلُهُ كَالطِّفْلِ؛ ليَضَعَهُ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.أَتَدْرِيْ مَنِ هَذَا الِابْنُ وَمَنْ ذلِكَ الأَبُ؟! إِنَّهُ أَبُوْ بَكْرٍ قَدْ حَمَلَ أَبَاهُ؛ ليُسْلِمَ وَيُسَلِّمَ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِأَبِي بَكْرٍ: «هَلَّا تَرَكْتَ الشَّيْخَ حَتَّى آتِيَهُ» . فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: بَلْ هُوَ أَحَقُّ أَنْ يَأْتِيَكَ. فَأَسْلَمَ وَلِحْيَتُهُ وَرَأْسُهُ [كالبَرَدِ ] بَيَاضًا. (فَقَالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «اذْهَبُوا بِهِ إِلَى بَعْضِ نِسَائِهِ فَلْتُغَيِّرْهُ بِشَيْءٍ». فَقَدْ أَكْرَمَهُ نَبِيُّكَ بِثَلاثٍ: أَكْرَمَهُ بِالدَّعْوَةِ لِلْإِسْلَامِ، وَبِتَطْيِيْبِ نَفْسِهِ، وَبِصَبْغِ لِحْيَتِهِ.
كِبَارُ السِّنّ فَقَدُوا وَالدَيْهِمْ، وَطَائِفَةً مِنْ رُفَقَائِهِمْ، فقُلُوبُهُمْ جَرِيحِةٌ،وهُمُومُهمْ مُبَرِّحَةٌ. وَقَد يُوَارُونَ دَمْعَتَهُمْ ورَاءَ بَسْمَتِهِمْ. شَابَتْ شُعُورُهُمْ، وَنَضَبَتْ مَشَاعِرُهُمْ، ويُؤْلِمُهُمْ بُعدُكَ عَنْهُمْ، وانشغُالُكَ بهاتِفِكَ فِي حَضْرَتِهِمْ.
كِبَارُ السِّنّ غَادَرَ بِهِمُ قِطَارُ الحَيَاةِ عَنْ مَحَطَّةِ اللَّذَّةِ، إلَى صَالَةِ انْتِظَارِالرَّحِيلِ، فَهُمْ يَنْتَظِرُونَ الدَّاعِيَ لِيُلَبُّوهُ.
وإنَّ مَراحِلَ حَياةِ الإِنْسَانِ إنَّمَا هِيَ قُوةٌ بَينَ ضَعْفَيْنِ: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ}[الروم54].
وهُمْ كِبَارُ السِّنِّ الْآنَ، وَعَمَّا قَلِيلٍ سَتَكُونُ أَنْتَ كَبِيرَ السِّنِّ. فَانْظُرْ مَا أَنْتَ صَانِعٌ وَمَا أَنْتَ زَارِعٌ! فكُنْ رَبِيعَ خَريفِهِم، وَكُن عَصا طَاعَتِهِم.
يَا أَيُّها النَّاشِئَةُ: «مَا أَكْرَمَ شَابٌّ شَيْخًا لِسِنِّهِ إِلَّا قَيَّضَ اللهُ لَهُ مَنْ يُكْرِمُهُ عِنْدَ سِنِّهِ» وإنَّ كِبَارَ السِّنِّ بَرَكَةٌ خَفِيَّةٌ بَيْنَنَا، فَجَالِسُوهُمْ وَآنِسُوْهُمْ وَأَنْسُوْهُمْ هُمُوْمَهُمْ. أَلَمْ يَقُلْ رَسُولُنَا -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «الْبَرَكَةُ مَعَ أَكَابِرِكُمْ» ؟! (صَحَّحَهُ المُنَاوِيُّ وَالأَلْبَانِيُّ) .
مَعَاشِرَ الإِخْوَةَ: إِنَّ مِنَ المَكَارمِ العَظِيمَةِ الَّتي دَعَا الإسْلامُ إلَيْهَا وأَكَّدَ عَلَيهَا: إكْرَامُ كِبارِ السِّنِّ، ومَعْرِفَةُ حَقِّهِمْ، والتَّأدُّبُ مَعهُم.. وقَدْ قَالَ النَّبِيُّ-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِنَّ مِنْ إِجْلَالِ اللَّهِ إِكْرَامَ ذِيْ الشَّيْبَةِ الْمُسْلِمِ».
ثُم إِنَّ هَذَا الْحَقَّ يَعَظُمُ وَيَكْبُرُ؛ فإِذَا كَانَ المُسِنُّ جَارًا فَيُضَافُ إلَيْهِ حَقُّ الْجِوَارِ، وَإِنْ كَانَ قَرِيبًا كانَ أعْظَمَ، فَإِذَا كَانَ أحَدَ الوَالِدَيْنِ فلا أعْظَمَ مِنْ ذَلِكَ.
بَلْ إِذَا كَانَ الْمُسِنُّ كَافِرًا؛ فَرَحْمَتُهُ مِنْ سَمَاحَةِ الإِسْلَامِ، وقَدْ رَأَى عُمَرُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- شَيْخًا يهُودِيًّا ضَرِيرًا، يَمُدُّ يَدَهُ للنَّاسِ، فَأَخَذَ بِيَدِهِ، وَأَعْطَاهُ مَالًا، وقَالَ: وَاللهِ مَا أَنْصَفْنَاهُ أَنْ نَخُذُلَهُ عِنْدَ الْهَرَمِ. وَأَسْقَطَ الجِزْيَةَ عَنْ كُلِّ كِتَابِيٍ هَرِمٍ.
ألَا وإنَّ مِنَ القَرَارَاتِ الحَكِيْمَةِ أنْ صَدَرَ عَنْ مَجْلِسِ الوُزَرَاءِ: وضعُ امتِيَازاتٍ وتسهيلاتٍ لكِبَارِ السِّنِّ في الدَّوَائِرِ الحُكُومِيَّةِ وَبَعْضِالقِطَاعَاتِ الخَاصَّةِ.
ومِنْ طَلائعِ الخَيْرِ: انتِشَارُ جَمْعِيَّاتٍ رَسْمِيَّةٍ لَهُم، وَضَعَتْ لَهَا خُطَطًا وبَرَامِجَ ونَشَاطَاتٍ تَطَوُّعِيَّةً مُنَاسِبَةً. فَسَلامٌ عَلَى كِبارِ السِّنِّ، وَسَلَامٌ عَلَى مَنْ يُرَاعُونَ كِبَارَ السِّنِّ.
الحَمْدُ لِلهِ خَيْرِ الرَّاحِمِيْنَ، وَالصَّلَاةُ والسَّلَامُ عَلَى المَبْعُوْثِ رَحْمَةً لِلْعَالَمِيْنَ، أَمَّا بَعْدُ: فَنَعَمْ؛ مُجْتَمَعُنا بِعُمُومٍ يُقَدِّرُ ذَا الشَّيْبَةِ الْمُسْلِمِ، ويُوَقِّرُهُ، ويُقبِّلُ رَأْسَهُ. ويُوسِّعُ لهُ فِي الْمَجْلِسِ والطَّرِيقِ.
ولَكِنَّ السُّؤَالَ الكَبِيْرَ هوَ: مَاذَا يُرِيْدُ مِنَّا كَبِيْرُ السِّنِّ؟
والجَوَابُ أنَّهُ يُرِيْدُ مِنَّا سَبْعًا، هِيَ عَلَيْنَا يَسِيْرَةٌ، وَلَكِنَّهَا فِي نَفْسِهِكَبِيْرَةٌ:
1. أَنْ نَحْتَرِمَهُ أَكْثَرَ مِنْ أَنْ نَرْحَمَهُ. 2. أَنْ نَسْتَمِعَ لَهُ أَكْثَرَ مِمَّا يَسْتَمِعُلَنَا.
3. أَنْ نَقْطَعَ عَلَيْهِ عُزْلَتَهُ وَوَحْدَتَهُ. 4. أَنْ نُذَكِّرَهُ بِأَفْضَالِهِ، وَنَذْكُرَمَآثِرَهُ.
5. أَنْ يَقْتَرِبَ مِنْهُ أَوْلَادُهُ وَأَحْفَادُهُ. 6. أَنْ نَسْتَفِيْدَ مِنْ تَجَارِبِهِ فِي الحَيَاةِ.
والسَّابِعَةُ -وهِيَ الأَهَمُّ: أَنْ نُسَاعِدَهُ بِلَا أَدْنَى مِنَّةٍ. فإنهُمْ وإنَّهُنَ يَدْعُونَ ويُلِحُّونَ: اللهم لا تُحْوِجْني لأحدٍ! كلُّ ذلكَ مِنْهُمْ خَوفًا منْمِنَّةِ زوجةِ ابنٍ، أو حَتّى قَرِيْبٍ يَمُنُّ، أو ذِيْ رَحِمٍ يَضِنُّ، مُتَّبِعِينَ ما صَحَّ في قَولِ النَّبيِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «اسْتَغْنُوا عَنِ النَّاسِ وَلَوْ بِشَوْصِ سِوَاكٍ». أيْ وَلَوْ بِأَقَلِّ القَلِيلِ.
ألَا فَلْيَعِشْ كِبَارُ السِّنِّ بَيْنَنَا بَقِيَّةَ أعْمَارِهِمْ وهمْ رَافِعُو رُؤُوسِهِمْ.
- التصنيف: