رجب بين التعظيم المشروع والابتداع الممنوع
شهر رجب أحد الأشهر الحُرُم، وهو شهرٌ مبارك تكثر فيه رحمةُ الله وخيره، ويُستدل على ذلك بتسميته عند بعض السلف بـ «الأصب»؛ لِما يُصبّ فيه من الرحمة صبًّا.
كتبت أ - شيرين حسن
شهر رجب أحد الأشهر الحُرُم، وهو شهرٌ مبارك تكثر فيه رحمةُ الله وخيره، ويُستدل على ذلك بتسميته عند بعض السلف بـ «الأصب»؛ لِما يُصبّ فيه من الرحمة صبًّا.
وينبغي للمسلم أن يستغل هذا الشهر بالإكثار من الدعاء والعبادات العامة المشروعة، مع الحذر الشديد من تخصيص عباداتٍ بعينها لم يثبت فيها دليل صحيح، مع التركيز على الاستعداد الروحي والإيماني لشهر رمضان المبارك.
وشهر رجب من الأشهرٌ الحرم التي اختارها الله من بين الشهور، فرفع قدرها، وعظّم شأنها، وجعل لها مكانةً خاصة، فقال تعالى:
{{إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ}}[التوبة:«٣٦»] .
ونهى سبحانه وتعالي عن ظلم النفس في هذه الأشهر، وجعل الذنب فيها أعظم، كما جعل العمل الصالح والأجر أعظم
قال قتادة رحمه الله:
«إن الظلم في الأشهر الحرم أعظم خطيئةً ووزرًا منه فيما سواها».
والمعنى أن هذا الشهر الكريم ينبغي أن يُعظَّم بالإقبال على الله تعالى بمختلف أنواع الطاعات، والأهم من ذلك ترك المعاصي بجميع أشكالها: الظاهرة والباطنة، القولية والفعلية، ما تعلق منها بحقوق الله أو بحقوق العباد.
فلقد اخترع الناس في شهر رجب عباداتٍ عجيبة لم يثبت فيها شرع، ولم يرد بشأنها نص صحيح، ورووا في فضلها أحاديث شديدة الضعف، بل موضوعة ومختلقة، اتفق أهل العلم على بطلانها وعدم صحة نسبتها إلى النبي ﷺ.
نحن لا نقصد التزهيد في العبادة، ولا التقليل من الاجتهاد في هذا الشهر، وإنما القضية في اعتقاد فضلٍ خاص لعملٍ خاص في زمنٍ مخصوص دون دليل؛ كاستحباب العمرة في رجب وتسميتها بالعمرة الرجبية، أو تخصيص صيام أيام بعينها، أو إحياء ليالٍ معينة بالقيام أو الاحتفال، فالإنكار إنما هو على هذا الاعتقاد، إذ لا بد فيه من دليل صحيح ثابت.
ومن هذه العبادات المبتدعة:
صلاة أول ليلة من رجب
صلاة ليلة الجمعة الأولى منه
صلاة ليلة النصف من رجب
صلاة ليلة السابع والعشرين
وقد ذكر الإمام ابن الجوزي رحمه الله هذه الصلوات في كتابه «الموضوعات»، وحكم عليها بالوضع، ووافقه الإمام ابن حجر العسقلاني رحمه الله.
وقال الإمام النووي رحمه الله عن صلاة الرغائب وصلاة ليلة النصف من شعبان:
«وهما بدعتان مذمومتان منكرتان، وأشدّهما ذمًّا صلاة الرغائب؛ لما فيها من تغيير هيئة الصلاة، ولتخصيص ليلة الجمعة، والحديث الوارد فيها باطل شديد الضعف».
العمرة الرجبية
العمرة في أصلها مندوب إليها، وهي في الأشهر الحرم أعظم أجرًا لشرف الزمان، لكن كره العلماء تخصيص رجب بها؛ لأن الناس عظّموها فيه دون غيره، واعتقدوا لها فضيلةً خاصة لم تثبت، وانتشر ذلك بين العامة.
الصيام في رجب
أما الصيام في رجب، فقد ناله النصيب الأوفر من الأحاديث المكذوبة؛ فوُضعت أحاديث في فضل صيام كل يومٍ فيه، أو صيامه كاملًا مع شعبان ورمضان، أو صيام عددٍ معيّن منه، وكل ذلك لم يصح فيه حديث واحد، بل حكم العلماء عليها بالكذب والوضع.
وقد تتبّع الإمام ابن حجر رحمه الله هذه الأحاديث في كتابه
«تبيين العجب بما ورد في شهر رجب»، وبيّن أنها موضوعة أو منكرة ولا أصل لها.
وخلاصة القول:
إن تعظيم شهر رجب كغيره من الأشهر الحرم لا يكون إلا باتباع شرع الله، والانقياد لهدي نبيّه ﷺ، لا باللهاث وراء أعمالٍ محدثة لا قيمة لها عند الله.
وخير أمور الدين ما كان سُنّة،
وشرّ الأمور ما كان بدعة.
نقول فقط كما كان النبي ﷺ إِذَا دَخَلَ رَجَبٌ يقول « «اللهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي رَجَبٍ وَشَعْبَانَ وَبَارِكْ لَنَا فِي رَمَضَانَ»» .
- التصنيف: