القراءة والكرم الإلهي

منذ 5 ساعات

تتجلّى في قوله تعالى: {اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ} لحظةٌ تتجاوز حدود التعليم إلى حدود العطاء؛ فالأمر بالقراءة يفتح أبواب المعرفة، واسم الأكرم يفتح أبواب السماء.

تتجلّى في قوله تعالى: {اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ} لحظةٌ تتجاوز حدود التعليم إلى حدود العطاء؛ فالأمر بالقراءة يفتح أبواب المعرفة، واسم الأكرم يفتح أبواب السماء. وكأن الوحي يلقّن طالب العلم أسرار الرحلة منذ أول خطوة: القراءة التي تتوجّه إلى الله الأكرم تتحوّل إلى عبادة تُسكَب فيها المعاني سكبًا. فالآية تربط بين القراءة والكرم ربطًا يضع أمام طالب العلم ميزانًا معرفيًا جديدًا: جهدٌ يبذله العبد، وكرمٌ يتنزّل من الله، ومعرفةٌ تتجاوز حدود المجهود إلى عطاءٍ يخلقه الله في القلب.

وهنا يبدأ العلم في الانفصال عن المجهود البشري المحض، ويتحوّل إلى سفرٍ نحو الله، كل خطوة فيه تتلاقى مع كرمٍ يفيض من اسمه سبحانه. فالصدق في طلب المعرفة يخلق في الروح هيئة استقبال للكرم الإلهي؛ يقرأ الطالب الصفحة فيفتح الله له بابًا من الفهم، ويقف عند لفظ فيَسري في قلبه سكون، ويتأمل معنىً فيجد داخله سعةً تتجاوز قدرته على التحصيل. وكأن المعاني تأتيه بطواعية، وكأن الفهم يتهيأ له قبل أن يتهيأ هو له.

وفي أزهى لحظات الصدق، يشعر طالب العلم بأن الصفحة التي بين يديه تنفتح بطريقة لا يدرك كيف انفتحت، وأن المعنى يتجلّى في قلبه على نحوٍ لا يعرف له مصدرًا إلا الكرم الإلهي. إنها لحظة تمتدّ فيها آيةٌ أخرى: {وَاتَّقُوا اللّٰهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللّٰهُ}.

وهكذا تضع الآية طالب العلم أمام مشهدين متداخلين: جهدٌ يصعد من الأرض، وكرمٌ يتنزّل من السماء، وفي منطقة الالتقاء بين الطرفين تنشأ المعرفة التي تُعظّم الله؛ معرفةٌ تتجاوز ظاهر الكلمات إلى أسرارها، وتتجاوز حدود التحصيل إلى حدود القرب.

هذا هو سرّ الآية: أن القراءة طريق، وأن الكرم رفيق، وأن المعرفة التي تُراد لتعظيم الله تُشرق بنورٍ لا تهبه مناهج الأرض.

__________________________________________
الكاتب: علي آل حوّاء

  • 0
  • 0
  • 30

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً