الرد على على صاحب المقال السخيف: يوميات عصيد البخاري!

منذ 7 ساعات

فقد اطلعت على مقال مملوء بالدجل والمغالطة والحقد على السنة النبوية بعنوان: يوميات عصيد البخاري! في 84 صفحة، لكاتب مجهول، استخدم اللهجة الصنعانية الساخرة في كلامه الذي يقطر حقدا وجهلا وسخفا.

 

الحمد لله الذي حفظ كتابه وسنة نبيه محمد صلى الله عليه وآله سلم بأهل العلم، ينفون عن الدين تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين، أما بعد:

فقد اطلعت على مقال مملوء بالدجل والمغالطة والحقد على السنة النبوية بعنوان: يوميات عصيد البخاري! في 84 صفحة، لكاتب مجهول، استخدم اللهجة الصنعانية الساخرة في كلامه الذي يقطر حقدا وجهلا وسخفا.

وهذا الكاتب يريد كأمثاله الذين فشلوا قبله أن يشككوا المسلمين في سنة نبيهم صلى الله عليه وآله وسلم، وقد نقل بعض الأحاديث من صحيح البخاري، ليوهم الناس أن صحيح البخاري كله مكذوب، مع أن عدد أحاديث صحيح البخاري أكثر من 2500 حديث، فلو سلَّمنا أن تلك الأحاديث المعدودة لا تصح فلماذا يريد أن ينكر السنة النبوية كلها؟! وكيف نطيع الرسول لو كانت السنة باطلة وقد أمرنا الله في كتابه بطاعة رسوله واتباعه؟!

وكل ما أورده الكاتب من أحاديث ففي شروح السنة النبوية بيان معانيها وتوجيهها، ولن أذكر في ردي هذا الجواب عنها لكون ذلك معروفا في كتب أهل العلم. 

وسأكتفي بمثال واحد يبين عظيم جهله، وهو حديث أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم سحره لبيد بن الأعصم اليهودي ثم شفاه الله، فقد كذَّب الكاتب بهذا الحديث، وادَّعى أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لا يُمكن أن يؤثر فيه السحر أبدا، وقال: هل نصدق كتاب الله أو نصدق البخاري؟! وهذا يدل على جهله الفاضح بكتاب الله، فقد ذكر الله في القرآن الكريم أن سَحَرة فرعون سحروا النبي موسى عليه الصلاة والسلام، قال الله سبحانه: {﴿سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ﴾} [الأعراف: 116]، وقال عز وجل: {﴿فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى * فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى﴾} {} [طه: 66، 67]، فقد أثبت القرآن الكريم أن النبي موسى عليه الصلاة والسلام أثَّر فيه السحر حتى رأى تلك الحبال والعصي حيات تسعى، فما أدري ما سيقول هذا الجاهل حين يقرأ هاتين الآيتين؟!

ثم نقول لهذا الجاهل: ألا تعلم أن كل حديث في صحيح البخاري قد رواه غير البخاري من أصحاب الكتب الحديثية الأخرى من شيوخ البخاري وزملائه وغيرهم؟  

 ومنكرو السنة يجهلون هذا، ولا يعلمون أن البخاري لو لم يخلقه الله أو لم يؤلف كتابه الصحيح فتلك الأحاديث التي في صحيحه موجودة في كتب غيره من المحدثين، والله حافظ كتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وكيد المشككين فيها في تضليل. 

قال الله تعالى: {﴿يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ * هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ﴾} {} .

كناطحٍ صخرةً يوماً ليوهِنَها ... فلم يَضِرْها وأوهى قرنَه الوَعِلُ

ثم ألا يعلم هذا الجاهل أن علماء الزيدية المنصفين يُجلُّون البخاري، وينقلون الأحاديث من صحيح البخاري في كتبهم، فلو قرأت شرح متن الأزهار في فقه الزيدية ستجد فيه الكثير من أحاديث صحيح البخاري.

وهذه سبع وقفات نافعة تكشف شبهات هذا الكاتب بالجملة:

الوقفة الأولى: تكذيب الخبر مع احتمال صدقه ضلال مبين:

قال الله تعالى عن نبيه: {﴿وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى *إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى﴾} ، وروى أحمد في مسنده (17174) وأبو داود في سننه (4604) بسند صحيح عن المقدام بن معدي كرب الكندي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه، ألا يوشك رجل شبعان على أريكته يقول: عليكم بالقرآن، فما وجدتم فيه من حلال فأحلوه، وما وجدتم فيه من حرام فحرموه)).

فطريقة العلماء ليست التكذيب والإنكار بما لم يحط الإنسان بعلمه، بل هذه طريقة أهل الضلال، كما قال تعالى: { ﴿بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ ﴾} ، وقد قرن الله من يُكذِّب بالصدق بمن كذَب على الله، وحكم عليهما جميعا بأنهما ظالمين فقال الله تعالى: {﴿فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جَاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ * وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ﴾} .

الوقفة الثانية: خبر المتخصصين في أي علمٍ لا يصح أن يرده الجاهلون بذلك العلم بالظن:

 فمثلا قواعد أهل الطب لا يُقبل ردها من الجاهلين بالطب، وقواعد النحاة لا يردها الجاهل بالنحو، وهكذا ما صححه المحدثون من الأحاديث لا يُقبل تكذيبها بالظن، فإن الظن لا يغني من الحق شيئا، وقد أمرنا الله بالتثبت في خبر الفاسق وعدم المسارعة برده بالظن، فما بالك بخبر أئمة الدين؟!

ونقول لمن أراد أن يشكك في حديث في الصحيحين أو في غيرهما مما صححه أهل الحديث: لن يُقبل ذلك منك إلا إذا أتيت بحجة بينة بحسب القواعد التي وضعها أهل الحديث رحمهم الله، فإنهم لا يضعفون الحديث إلا لطعن في أحد الرواة أو لسقط في الإسناد، فأثبت لنا أن أحد رواة الحديث غير ثقة أو أنه أخطأ في روايته، أو أثبت لنا أن هناك سقطا في الإسناد وانقطاعا، وإلا فاسكت خيرا لك.

الوقفة الثالثة: إذا تعارض نصان ثابتان يُجمع بينهما ولا يُكذَّب أحدهما:

إذا تعارض نصان ثابتان سواء كانا آيتين أو آية وحديثا، أو حديثين، فإن العلماء يقولون: يُجمع بينهما فإن لم يمكن يُنظر الناسخ من المنسوخ، فإن لم يُعرف المتقدم من المتأخر يُرجح بينهما، والمرجحات عند العلماء كثيرة جدا، وقد ذكر منها السيد أحمد بن يحيى المرتضى الزيدي في مقدمة كتابه البحر الزخار الجامع لمذاهب علماء الأمصار في فصل الترجيح أن يقدم الحديث الذي في صحيح البخاري ومسلم على غيرهما.

فهذه طريقة أهل العلم قديما وحديثا، أما طريقة أهل الأهواء فالتكذيب والرد لما يظنونه لا يدخل عقولهم! وهذه طريقة مبتدعة ومتناقضة، وقد توصلهم إلى الكفر إن أعملوها في نصوص القرآن الكريم، وإن لم يعملوها في القرآن وأعملوها في السنة فقد تناقضوا؛ فإن القرآن والسنة الصحيحة كلاهما وحي، وكلاهما حق، فإن صدَّقوا ببعض الآيات القرآنية وإن لم تدخل عقولهم فلماذا لا يقبلون بعض ما في السنة مما لم يدخل عقولهم؟!

وهذا التناقض الواضح يكفي في بيان بطلان منهجهم، فإن في القرآن العظيم أشياء تحير العقل ويجب الإيمان بها وإن لم تدخل عقولنا، مثل قصة أصحاب الكهف العجيبة، قال تعالى: {﴿وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا﴾} ، وهذا شيء عجيب جدا قد لا يدخل عقول المرتابين، ولكننا نؤمن به ولا نشك فيه؛ لأن الله أخبرنا به، ولو جاءت هذه القصة في حديث صحيح لما شككنا فيه أيضاً، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لا ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى.

وكذلك أخبرنا الله في القرآن عن قصة الملكة بلقيس حين وصل عرشها من اليمن إلى الشام إلى النبي سليمان عليه الصلاة والسلام في طرفة عين، ولو كانت هذه القصة في صحيح البخاري لرده الكاتب المفتون بكل جرأة، ولقال: هذه خرافة، ولا يمكن أن نصدق ما يخالف العقل!

الوقفة الرابعة: يجب على من أشكل عليه حديثاً صحيحاً أن لا يبادر إلى إنكاره وتكذيبه ورده، بل يرجع إلى كلام أهل العلم لشرحه وتوجيهه:

روى ابن ماجه (20) بسند صحيح عن الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: (إذا حدثتكم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثا، فظنوا به الذي هو أهناه، وأهداه، وأتقاه)، وقد ألَّف العلماء كثيرا من الكتب في بيان مشكل الحديث، وتكلموا في توجيه ما يشكل منها أو ما يخالف بعضها بعضاً في الظاهر، كما تكلموا في توجيه الآيات القرآنية المتعارضة في الظاهر، وأكتفي هنا بذكر مثال يبين توجيه العلماء للآيات المتعارضة في الظاهر:

قال الله تعالى في سورة المرسلات: {﴿هَذَا يَوْمُ لَا يَنْطِقُونَ﴾} هذه الآية الكريمة تدل على أن أهل النار لا ينطقون، وقد جاءت آيات أخرى تدل على أنهم ينطقون، كقوله تعالى: {﴿وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا أَيْنَ شُرَكَاؤُكُمُ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ * ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ﴾} ، فلو كانت آية سورة المرسلات حديثاً صحيحاً لسارع المبطلون إلى رده بدعوى مخالفته للقرآن، مع أن الجمع ممكن فقد قال أهل العلم: القيامة مواطن كثيرة، ففي بعضها ينطقون، وفي بعضها لا ينطقون، وبهذا نصدق بجميع النصوص، وكلها حق، ولا تُرد بعض النصوص ببعض بدعوى التعارض كما هو حال الضالين، فهذا جهل عظيم بمنهج العلماء فإنهم لا يقولون بالتعارض إلا إذا لم يمكن الجمع كما تقدم تقريره، ولكن هذا الكاتب زيِّن له سوء عمله، فهو يحسب أنه يحسن صنعاً، وقد حذرنا  الله من مخالفة منهج الرسول، واتباع غير سبيل المؤمنين، وأنه يعاقب من فعل ذلك بأن يُزيِّن له الباطل في عينيه، قال الله سبحانه: { ﴿وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا﴾} .

الوقفة الخامسة: هل العلم المأخوذ من غير أهل البيت علم صحيح أو باطل؟‼

يعتقد كثير من الشيعة أن العلم الشرعي لا يجوز أخذه إلا من أهل البيت رضوان الله عليهم، وأن العلم المأخوذ من غير طريقهم علم باطل، وهذا القول فاسد مخالف للقرآن والسنة والعقل الصحيح.

وهذه عشر نقاط مختصرة لبيان بطلانه:

  1. قال الله سبحانه: { ﴿لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ﴾ } {} [آل عمران: 164]، فمِنَّة الله ببِعثة الرسول هي لجميع الأمة وليست خاصة بأهل بيته، واﻵية واضحة أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يُعلِّم جميع المؤمنين من أصحابه القرآن والسنة، ولم يكن يُعلِّم أهل بيته فقط.
  2. مِن أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم: أزواج النبي أمهات المؤمنين، وقد خصهن الله بأمرهن أن يذكرن ما يتلى في بيوتهن من القرآن والسنة، ويعلمنه غيرهن فقال سبحانه في سورة اﻷحزاب في سياق اﻵيات الخاصة بأمهات المؤمنين: {﴿وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا * وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ﴾} [الأحزاب: 33، 34]، ومعلوم أن أهل بيت كل إنسان يدخل فيه زوجاته، فزوجات النبي من أهل بيته، ومن أهل بيت النبي أيضا: العباس عم النبي صلى الله عليه وسلم وابنه عبد الله حبر اﻷمة، وغيرهم من المؤمنين من بني هاشم، ولا خلاف بين أهل العلم أن أفضل أهل البيت: علي وفاطمة والحسن والحسين رضي الله عنهم.
  3. يعتقد الشيعة أن آل البيت في عهد النبي صلى الله عليه وسلم هم فقط علي بن أبي طالب وفاطمة والحسن والحسين رضي الله عنهم، ومعلوم أن الحسنين كانا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم صغيرين جدا لم يأخذا عنه من العلم إلا قليلا جدا، وفاطمة الزهراء ماتت بعد النبي صلى الله عليه وسلم بستة أشهر فلم يؤخذ عنها من العلم إلا القليل، وعلي بن أبي طالب رضي الله عنه هو أكثر الخلفاء الراشدين اﻷربعة رواية للحديث، ولكنه كغيره من الصحابة لم يحفظ جميع أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم، ويوجد من الصحابة من هو أكثر منه رواية، فعلي رضي الله عنه لم يكن ملازما للنبي صلى الله عليه وسلم طيلة حياته سفرا وحضرا، ففي الهجرة النبوية لم يكن معه أثناء الهجرة، فهل كل ما سمعه أبو بكر الصديق من النبي أثناء الهجرة أو سمعه الصحابة من النبي حين وصوله المدينة لا نأخذ به ﻷنه لم يسمعه علي؟!

وفي غزوة تبوك استخلف النبي صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب على المدينة، وبقي النبي مسافرا في تلك الغزوة مدة طويلة سمع فيها الصحابة من النبي كثيرا من اﻷحاديث النبوية، فهل نترك تلك اﻷحاديث التي سمعها الصحابة من النبي ﻷنه لم يسمعها علي؟! وهل كان الواجب على النبي أن لا يكلم الصحابة بشيء من العلم لعدم حضور علي؟!

وفي آخر حياة النبي أرسل عليه الصلاة والسلام علي بن أبي طالب إلى اليمن داعيا إلى الله وقاضيا، وبقي علي في اليمن مدة طويلة حتى أدرك النبي في مكة في حجة الوداع، وكان النبي في تلك المدة يُعلِّم أصحابه الكتاب والحكمة ويخطب لهم الجمعة، وكان يسمع الصحابة منه كثيرا من اﻷحاديث ويرون هديه وأفعاله، فهل كان كل ذلك العلم الكثير النافع لا يجوز لأحد من الصحابة روايته ﻷن عليا كان غائبا في اليمن؟!

  1. قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم ﻷصحابه: (( «بلغوا عني ولو آية» ))، وأرسل كثيرا من أصحابه ممن ليسوا من أهل بيته دعاة وغزاة ومعلمين إلى قبائل العرب، وأرسل بعضهم إلى الملوك لدعوتهم إلى اﻹسلام، ولم يخص النبي صلى الله عليه وآله وسلم أهل بيته بأمرهم بالتبليغ دون أصحابه كما لم يخصهم بالتعليم دون غيرهم.
  2. سئل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه وهو خليفة لا يخشى أحد من الناس: هل خصك النبي صلى الله عليه وسلم بشيء من العلم دون الناس؟ فقال علي بن أبي طالب بكل وضوح: (لا والذي فلق الحبة، وبرأ النسمة) كما في صحيح البخاري (3047).

فهذا علي رضي الله عنه يحلف بالله أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يخصه بشيء من العلم دون الناس، فعجبا لمن يظن من الشيعة أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم خص عليا بالعلم النافع كله، وكأن الله لم يرسل النبي محمدا إلا لعلي، ولم يجعله رحمة إلا ﻷهل بيته! والله يقول: {﴿تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا﴾} [الفرقان:1]، ويقول: {﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾} [الأنبياء:107].  

ومعلوم أن علماء أهل البيت كانوا وقت طلبهم للعلم كغيرهم من طلاب العلم يأخذون العلم النافع من كل من حمله من أهل العلم، سواء كان العالم من أهل البيت أو من غيرهم، وسواء كان قرشيا أو غير قرشي، وسواء كان عربيا أو عجميا، فمثلا الحسن والحسين وعلي بن الحسين زين العابدين ومحمد بن علي الباقر وأخوه زيد بن علي وجعفر بن محمد الصادق وغيرهم من علماء أهل البيت تعلموا القرآن والسنة والفقه والسيرة النبوية من العلماء الذين أدركوهم، ولم يعرضوا عن سماع العلم من أي عالم لكونه من غير أهل البيت، والناظر في كتب الحديث يجد كثيرا من روايات أهل البيت عن غير أهل البيت، فالحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق بها.

  1. من قال من الجهلة: لا نأخذ العلم إلا من طريق أهل البيت، وكل علمٍ ليس من طريقهم فهو علم باطل، نقول له: هذا القرآن الكريم يُقرأ بالقراءات العشر المتواترة، وليس أحد من القراء العشرة المشهورين من أهل البيت، فهل جميع القراءات العشر باطلة ﻷن القراء العشرة ليسوا من أهل البيت؟!

وهذه السيرة النبوية أقدم من ألَّف فيها موسى بن عقبة ومحمد بن إسحاق ثم ابن هشام الحميري، وكلهم ليسوا من أهل البيت، فهل السيرة النبوية بما تضمنت من معجزات وغزوات وأحداث كلها باطلة؛ ﻷن الذين جمعوها ليسوا من أهل البيت؟!

والمؤرخون القدامى والنسَّابون الذين كتبوا التاريخ، وحفظوا أنساب قبائل العرب، وكتبوا تراجم النبلاء وأنسابهم، وذكروا سِيَر الخلفاء والملوك، وأخبار الفتوحات، وتاريخ الوفيات؛ ليسوا من أهل البيت، فهل نترك تعلم علم التاريخ، وعلم اﻷنساب، ونرضى بالجهل بماضينا، وأنساب قبائلنا، وننكر أسماء الصحابة وأنسابهم، وترتيب الملوك وأخبارهم؛ لكون العلماء الذين ألَّفوا كُتب التاريخ وأرَّخَوا الوفيات وحفظوا اﻷنساب ليسوا من أهل البيت؟!

وعلماء اللغة والنحو الذين ألفوا الكتب في علم النحو وجمعوا أشعار العرب وبينوا معانيها ووضعوا معاجم اللغة العربية - كالخليل بن أحمد وتلميذه سيبويه والفراء وابن قتيبة والمبرد وابن دريد واﻷزهري الهروي - كلهم ليسوا من أهل البيت، فهل هذه العلوم باطلة لكون المؤلفين فيها ليسوا من أهل البيت؟! أفلا تعقلون وتتفكرون؟!

  1. الرواة الثقات الذين رووا العلم عن علي بن أبي طالب أكثرهم ليسوا من أهل البيت، فأشهر تلاميذ علي الذين قرءوا عليه القرآن ورووا عنه اﻷحاديث ونقلوا فتاواه وأقواله ليسوا من ذريته كما هو معلوم عند العلماء، فهل كان الواجب على علي أن لا يُعلِّم العلم النافع إلا أهل بيته دون بقية أصحابه؟! فإن أصاب أصحاب علي في نقل علم علي فهل أصاب الصحابة في نقل علم النبي صلى الله عليه وسلم؟! لا شك أنهم جميعا أصابوا، والواجب على كل من سمع علما أن يبلغ غيره ما سمع، ولا يحتكر العلم على سلالة.
  2. أهل البيت بارك الله في ذريتهم فانتشروا في جميع أقطار اﻷرض، ومنهم الصالح والطالح، ومنهم من طلب العلم وعلَّمه، ومنهم من لم يطلب العلم، والذين تعلَّموا الفقه منهم ليسوا كلهم على مذهب فقهي واحد، بل منهم زيدية هادوية، ومنهم أحناف، ومنهم شافعية، ومنهم مالكية، ومنهم حنابلة، بل منهم من صار في العقيدة معتزليا أو على مذهب الإمامية الرافضة، ومن ظن أن جميع أهل البيت على مذهب واحد في الفقه أو في العقيدة فهو جاهل بالتاريخ والواقع، فمثلا في اليمن يوجد في تهامة وفي حضرموت كثير من أهل البيت شافعية منهم أهل سنة وصوفية وليسوا زيدية، وقد قرر هذا السيد العلامة محمد بن إسماعيل ابن اﻷمير الصنعاني - وهو من أهل البيت -  في أول رسالته المشهورة: (المسائل الثمان)، فقد ذكر في رسالته هذه الحقيقة، بل وذكر في رسالته أسماء بعض علماء أهل البيت من الزيدية الذين يقولون بضم اليدين في الصلاة ورفع اليدين فيها والتأمين واﻷذان من غير قول: حي على خير العمل، وغير ذلك من المسائل الفقهية التي يظن عوام الشيعة أن مذهب أهل البيت فيها قول واحد بلا اختلاف بينهم، ولا يعلمون أن بعض علماء أهل البيت القدامى يوافقون غيرهم من علماء أهل السنة في تلك المسائل الفقهية، ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

9) يجهل عوام الشيعة أن أهل الحديث كانوا يروون اﻷحاديث النبوية عن كل صحابي وعن كل تابعي وعن كل أتباع التابعين وتابعيهم، سواء كانوا من أهل البيت أو غيرهم، وسواء كانوا عربا أو عجما، وقد روى أهل الحديث رحمهم الله عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أكثر مما يروي الشيعة عن علي في كتبهم، ففي كتب أهل الحديث 17482 حديثا وأثرا بأسانيدها عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، كما في كتاب (مسند اﻹمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه) الذي جمعه من كتب أهل الحديث المسندة الباحث يوسف أوزبك، وحققه المحدث علي رضا، وهو كتاب مطبوع في 7 مجلدات كبيرة، جمع فيه كل ما روي بالأسانيد عن علي بن أبي طالب من الصحيح والضعيف والموضوع، فأهل السنة أحق بعلي بن أبي طالب رضي الله عنه من الشيعة، وعلماء أهل الحديث أعلم من الشيعة باﻷحاديث النبوية التي رواها علي رضي الله عنه، وأعلم بأقوال علي وفقهه وأخباره، وما صح منها وما لم يصح.

الوقفة السادسة: فضائل أهل بيت النبوة في كتب السنة:

أهل السنة والجماعة يعرفون حق آل بيت النبوة رضي الله عنهم، ولا ينكرون فضلهم وشرفهم، ويتقربون إلى الله بمحبتهم، فقد قال الله تعالى في كتابه الكريم: {﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ﴾ } [الأحزاب: 33]، وقال سبحانه: {﴿رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ﴾} [هود: 73].

وقد روى أئمة السنة في كتب الحديث أحاديث كثيرة في فضائل أهل البيت بالأسانيد المتصلة برواية الثقات الأثبات، وعامة الشيعة يجهلون هذا، ويظنون أن كتب السنة خالية من ذكر فضائل آل البيت، وربما رموهم بأنهم ناصبة وأعداء لآل البيت، ولو رجعوا إلى كتب الحديث لعلموا أنهم أساءوا الظن بأهل السنة، ولتيقنوا أن أهل السنة يحبون آل بيت النبوة، بدليل روايتهم فضائلهم ونشرها، وتدينهم بمحبتهم وتشريفهم، وأكتفي هنا بذكر ثلاثة أحاديث صحيحة في فضائل أهل البيت انتقيتها من كتب الحديث المشهورة:

  1. عن زيد بن أرقم رضي الله عنه قال: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما فينا خطيبا، بماء يُدعى خُمًّا بين مكة والمدينة، فحمد الله وأثنى عليه، ووعظ وذكر، ثم قال: ((أما بعد، ألا أيها الناس فإنما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب، وأنا تارك فيكم ثقلين: أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور فخذوا بكتاب الله، واستمسكوا به، وأهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي)). رواه مسلم في صحيحه (2408). وهذا الحديث يدل بوضوح على أن المراد بالأخذ بالعترة هو محبتهم ومعرفة حقهم، وترك ظلمهم، حيث أوصى النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمته بالاستمساك بكتاب الله ثم ذكَّرهم بحق أهل بيته، وكرر ذلك ثلاث مرات زيادة للتأكيد، فواجب التمسك بمحبة أهل البيت، والعمل بروايتهم، والاهتداء بهديهم إذا لم يكن مخالفا للدين، فإنه لا عصمة لأحد غير الأنبياء، وكلٌ يؤخذ من قوله ويرد إلا النبي صلى الله عليه وسلم.
  2. عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: والذي فلق الحبة، وبرأ النسمة، إنه لعهد النبي الأمي صلى الله عليه وسلم إلي: «أن لا يحبني إلا مؤمن، ولا يبغضني إلا منافق» رواه مسلم في كتاب الإيمان رقم (78). قال العلماء: لا يبغض عليا لدينه إلا منافق، وكذلك لا يبغض الأنصار لدينهم إلا منافق، ففي صحيح مسلم (74) عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( «آية المنافق بغض الأنصار، وآية المؤمن حب الأنصار» )).
  3. عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه حسن وحسين هذا على عاتقه، وهذا على عاتقه، وهو يلثم هذا مرة، وهذا مرة، حتى انتهى إلينا، فقال له رجل: يا رسول الله، إنك تحبهما، فقال: (( «من أحبهما فقد أحبني، ومن أبغضهما فقد أبغضني» )) رواه أحمد في مسنده (9673)، والحاكم في المستدرك (4777) في باب مناقب الحسن والحسين ابني بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصححه الحاكم ووافقه الذهبي، وصححه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة (2895).
  • هذا ومن ينظر في صحيح البخاري يعجب من كثرة تبويبات الإمام البخاري رحمه الله في فضائل آل البيت، وصدق شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عندما ذكر في كتابه منهاج السنة النبوية (5/ 511) أن أهل العلم بالحديث كانوا يحرصون على جمع فضائل علي بن أبي طالب رضي الله عنه.

الوقفة السابعة: نبذة تعريفية مختصرة بكتاب صحيح البخاري

اسم صحيح البخاري هو: الجامع الصحيح المسند من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وسننه، قال البخاري رحمه الله: صنفت الجامع من ستمائة ألف حديث في ست عشرة سنة، وجعلته حجة فيما بيني وبين الله.

وعدد أحاديث صحيح البخاري (2500) حديث تقريباً بدون تكرار، وعدد أحاديثه مع التكرار (7563).

وقد رتب البخاري صحيحه ترتيبًا عجيبًا في كتب متنوعة تندرج تحتها أبواب كثيرة، وعدد الكتب التي عقدها البخاري في صحيحه (97) كتابًا، بدأها بكتاب بدأ الوحي، فكتاب الإيمان، فكتاب العلم، ثم كتب العبادات من الوضوء والغسل .. إلخ، وتناول في تلك الكتب سائر أحكام الشرع العملية والاعتقادية، ومن الكتب التي عقدها: كتاب تفسير القرآن، وكتاب فضائل القرآن، وكتاب الأدب، وكتاب الدعوات، وكتاب الرقاق، ومما ذكره كتاب أحاديث الأنبياء، وكتاب المناقب، وكتاب أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وضمنه: باب مناقب علي بن أبي طالب القرشي الهاشمي أبي الحسن رضي الله عنه، وباب مناقب قرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وباب مناقب الحسن والحسين رضي الله عنهما، وباب مناقب فاطمة عليها السلام. وعقد كتاب المغازي لذكر سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وغزواته، ثم ذكر أخيرا: كتاب الفتن وكتاب الأحكام وكتاب التمني وكتاب أخبار الآحاد وكتاب الاعتصام بالكتاب والسنة وختم كتابه بكتاب التوحيد.

وقد وضع الله القبول لكتاب صحيح البخاري بما لا نظير له في الكتب المصنفة، فتلقاه العلماء في مختلف البلدان وعلى مر الأعصار بالرواية والسماع، والنسخ والشرح، والحفظ والدرس، بما لا ترى مثله لأي كتاب آخر بعد كتاب الله.

قال الحافظ ابن كثير: أجمع العلماء على قبول صحيح البخاري وصحة ما فيه، وكذلك سائر أهل الإسلام. ينظر: البداية والنهاية لابن كثير (11/24).

وقال الخطابي: غرض البخاري ذكر ما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من حديثٍ في جليل من العلم أو دقيق، ولذلك أدخل فيه كل حديث صح عنده في تفسير القرآن، وذكر التوحيد والصفات، ودلائل النبوة، ومبدأ الوحي، وشأن المبعث، وأيام رسول الله صلى الله عليه وسلم وحروبه ومغازيه، وأخبار القيامة والحشر، والحساب، والشفاعة، وصفة الجنة والنار، وما ورد منها في ذكر القرون الماضية، وما جاء من الأخبار في المواعظ والزهد والرقاق، إلى ما أودعه بعدُ من الأحاديث في الفقه والأحكام والسنن، والآداب، ومحاسن الأخلاق، وسائر ما يدخل في معناها من أمور الدين، فأصبح هذا الكتاب كنزا للدين، وركازا للعلوم، وصار بجودة نقده وشدة سبكه حَكَما بين الأمة فيما يُراد أن يُعلم من صحيح الحديث وسقيمه، وفيما يجب أن يُعتمد ويُعول عليه منه. ينظر: أعلام الحديث للخطابي (1/ 102) بتصرف يسير.

وقد أحسن من قال:

صحيح البخـــــــاري لو أنصفــــوه ... لما خُــــط إلا بماء الذهـــــب

هو الفرق بين الهدى والعمى ... هو السد بين الفتى والعطب

اللهم ارزقنا طاعتك وطاعة رسولك، وحبك وحب رسولك وأهل بيته وأصحابه، واغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان، ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا، وأرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلا وارزقنا اجتنابه، وحبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا، وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان، ونعوذ بك من الفتن ما ظهر منها وما بطن، وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى أهل بيته وأزواجه وذريته.

محمد بن علي بن جميل المطري

دكتوراه في الدراسات الإسلامية وإمام وخطيب في صنعاء اليمن

  • 0
  • 0
  • 59

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً