أسرار قيام الليل
“إنَّ في الليل ساعةً لا يُوافقها رجل مُسلم يسأل الله -تعالى- خيرًا من أمر الدنيا والآخرة إلا أعطاه إيَّاه. وذلك كل ليلة”.
يمتاز الليل عن النهار بانقضاء العمل -ومَظنُّ الأعمال في النهار دراسةً أو اكتسابًا للرزق-، وخلوّ النفس من همّ العمل، وخُفُوت ضجَّته من رأس المسلم، فضلاً عن هدوء الليل نفسه عن النهار، وقلَّة التلوث السمعيّ والبصريّ الذي نشهده في الأخير، وكونه مَحلاً للسكن والسكون كما في قوله -تعالى- {وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا} [الأنعام: 96]، وليس أدلّ في التعبير عن كلّ السابق إلا الآية الكريمة {وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا} [النبأ: 10] فهو ظرف زمانيّ يأتي ليصبغ النفس بصبغته بأمر الله، وكأنَّه لباس للكون.
أمَّا عن النفس فلنتوقَّع تأثير العوامل السابقة عليها؛ فهذا “الخلاص” من عمل النهار وكَدِّه يُؤدِّي بالنفس إلى “الخُلُوص” لما ستفعله بوصفه مُتعة الوقت الذي تملكه لتذهب إلى العمل بعد ساعات.
وهذا الهدوء العامّ إثرَ نوم من حولك يمنحك هدوءًا نفسيًّا، ويُساعد على السَّكِينة. وما سبق فرصة لدخولك في وقت الصَّفاء النفسيّ. وحال صفاء النفس غير حال كَدَرها وهمِّها وانشغالها؛ فكمْ تأتي اللحظات السعيدة في أوقات الصفاء!
وهذه الصفات التي عرفناها عن الليل تصبغ عليه مُتعة في النوم؛ مِمَّا يمنحك أنت فرصة لمُجاهدة لمْ تكُن في الحسبان. فتصوَّرْ معي أنَّ أوقات اليوم البسيطة التي تمرُّ عليك طوال عُمرك تصير فرصة مُجاهدة للنفس، بعد أنْ كانت وقتًا عاديًّا تنفقه كيف تشاء، وكأنَّك خالد أبدًا وكأنَّه لنْ ينفد. ولعلَّ “الشعور بالوقت” من أعظم نِعَم النباهة التي قد تحوزها إنْ ركَّزتَ على استثماره في الصالح.
ويبدو السرّ الأعظم -فوق ما سبق- أنَّك بقيامك لليل تنفذ أمر الله وتمتثل له، وقد نسأل: أهذا هو السرّ الأعظم؟ نعم إنَّه السرّ الذي أسرَّه إيَّاك خالقُ الكون وصاحبُ الزمن الذي يدور. وانظر إلى حالك حين تقوم الليل وأنت تُشهد الله أنَّك تلقَّيتَ سرَّه، وعملتَ به .. وأحبُّ ما يُعبَدُ الله به هو أمره الذي أمر، وأعظم الطاعات هي الطاعة المَوصوفة منه.
ولعلَّ حالة الصفاء من الجانبَيْن: الليل والنفس دلَّ عليهما الحديث ببلاغة ترغيبيَّة تُخفي الكثير الذي تكتشفه حين التأمُّل. يقول الحديث الذي أدرجه الإمام:
“إنَّ في الليل ساعةً لا يُوافقها رجل مُسلم يسأل الله -تعالى- خيرًا من أمر الدنيا والآخرة إلا أعطاه إيَّاه. وذلك كل ليلة”.
فانعم أيُّها المسلم الصالح بنِعَم ربِّك السابغة ليلاً ونهارًا.
- التصنيف: