حكم من حُبِسَ عليه بعض الماشية

منذ 2006-12-09
السؤال: ما حكم من حبس عليه بعض الماشية وبعد فترة أراد رده فقال المحبس هو لك ملكاً من هذا الوقت والحبس كان معقباً يورث كالملك، وله ذكوره وكبار السن منه وأشباه ذلك بشرط الفصل وأن لا يقضيها؟
الإجابة: إن الإنسان إذا أخرج جزءاً من ماله على أنه وقف فينبغي أن يحافظ عليه على وقفيته وأن يترك ذلك الوقف مستمراً في الأعقاب، فإن النبي صلى الله عليه وسلم حين استأذنه عمر بن الخطاب فقال: يا رسول الله إن نصيبي من خيبر هو أحب مال تأثلته إلي، فأمرني بوجه أصرفه فيه، فقال: "إن شئت حبست أصلها وسبلت ثمرتها لا تباع ولا توهب ولا تورث"، فسبلها عمر بن الخطاب فكانت أول وقف اشتهر في الإسلام، وهذا الوقف أجره عظيم جداً، وهو الصدقة الجارية التي تبقى مستمرة بعد موت الإنسان من عمله، فقد أخرج مسلم في الصحيح من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا مات بن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعوا له، أو صدقة جارية".

فلذلك علينا جميعاً أن نحرص على الأوقاف، وقد وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم، ووقف أصحابه من بعده، وهذا الوقف الأصل فيه وأفضله ما كان عقاراً فهو المستمر الذي لا انقطاع فيه، إذا استطاع الإنسان أن يقف عقاراً فهذا أفضل الوقف، وهو مستمر ينتفع الناس به الدهور المتتالية، ووقف المنقول جائز أيضاً عند الجمهور وهذا مذهب مالك والشافعي وأحمد، وقد ذهب أبو حنيفة رحمه الله إلى أن الوقف لا يكون إلا للعقار، وقد رد عليه مالك رحمه الله حين بلغه ذلك فقال: "لو أتانا لأريناه أوقاف السلف داثرة"، ويقصد بذلك ما كان في المدينة من أوقاف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأمور المنقولة، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "أما خالد فإنكم تظلمون خالداً: فإن خالداً قد وقف أدراعه وخيله في سبيل الله"، وعلى هذا فوقف المنقول صحيح على الراجح الذي هو مذهب جمهور أهل العلم، لكن الأفضل جعل الوقف عقاراً.

ومن هنا فأنا أرى أنه في أرضنا هذه التي يكثر فيها الجفاف ويقل فيها أن يجد الإنسان فراغاً للعناية بالبهائم والمواشي، فمن الأفضل لمن وُقِفَ عليه حيوان أن يبيعه فيجعله في عقار رائج في مكان مأمون في مدينة من المدن فذلك أولى لاستمراره وعدم انقطاعه، وعموماً إذا كان الواقف حياً فله الحق في الرجوع عن ذلك، فذلك من القرب التي يصح الرجوع فيها، والمالكية والشافعية يرون أن المندوب لا يلزم بالشروع، إذا كان وقفاً فالوقف والطهارة لا يلزمان بالشروع، وما سوى ذلك من النوافل عند المالكية والحنفية يلزم بالشروع فقد نظم علي الأجهوري الفرق فقال:

طواف عكوف بالشروع تحتما

صلاة وصوم ثم حج وعمرة

فمن شاء فليقطع ومن شاء تمما

وفي غيرها كالطهر والوقف خُيّرا

فيحل للواقف تبتيل وقفه أي تمليكه، لكن الأفضل له الإبقاء عليه وقفاً، فإن رده عليه الموقوف عليه وبالأخص إذا كان معقباً فالنصيحة أن يبيعه وأن يشتري به عقاراً، وأن يترك ذلك العقار مستمراً وقفاً، وإذا كان ثمن الحيوان لا يصل إلى ثمن العقار فلا مانع من اشتراك عدد من الناس في عقار مشترك من الأوقاف ويكون ذلك العقار وقفاً ريعه على المساكين أو على الموقوف عليهم ويستمر الدهور المتتالية.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

نقلاً عن موقع فضيلة الشيخ الددو على شبكة الإنترنت.

محمد الحسن الددو الشنقيطي

أحد الوجوه البارزة للتيار الإسلامي وأحد أبرز العلماء الشبان في موريتانيا و مدير المركز العلمي في نواكشوط.

  • 1
  • 0
  • 8,470

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً