(يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ)

منذ 6 ساعات

يا من قصّر في طاعة ربه، يا من ضيّع الصلوات، يا من هجر القرآن، يا من عقّ والديه، يا من تهاون في حق زوجته وأبنائه، يا من غفل قلبه: تب قبل أن تقول: {يَاحَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ}.

أيها المؤمنون: تدبروا قول الله العظيم: {أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَىٰ مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ}[الزمر: 56]، آيةٌ تقطع القلوب، وتوقظ الغافلين، وتصور ذلك الندم الشديد الذي يأخذ صاحبَه يوم القيامة، حين يرى أنه ضيّع طاعة الله، وقصّر في حقه، وفرّط فيما أوجب عليه.

قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: جنب الله: أي في أمر الله وطاعته، وقال الحسن البصري: كلُّ حسرةٍ يوم القيامة فإنما هي حسرةُ التفريط في أمر الله؛ أي: إن العبد يتمنى لو عاد إلى الدنيا لحظة؛ ليصلي صلاة، أو يذكر ذكرًا، أو يتوب توبة، ولكن هيهات، قال -سبحانه-: {وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ}[مريم: 39].

يوم الحسرة يوم يرى المفرط أنه ضيّع الصلاة، وتهاون في القرآن، وأهمل عمره، وأساء إلى الناس، وضيع أمانته، ولم يقدّم لنفسه شيئًا، روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة -رضي الله عنه-، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «بادروا بالأعمال سبعًا»، وذكر منها الفتن والمرض والهرم؛ تنبيهًا أن التأخير والتسويف طريق الندم والحسرة.

وروى الترمذي عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال «اغتنم خمسًا قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك»، وهذا أصلٌ عظيم في معنى: لا تفرّط قبل أن تندم.

كان عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- يقول: حاسِبوا أنفسكم قبل أن تُحاسَبوا، وزِنوا أعمالكم قبل أن تُوزَن عليكم، روى أهل السير: أن رجلاً من الصالحين حضرته الوفاة، فجعل يبكي بكاءً شديدًا، فقيل له: ما يبكيك؟ قال: أبكي على أيامٍ ما بكيت فيها، يعني ما بكيت فيها من خشية الله، وما استغليتها في الطاعة، ورُوي عن بعض العُبّاد أنه كان إذا جنّ الليل صاح: وا حسرتاه! يوم يذهب من عمري لا يزداد فيه عملي، فهؤلاء خافوا التفريط وهم من الأخيار، فكيف بنا نحن المفرطين؟!.

ومن نماذج من التفريط المنتشر اليوم: تفريط في الصلاة وتأخيرها، تفريط في بر الوالدين، تفريط في غضِّ البصر وصيانة اللسان، تفريط في تربية الأبناء، تفريط في حقوق الزوجات، تفريط في القرآن: هجْر، ونسيان، وترك عمل.

والله، لو بعث أصحاب القبور دقيقة واحدة لقالوا: ركعةٌ واحدة، تسبيحةٌ واحدة، استغفارٌ واحد، صدقةٌ واحدة، ولكن انتهى العمر، وحضر الندم، وحان قولهم: {يَاحَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ}[الزمر: 56].

 

أيها المؤمنون: الآية التي افتتحنا بها حديثنا ليست مجرد وعظ، بل هي رسالةٌ من الله، تحذيرٌ، وإنذار، وتنبيه قبل أن يفوت الأوان.

وكلنا ذلك المفرط، وكل تفريط له علاج، ومن ذلك: المبادرة بالطاعات، تجديد التوبة كل يوم

مجاهدة النفس، زيارة المقابر، ملازمة الذكر والقرآن؛ فهو الذي يحيي القلوب التي أماتها التفريط، صحبة الصالحين.

وقد روى أهل السير: أن رجلا كان غارقًا في التفريط والمعاصي، حتى رأى جنازة قريبة منه، فوقف وهو ينظر، فلما وُضع الميت في قبره، قال الرجل: هذا كان يضحك كما أضحك، ويمشي كما أمشي، فماذا أعددت بعده؟، فكانت تلك اللحظة سبب توبته، وصار من الصالحين، وهكذا -يا عباد الله- تكون لحظات اليقظة التي تمحو التفريط.

وختاما: يا من قصّر في طاعة ربه، يا من ضيّع الصلوات، يا من هجر القرآن، يا من عقّ والديه، يا من تهاون في حق زوجته وأبنائه، يا من غفل قلبه: تب قبل أن تقول: {يَاحَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ}[الزمر: 56]، اللهم تب علينا إنك أنت التواب الرحيم.               

خالد بن عبد الله الشايع

إمام وخطيب جامع سعد بن محمد الحقباني بظهرة البديعة في الرياض

  • 1
  • 0
  • 58

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً