فصل: قول الخوارج الذين يكفرون بمطلق الذنوب ويخلدون في النار
منذ 2007-01-04
الإجابة: فصــل:
فهذان القولان قول الخوارج الذين يكفرون بمطلق الذنوب، ويخلدون في النار، وقول من يخلدهم في النار ويجزم بأن الله لا يغفر لهم إلا بالتوبة، ويقول: ليس معهم من الإيمان شيء لم يذهب إليهما أحد من أئمة الدين أهل الفقه والحديث، بل هما من الأقوال المشهورة عن أهل البدع.
وكذلك قول من وقف في أهل الكبائر من غلاة المرجئة وقال: لا أعلم أن أحداً منهم يدخل النار، وهو أيضاً من الأقوال المبتدعة، بل السلف والأئمة متفقون على ما تواترت به النصوص من أنه لابد أن يدخل النار قوم من أهل القبلة، ثم يخرجون منها.
وأما من جزم بأنه لا يدخل النار أحد من أهل القبلة فهذا لا نعرفه قولاً لأحد.
وبعده قول من يقول: ما ثم عذاب أصلا، وإنما هو تخويف لا حقيقة له، وهذا من أقوال الملاحدة والكفار.
وربما احتج بعضهم بقوله: {ذَلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ} [الزمر:16]، فيقال لهذا: التخويف إنما يكون تخويفاً إذا كان هناك مخوف يمكن وقوعه بالمخوف، فإن لم يكن هناك ما يمكن وقوعه امتنع التخويف، لكن يكون حاصله إيهام الخائفين بما لا حقيقة له، كما توهم الصبي الصغير، ومعلوم أن مثل هذا لا يحصل به تخويف للعقلاء المميزين، لأنهم إذا علموا أنه ليس هناك شيء مخوف زال الخوف، وهذا شبيه بما تقول الملاحدة المتفلسفة والقرامطة ونحوهم: من أن الرسل صلوات الله وسلامه عليهم خاطبوا الناس بإظهار أمور من الوعد والوعيد لا حقيقة لها في الباطن، وإنما هي أمثال مضروبة لتفهم حال النفس بعد المفارقة، وما أظهروه لهم من الوعد والوعيد وإن كان لا حقيقة له فإنما يعقل لمصلحتهم في الدنيا، إذ كان لا يمكن تقويمهم إلا بهذه الطريقة.
وهذا القول مع أنه معلوم الفساد بالضرورة من دين الرسل، فلو كان الأمر كذلك لكان خواص الرسل الأذكياء يعلمون ذلك، وإذا علموه زالت محافظتهم على الأمر والنهي، كما يصيب خواص ملاحدة المتفلسفة والقرامطة، من الإسماعيلية والنصيرية ونحوهم.
فإن البارع منهم في العلم والمعرفة يزول عنه عندهم الأمر والنهي، وتباح له المحظورات، وتسقط عنه الواجبات، فتظهر أضغانهم، وتنكشف أسرارهم، ويعرف عموم الناس حقيقة دينهم الباطن، حتى سموهم باطنية؛ لإبطانهم خلاف ما يظهرون، فلو كان والعياذ بالله دين الرسل كذلك لكان خواصه قد عرفوه، وأظهروا باطنه، وكان عند أهل المعرفة والتحقيق من جنس دين الباطنية، ومن المعلوم بالاضطرار أن الصحابة الذين كانوا أعلم الناس بباطن الرسول وظاهره، وأخبر الناس بمقاصده ومراداته، كانوا أعظم الأمة لزوماً لطاعة أمره سراً وعلانية ومحافظة على ذلك إلى الموت، وكل من كان منهم إليه وبه أخص وبباطنه أعلم كأبي بكر وعمر كانوا أعظمهم لزوماً للطاعة سرَّا وعلانية، ومحافظة على أداء الواجب، واجتناب المحرم، باطناً وظاهراً، وقد أشبه هؤلاء في بعض الأمور ملاحدة المتصوفة، الذين يجعلون فعل المأمور وترك المحظور واجباً على السالك حتى يصير عارفاً محققاً في زعمهم، وحينئذ يسقط عنه التكليف، ويتأولون على ذلك قوله تعالى:{وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} [الحجر:99]، زاعمين أن اليقين هو ما يدعونه من المعرفة، واليقين هنا الموت وما بعده، كما قال تعالى عن أهل النار: {وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ فَمَا تَنفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ} [المدثر: 45: 48].
قال الحسن البصري: إن الله لم يجعل لعباده المؤمنين أجلاً دون الموت، وتلا هذه الآية.
ومنه قوله صلى الله عليه وسلم لما توفى عثمان بن مظعون .
وهؤلاء قد يشهدون القَدَر أولاً، وهي الحقيقة الكونية، ويظنون أن غاية العارف أن يشهد القدر، ويفنى عن هذا الشهود، وذلك المشهد لا تمييز فيه بين المأمور والمحظور، ومحبوبات الله ومكروهاته وأوليائه وأعدائه.
وقد يقول أحدهم: العارف شهد أولا الطاعة والمعصية، ثم شهد طاعة بلا معصية يريد بذلك طاعة القدر كقول بعض شيوخهم: أنا كافر برب يعصى، وقيل له عن بعض الظالمين: هذا ماله حرام فقال: إن كان عصى الأمر، فقد أطاع الإرادة.
ثم ينتقلون إلى المشهد الثالث: لا طاعة ولا معصية، و هو مشهد أهل الوحدة القائلين بوحدة الوجود، وهذا غاية إلحاد المبتدعة جهمية الصوفية، كما أن القرمطة آخر إلحاد الشيعة، وكلا الإلحادين يتقاربان.
وفيها من الكفر ما ليس في دين اليهود والنصارى ومشركي العرب.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى - المجلد السابع.
فهذان القولان قول الخوارج الذين يكفرون بمطلق الذنوب، ويخلدون في النار، وقول من يخلدهم في النار ويجزم بأن الله لا يغفر لهم إلا بالتوبة، ويقول: ليس معهم من الإيمان شيء لم يذهب إليهما أحد من أئمة الدين أهل الفقه والحديث، بل هما من الأقوال المشهورة عن أهل البدع.
وكذلك قول من وقف في أهل الكبائر من غلاة المرجئة وقال: لا أعلم أن أحداً منهم يدخل النار، وهو أيضاً من الأقوال المبتدعة، بل السلف والأئمة متفقون على ما تواترت به النصوص من أنه لابد أن يدخل النار قوم من أهل القبلة، ثم يخرجون منها.
وأما من جزم بأنه لا يدخل النار أحد من أهل القبلة فهذا لا نعرفه قولاً لأحد.
وبعده قول من يقول: ما ثم عذاب أصلا، وإنما هو تخويف لا حقيقة له، وهذا من أقوال الملاحدة والكفار.
وربما احتج بعضهم بقوله: {ذَلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ} [الزمر:16]، فيقال لهذا: التخويف إنما يكون تخويفاً إذا كان هناك مخوف يمكن وقوعه بالمخوف، فإن لم يكن هناك ما يمكن وقوعه امتنع التخويف، لكن يكون حاصله إيهام الخائفين بما لا حقيقة له، كما توهم الصبي الصغير، ومعلوم أن مثل هذا لا يحصل به تخويف للعقلاء المميزين، لأنهم إذا علموا أنه ليس هناك شيء مخوف زال الخوف، وهذا شبيه بما تقول الملاحدة المتفلسفة والقرامطة ونحوهم: من أن الرسل صلوات الله وسلامه عليهم خاطبوا الناس بإظهار أمور من الوعد والوعيد لا حقيقة لها في الباطن، وإنما هي أمثال مضروبة لتفهم حال النفس بعد المفارقة، وما أظهروه لهم من الوعد والوعيد وإن كان لا حقيقة له فإنما يعقل لمصلحتهم في الدنيا، إذ كان لا يمكن تقويمهم إلا بهذه الطريقة.
وهذا القول مع أنه معلوم الفساد بالضرورة من دين الرسل، فلو كان الأمر كذلك لكان خواص الرسل الأذكياء يعلمون ذلك، وإذا علموه زالت محافظتهم على الأمر والنهي، كما يصيب خواص ملاحدة المتفلسفة والقرامطة، من الإسماعيلية والنصيرية ونحوهم.
فإن البارع منهم في العلم والمعرفة يزول عنه عندهم الأمر والنهي، وتباح له المحظورات، وتسقط عنه الواجبات، فتظهر أضغانهم، وتنكشف أسرارهم، ويعرف عموم الناس حقيقة دينهم الباطن، حتى سموهم باطنية؛ لإبطانهم خلاف ما يظهرون، فلو كان والعياذ بالله دين الرسل كذلك لكان خواصه قد عرفوه، وأظهروا باطنه، وكان عند أهل المعرفة والتحقيق من جنس دين الباطنية، ومن المعلوم بالاضطرار أن الصحابة الذين كانوا أعلم الناس بباطن الرسول وظاهره، وأخبر الناس بمقاصده ومراداته، كانوا أعظم الأمة لزوماً لطاعة أمره سراً وعلانية ومحافظة على ذلك إلى الموت، وكل من كان منهم إليه وبه أخص وبباطنه أعلم كأبي بكر وعمر كانوا أعظمهم لزوماً للطاعة سرَّا وعلانية، ومحافظة على أداء الواجب، واجتناب المحرم، باطناً وظاهراً، وقد أشبه هؤلاء في بعض الأمور ملاحدة المتصوفة، الذين يجعلون فعل المأمور وترك المحظور واجباً على السالك حتى يصير عارفاً محققاً في زعمهم، وحينئذ يسقط عنه التكليف، ويتأولون على ذلك قوله تعالى:{وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} [الحجر:99]، زاعمين أن اليقين هو ما يدعونه من المعرفة، واليقين هنا الموت وما بعده، كما قال تعالى عن أهل النار: {وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ فَمَا تَنفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ} [المدثر: 45: 48].
قال الحسن البصري: إن الله لم يجعل لعباده المؤمنين أجلاً دون الموت، وتلا هذه الآية.
ومنه قوله صلى الله عليه وسلم لما توفى عثمان بن مظعون .
وهؤلاء قد يشهدون القَدَر أولاً، وهي الحقيقة الكونية، ويظنون أن غاية العارف أن يشهد القدر، ويفنى عن هذا الشهود، وذلك المشهد لا تمييز فيه بين المأمور والمحظور، ومحبوبات الله ومكروهاته وأوليائه وأعدائه.
وقد يقول أحدهم: العارف شهد أولا الطاعة والمعصية، ثم شهد طاعة بلا معصية يريد بذلك طاعة القدر كقول بعض شيوخهم: أنا كافر برب يعصى، وقيل له عن بعض الظالمين: هذا ماله حرام فقال: إن كان عصى الأمر، فقد أطاع الإرادة.
ثم ينتقلون إلى المشهد الثالث: لا طاعة ولا معصية، و هو مشهد أهل الوحدة القائلين بوحدة الوجود، وهذا غاية إلحاد المبتدعة جهمية الصوفية، كما أن القرمطة آخر إلحاد الشيعة، وكلا الإلحادين يتقاربان.
وفيها من الكفر ما ليس في دين اليهود والنصارى ومشركي العرب.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى - المجلد السابع.
- التصنيف: