الخلط بين الانتكاس والفتور
أُسيء استخدام الانتكاس حين جرى إنزاله من مرتبته الشرعية العميقة إلى أداة ضغطٍ تربوي سريع، فصار الذنب المفرد علامة سقوط، وصارت السنّة المتروكة شاهد اتهام، وتحوّل الوعظ إلى محكمة نفسية.
أُسيء استخدام الانتكاس حين جرى إنزاله من مرتبته الشرعية العميقة إلى أداة ضغطٍ تربوي سريع، فصار الذنب المفرد علامة سقوط، وصارت السنّة المتروكة شاهد اتهام، وتحوّل الوعظ إلى محكمة نفسية.
هذا التحويل ألغى الفروق بين التراجع الجزئي والانقلاب الكلّي، وبين ضعف الطبع وفساد القصد. ومع غياب الفقه، تضخّم الوعيد حتى غطّى معنى الرحمة، وتقدّم التخويف على البناء. والشاب الذي يتعثّر يجد نفسه محاصرًا بصورة سوداوية عن ذاته ومساره، فيضيق صدره عن الاستمرار، وهنا يتغذّى اليأس من لغة الوعظ ذاتها، ونشأ عن ذلك وعيٌ مشوّه يرى الطريق الإيماني خطًا مستقيمًا بلا تموّج، ويقيس الإيمان بسلامة الظاهر لا بحياة القلب.
والحال أن السير إلى الله قائم على التعاقب بين مجاهدةٍ واستدراك، وبين انكسارٍ وعودة. الانتكاس توصيف لحالة استقرار على الباطل بعد معرفة الحق، لا وصفًا لنبض إنساني يخطئ ثم ينهض.
ويتحوّل الخوف من الذنب إلى خوف من الطريق كله، وتصبح التوبة عبئًا نفسيًا بدل كونها باب رجوع.
فالانتكاس في حقيقته مسارٌ قلبيٌّ طويل ينتهي بانقلاب الموازين الداخلية، لا هفوة سلوك ولا فتور عادة. والخلط بين المستويين يربك المعايير ويصنع أجيالًا قلقة من ذواتها. والخطاب الوعظي الرشيد يعيد تعريف السير بوصفه مجاهدةً متصلة، تتسع للضعف وتستثمره في مزيد من الصدق مع الله.
••
- التصنيف: