فقهُ الابتلاء في منطقِ القرآن

منذ 8 ساعات

الابتلاء والبلاء شيءٌ واحد؛ وهو الامتحان والاختبار، والأمر الشاقّ الذي يصعب على الإنسانِ ويكون فوق الحدّ الطبيعيّ حيث إنه يتكلّفه الإنسان.

الابتلاء والبلاء شيءٌ واحد؛ وهو الامتحان والاختبار، والأمر الشاقّ الذي يصعب على الإنسانِ ويكون فوق الحدّ الطبيعيّ حيث إنه يتكلّفه الإنسان.

وقد يجيء معنى الابتلاء في مرادفاتٍ أخرى، كالفتنة، والتمحيص، والاختبار، والمصيبة.
ومن المعلوم أن القارئ للقرآن يجد الفرق ظاهرًا بين الابتلاء والعقوبة، ومعرفة ذلك يكون بعلامةٍ ظاهرة؛ فكل مصيبة حدَثت بعد ذنوبٍ ظاهرةٍ يجَاهرُ بها، فهي عقوبة على صاحبها، وإن حدَث بلاءٌ على العبدِ وهو في حال محافظةٍ على العبادات، وتوبةٍ وإنابة، فهي ليست بعقوبةٍ؛ بل بلاء تمحيصٍ ورفعةٍ.

واجتيازُ الابتلاء بنجاحٍ هو طريقُ للإمامة والتمكين، بينما الفشَل فيه عقوبتُه الحرمان!
قال الله تعالى: {وإذ ابتلى إبراهيمَ ربُّه بكلماتٍ فأتمّهن قال إني جاعلُك للناسِ إماماً ..
ومن معالمِ الابتلاءِ أنّه سنةٌ إلهيةٌ، قال الله: {أحسب الناسُ أن يتركوا أن يقولوا آمنّا وهم لا يُفتنون}، {ولقد فتنّا الذين من قبلهم فليعلمنّ اللهُ الذين صدقوا وليعلمنّ الكاذبين}. 

ومن مناهجِ الابتلاء، اختبارُ الثّبات على الإيمان، قال الله: {هنالك ابتُلي المؤمنون وزلزلوا زلزالاً شديدًا}.
ومن أحواله: ابتلاء زيادةِ الإيمان، قال الله: {إنّ هذا لهو البلاءُ المُبين}.

الابتلاء كما يكون بالشرّ يكون بالخير، والمقصود أن الله يعطيك نعمًا فينظر كيف تعمل، هل تشكر أم تكفر؛ قال الله: {ونبلوكم بالشرّ والخير فتنةً}، وقال الله عن سليمان: {هذا من فضلِ ربّي أأشكرُ أم أكفر}، وقال تعالى: {وبلوناهم بالحسناتِ والسيئات لعلهم يرجعون}.

ونماذج البلاء في القرآن كثيرة جدًا؛ يكفيك قراءة ظاهرة للتعرّف عليها؛ فتسلك سبيل من شكرَ وآمن، وتباعد نفسك عن سبيل من جحَد وكفر.
وقد يبتليك اللهُ بحالٍ ترى أنها شرٌّ وقطيعة؛ فإذا في باطنها الخيرُ كله، وسعادة العبد!
قال الله: {وكذلك مكنّا ليوسف في الأرضِ ولنعلّمه من تأويلِ الأحاديث، واللهُ غالبٌ على أمره ولكنّ أكثر الناس لا يعلمون}، وقد فقِه ذلك يوسف حين قال: {إنّ ربي لطيفٌ لما يشاءُ إنه هو العزيزُ الحكيم}.

وهاهنا وقفةٌ يجب تروّي النظر فيها، وامتلاء القلب بها؛ وهي أن أكثر الطرقِ يوجد فيها البلاء،  طريق الدعوةِ إلى الله والنصرةِ لدينه؛ والصابر فيها خير الصابرين فإنه لا أفضل من الصبر على الأذى في سبيل الله.
وصورُه كما نطق بها القرآن، الاستهزاء والسخرية، قال الله: {وإذا رآك الذين كفروا إن يتخذوك إلا هزُوا..}.
ومن صور البلاءات نشر الدعايات الفاسدة والاتّهام بالكذب، وتشويه صورهم، قال الله: {بل قالوا أضغاثُ أحلام، بل افتراهُ، بل هو شاعر..}، وقال الله: {وقال الكافرون هذا ساحر كذاب}.

ومن أساليب النكاية وابتلاء أهل الدعوة والبصيرة، التهديد بالتعذيب والجلد، قال الله: {قالوا لئن لم تنتهِ يا نوحُ لتكوننّ من المرجومين}، وقال تعالى: {قالوا يا شعيب ما نفقهُ كثيرًا مما تقول، وإنّا لنراكَ فينا ضعيفًا ولولا رهطُك لرجمناك}.

وإذا ضعُف أهل الباطل عن البيان والبرهان، وهم على هذه الحال دائمًا؛ فإن الباطل لا حقيقة له ولا دليل عليه، استماتوا في التعذيب، والتهديد بالقتل والتنكيل، قال الله: {وقال فرعون ذروني أقتل موسى، وليدعُ ربه، إني أخاف أن يبدل دينكم أو أن يظهر في الأرضِ الفساد}، لقد أوهمهم بأنه حريص على إصلاحهم! وأبان عن خوفه من فتنة تبديل دينهم! 

ومن فقه القرآن أن تعلمَ أن الله يبتلي عباده؛ ليظهر في أنفسهم القوة! والصدق! والتعلّق به وحده!
قال الله: {وليبتلي الله ما في صدوركم، وليمحّص ما قلوبكم}، وقال: {ما كان اللهُ ليذرَ المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميزَ الخبيثَ من الطيّب}.

ومن نظَر في بلاءات الأنبياء في سورة الأنبياء علم ذلك يقينًا؛ وأن المخرج من البلاء حسن التعامل معه؛ فالبراءةُ من الحول، والتمتّع بالقوة والتحمّل؛ وإظهار صدق القلب مع الله، ودعاء الله رغبةً ورهبةً، كل هؤلاء توصّل إلى نجاحك أيّها المؤمن، فكن عبدَ الله القوي الأمين الصادق، ولا تكن خوارًا فتموت في بلاءك ويهزمك الشيطان؛ فتكون من الخاسرين!

____________________________________________
الكاتب: ماجد السُّلمي

  • 0
  • 0
  • 34

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً