جحر الضب

منذ 5 ساعات

إِنَّهُ جُحْرُ ضَبٍّ خَرِب، لَيْسَ فِيْهِ إِلَّا الضِّيقُ والتَّعَب! إِنَّهُ جُحْرُ التَّبَعِيَّةِ لِلكُفَّار، والدُّخُولُ مَعَهُم في كُلِّ دَارٍ وقَرَار!

عِبَادَ الله: إِنَّهُ جُحْرُ ضَبٍّ خَرِب، لَيْسَ فِيْهِ إِلَّا الضِّيقُ والتَّعَب! إِنَّهُ جُحْرُ التَّبَعِيَّةِ لِلكُفَّار، والدُّخُولُ مَعَهُم في كُلِّ دَارٍ وقَرَار! قال ﷺ: «لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ: شِبْرًا بِشِبْرٍ، وذِرَاعًا بِذِرَاعٍ؛ حَتَّى لَوْ دَخَلُوا في جُحْرِ ضَبٍّ لاتَّبَعْتُمُوهُمْ».

قلنا: (يا رَسُولَ اللهِ، اليَهُودَ والنَّصَارَى؟ قال: «فَمَنْ»؟. قال ابنُ حَجَر: (قَوْلُهُ: "فَمَنْ؟!": اسْتِفْهَامُ إِنْكَارٍ! والتَّقْدِيرُ: فَمَنْ هُمْ غَيْرُ أُولَئِكَ!).

ومِنْ مَظَاهِرِ التَّبَعِيَّةِ، لِشَرِّ البَرِيِّة: مُشَابَهَتُهُم في أَعْيَادِهِمُ المَوْسِمِيَّة! فقَدْ كَانَ لِأَهْلِ الجَاهِلِيَّةِ يَوْمَانِ في السَنَةِ يَلْعَبُونَ فِيهِمَا؛ فَلَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ ﷺ المدِينَةَ قال: «قَدْ أَبْدَلَكُمُ اللهُ بِهِمَا خَيْرًا مِنْهُمَا: يَوْمَ الفِطْرِ، ويَوْمَ الأَضْحَى».

وهذِهِ الأَعيَادُ: مِنْ أَخَصِّ مَا تَتَمَيَّزُ بِهِ الشَّرَائِعُ؛ والمُسْلِمُونَ قد تَمَيَّزُوا بِدِينِهِمْ وعِيْدِهِم؛ قال عز وجل: {لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ}؛ ويقول ﷺ: «إِنَّ لِكُلِّ قَوْمٍ عِيدًا، وهذا عِيدُنَا».

والأعيَادُ في الإِسلام: شعيرَةٌ وعبادَةٌ، لا تَقْبَلُ التَّحْرِيْفَ والزِّيَادَة، وهِيَ أَعْيَادُ شُكْرٍ وذِكْر، لا غَفْلَةٍ وشِرْك! قال عز وجل: {ولِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنا مَنْسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ الله}.

وأعيادُ المشركينَ: زُوْرٌ وَبُهْتَان، وفُسُوقٌ وعِصْيَان، لا تَلِيْقُ بِـ(عِبَادِ الرَّحْمَن).

 قال تعالى -في صفاتِهم-: {والَّذِينَ لا يَشْهَدُوْنَ الزُّوْر}. قال مُجاهد: (يَعْنِي أَعْيَادَ المُشْرِكِيْن).

ومِنْ أَعيَادِ الكُفَّارِ: عِيْدُ الكِرِسْمِسِ، ورَأْسِ السَّنَةِ المِيْلَادِيَّةِ: وهو الَّذِي يَحْتَفِلُ فِيْهِ النَّصَارَى بِمِيْلَادِ المَسِيْحِ عز وجل، الَّذِي يَزْعُمُوْنَ أَنَّهُ الرَّبُّ أو ابْنُ الرَّب! {سُبْحَانَهُ وتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا}.

وأَجْمَعَ الصَّحَابَةُ الأَخْيَار، على إِنْكَارِ أَعْيَادِ الكُفَّارِ! يقول ابنُ عُمَر رضي الله عنه: (مَنْ صَنَعَ مَهْرَجَانَهُم، وَتَشَبَّهَ بِهِم حَتَّى يَمُوتَ؛ حُشِرَ مَعَهُم).

ومَنْ شَارَكَ الكُفَّارَ في أَعْيَادِهِمْ (ولَوْ بِالتَّهْنِئَةِ)؛ فَقَدْ أَلْقَى بِدِيْنِهِ إلى التَّهْلُكَة!

يقولُ ابنُ القيِّم: (أَمَّا التَّهْنِئَةُ بِشَعَائِرِ الكُفْرِ؛ فَحَرَامٌ بِالاِتِّفَاق، مِثْلُ: أَنْ يُهَنِّئَهُمْ بِأَعْيَادِهِم؛ فَيَقُولَ: "عِيدٌ مُبَارَكٌ عَلَيْكَ" أو "تَهْنَأُ بِهَذَا الْعِيدِ"، وَنَحْوَ ذلك؛ فَهَذَا -إِنْ سَلِمَ قَائِلُهُ مِنَ الْكُفْرِ- فَهُوَ مِنَ المُحَرَّمَاتِ، وهُوَ بِمَنْزِلَةِ أَنْ يُهَنِّئَهُ بِسُجُودِهِ لِلصَّلِيبِ! بَلْ ذَلِكَ أَعْظَمُ إِثْمًا عندَ اللهِ مِنَ التَّهْنِئَةِ بِشُربِ الخَمْرِ، وقَتْلِ النَّفْس!).

وقال ابنُ عُثَيمين: (تَهْنِئَةُ الكُفَّارِ بِعِيْدِ الكِرِسْمِس: إِقْرَارٌ لِمَا هُمْ عَلَيْهِ مِنْ شَعَائِرِ الكُفْرِ؛ وَإِجَابَةُ دَعْوَتِهِم بِهَذِهِ المُنَاسَبَةِ: أَعْظَمُ مِنْ تَهْنِئَتِهِمْ! ويَحْرُمُ إِقَامَةُ الحَفَلَاتِ، أو تَبَادُل الهدايا، أو التَّهْنِئَةُ بِالشَّعَائِرِ الدِّيْنِيَّةِ: كَأَعْيَادِهِم الَّتِي تَكُونُ على رَأْسِ السَّنَةِ المِيْلَادِيَّة).

واسْتِعْمَالُ الشِّعَارَاتِ المُصَاحِبَةِ لِذَلِكَ العِيْدِ: كَاتِّخَاذِ شَجَرَةِ المِيْلَاِد، وغَيْرِهَا مِنَ الطُّقُوسِ والرُّمُوزِ؛ تَشَبُّهٌ بِالنَّصَارَى في أَخَصِّ أَعْيَادِهِمْ (ولَوْ لَمْ يَقْصِدْ بِذَلِكَ إِلَّا المَرَح!)؛ لأَنَّ الوسَائِلَ لَهَا أَحكَامُ المقَاصِدِ؛ قال ﷺ: «مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ».

وتحريمُ التَّشَبُّهِ بأعيادِ الكفار: لا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ بِقَصْدِ التَّشَبُّهِ والإِقْرَار!

يقولُ ابنُ عُثَيْمِين: (إِذَا فَعَلَ فِعْلاً يَخْتَصُّ بِالكُفَّار؛ فَيَكُوْنُ مُتَشَبِّهًا بهم: سَوَاء قَصَدَ بِذَلِكَ التَّشَبُّهَ، أَمْ لَمْ يَقْصِد؛ لِأَنَّ المَقْصُودَ هُوَ الظَّاهِر).

وإذا كانَ الاِحْتِفَالُ بِمِيْلادِهِ ﷺ، لَمْ يَثْبُتْ عَنْهُ ولا عَنْ أَصْحَابِهِ؛ فكيفَ بِمَنْ وَافَقَ النصارى في عِيْدٍ بِدْعِيٍّ شِركِيٍّ! قال شيخُ الإسلام: (أَصْلُ ظُهُورِ الكُفرِ: هُوَ التَّشَبُّهُ بالكافرين، ولِهَذَا عَظُمَ وَقْعُ البِدَعِ، وإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيْهَا تَشَبُّهٌ بِالكُفَّارِ؛ فكيفَ إذا جَمَعَتِ الوَصْفَيْن!).

ولَوْ أَنَّ رَجُلاً شَتَمَ أَبَاكَ، ثُمَّ احْتَفَلَ بِهَذَا الشَّتْمِ؛ فَهَلْ سَتُشَارِكُهُ الاِحْتِفَال؟! فكيفَ بِمَنْ شَتَمَ رَبَّكَ، ونَسَبَ لَهُ الوَلَد، ثُمَّ تَحْتَفِل مَعَهُ بِمِيلَادِ ذَلِكَ الوَلَد!!

قال عز وجل-في الحديثِ القُدْسِي-: «كَذَّبَنِي ابْنُ آدَمَ، ولَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ! وشَتَمَنِي، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ! فَأَمَّا تَكْذِيبُهُ إِيَّايَ؛ فَقَوْلُهُ: "لَنْ يُعِيدَنِي كَمَا بَدَأَنِي!"، وَلَيْسَ أَوَّلُ الخَلْقِ بِأَهْوَنَ عَلَيَّ مِنْ إِعَادَتِهِ. وَأَمَّا شَتْمُهُ إِيَّايَ؛ فَقَوْلُهُ: "اِتَّخَذَ اللهُ وَلَدًا!" وأَنَا الأَحَدُ الصَّمَدُ، لَمْ أَلِدْ وَلَمْ أُولَدْ، وَلَمْ يَكُنْ لِي كُفْئًا أَحَدٌ».

وإذا كانَ الذَّبْحُ للهِ عز وجل -وهُوَ أَعْظَمُ العِبَادَاتِ المَالِيَّةلا يُقْبَلُ في مَحَلِّ عِيْدِ المُشْرِكِيْن؛ فَكَيْفَ بِمَنِ احْتَفَلَ مَعَهُمْ بِذَلِكَ العِيْد؟! جَاءَ رَجُلٌ إلى النَبِيِّ ﷺ، فقال: (إِنِّي نَذَرْتُ أَنْ أَنْحَرَ إِبِلًا بِـ"بُوَانَةَ"). فقال ﷺ: «هَلْ كَانَ فِيْهَا وَثَنٌ مِنْ أَوْثَانِ الجَاهِلِيَّةِ»؟. قال: (لا). قال: «هَلْ كَانَ فِيهَا عِيدٌ مِنْ أَعْيَادِهِمْ»؟. قال: (لا). فقال ﷺ: «أَوْفِ بِنَذْرِكَ؛ فإنه لا وفاءَ لِنَذْرٍ في مَعْصِيَةِ اللهِ، ولا فيما لا يَمْلِكُ ابنُ آدم».

عِِبَادَ الله: كَانَ نبِيُّكُمْ ﷺ يَتَحَرَّىَ مُخَالَفَةَ المُشْرِكِيْنَ في خَصَائِصِهِم؛ حَتَّى قال اليهودُ: (ما يُرِيدُ هَذَا الرَّجُلُ أَنْ يَدَعَ مِنْ أَمْرِنَا شَيْئًا؛ إِلَّا خَالَفَنَا فِيهِ!).

فَاعْتَزُّوا بِدِيْنِكُمْ، واقْتَدُوْا بِحَبِيْبِكُمْ؛ فَهَؤُلَاءِ الكُفَّار، مَهْمَا بَلَغُوْا مِنَ الإِعلَامِ والإِبْهَار، والغُرُورِ والاستكبار؛ فَـ«هُمْ تَبَعٌ لَنَا يَوْمَ القِيَامَةِ! نَحْنُ الآخِرُونَ مِنْ أَهْلِ الدُّنْيَا، والأَوَّلُونَ يَوْمَ القِيَامَة». {وَلِلهِ العِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ ولَكِنَّ المُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ}.

  • 0
  • 0
  • 43

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً