التثبّت خُلُقُ العقلاء

منذ 5 ساعات

بين التثبّت في الأحكام والتهوّر فيها حدٌّ إن تجاوزتَه هلكتَ وأهلكتَ من معك. فالتثبّت خُلُقُ العقلاء، وميزانُ الحكماء، وشعارُ أهل العدل.

بين التثبّت في الأحكام والتهوّر فيها حدٌّ إن تجاوزتَه هلكتَ وأهلكتَ من معك. فالتثبّت خُلُقُ العقلاء، وميزانُ الحكماء، وشعارُ أهل العدل.

وهو أن تحبس لسانك عن إطلاق الحكم حتى ينجلي الأمر، وتتضح الصورة، ويزول الشكّ باليقين؛ فكم من بريءٍ أُدين بالعَجلة، وكم من ظالمٍ أفلت بالصمت المتخاذل!

أمّا التهوّر في الأحكام فهو صفةُ مَن ضاق صدرُه عن التأمّل؛
يستعجل قبل أن يسمع، ويحكم قبل أن يفهم، يرى الظنَّ يقينًا، والشبهةَ حقيقة، فيقع في ظلمٍ لا يدركه إلا بعد فوات الأوان.

وبين المرونة والتميع حدٌّ دقيقٌ شفّاف لا يراه إلا أهل البصيرة والحكمة. فالمرونة فنٌّ من فنون القيادة؛ تُلين بها الموقف دون أن تُلين بها المبدأ، وتُحسِن بها إدارة المواقف دون أن تُبدّل القيم. هي قوّةٌ لا ضعف، وحُسنُ تقديرٍ لا اضطراب.

أمّا التميع فهو وهنٌ وضعفٌ وانكسارٌ داخليٌّ يتزيّا بثوب الواقعية، وهو في الحقيقة تخلٍّ عن أصلٍ لا يجوز التفريط فيه؛ والفرق بينهما كالفرق بين غصنٍ ينحني ليصمد، وهشيمٍ ينكسر لأنه فقد جذوره.

وبين الرحمة والشفقة المزيّفة جدارٌ إذا كسرتَه أضعتَ من حولك ومن هم تحت رعايتك. فالرحمةُ قوّةٌ منسوبةٌ إلى القلب السليم؛ تمنح صاحبها قدرةً على الاحتواء من غير فساد، وإحسانًا بلا تضييع، ولينًا بلا انكسار؛ هي رحمةٌ تُقيم الموازين، ولا تهدم الحدود.

أمّا الشفقة المزيّفة فهي تدليلٌ يفسد، وتساهلٌ يُضيع الحقوق، وضعفٌ يُغري بالتمادي، وتسيّبٌ يضرّ بمن ينبغي أن يُرشَد لا أن يُدلّل. فرحمةٌ بلا حكمة كغيثٍ يصبّ في غير موضعه… يروي ولكنه يُغرق!

ومن أقام هذه الموازين استقامت به الأخلاق، وسمت به الحياة، وصار قلبُه بين العقل والرحمة، وبين المبدأ والحكمة، يعيش في اتّزانٍ لا يقدر عليه إلا أصحاب النفوس الكبيرة.
________________________________
الكاتب: إياد العطية

  • 1
  • 0
  • 43

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً