قولهم: كل ما يدل على أن ما به الاشتراك علة للحكم ظني
منذ 2007-06-14
السؤال: قولهم: كل ما يدل على أن ما به الاشتراك علة للحكم ظني
الإجابة: وأما قولهم: كل ما يدل على أن ما به الاشتراك علة للحكم ،
فظني.
فيقال: لا نسلم؛ فإن هذه دعوى كلية ولم تقيموا عليها دليلا.
ثم نقول: الذي يدل به على علية المشترك هو الذي يدل به على صدق القضية الكبرى، وكل ما يدل به على صدق الكبرى في قياس الشمول يدل به على علية المشترك في قياس التمثيل، سواء كان علمياً أو ظنياً؛ فإن الجامع المشترك في التمثيل، هو الحد الأوسط، ولزوم الحكم له هو لزوم الأكبر للأوسط، ولزوم الأوسط للأصغر هو لزوم الجامع المشترك للأصغر، وهو ثبوت العلة في الفرع.
فإذا كان الوصف المشترك، وهو المسمى بالجامع، والعلة أو دليل العلة أو المناط أو ما كان من الأسماء إذا كان ذلك الوصف ثابتاً في الفرع، لازماً له كان ذلك موجبا لصدق المقدمة الصغرى.
وإذا كان الحكم ثابتاً للوصف لازماً له، كان ذلك موجبا لصدق المقدمة الكبرى.
وذكر الأصل يتوصل به إلى إثبات إحدى المقدمتين، فإن كان القياس بإلغاء الفارق فلابد من الأصل المعين؛ فإن المشترك هو المساواة بينهما وتماثلهما، وهو إلغاء الفارق هو الحد الأوسط، وإن كان القياس بإبداء العلة، فقد يستغنى عن ذكر الأصل إذا كان الاستدلال على علية الوصف لا يفتقر إليه، وأما إذا احتاج إثبات علية الوصف إليه فيذكر الأصل؛ لأنه من تمام ما يدل على علية المشترك، وهو الحد الأكبر.
وهؤلاء الذين فرقوا بين قياس التمثيل وقياس الشمول أخذوا يظهرون كون أحدهما ظنياً في مواد معينة، وتلك المواد التي لا تفيد إلا الظن في قياس التمثيل، لا تفيد إلا الظن في قياس الشمول، و إلا فإذا أخذوه فيما يستفاد به اليقين من قياس الشمول، أفاد اليقين في قياس التمثيل أيضاً.
وكان ظهور اليقين به هناك أتم.
فإذا قيل في قياس الشمول: كل إنسان حيوان، وكل حيوان جسم فكل إنسان جسم، كان الحيوان هو الحد الأوسط وهو المشترك في قياس التمثيل، بأن يقال: الإنسان جسم، قياساً على الفرس وغيره من الحيوانات؛ فإن كون تلك الحيوانات حيواناً، هو مستلزم لكونها أجساماً.
وإذا نوزع في علية الحكم في الأصل، فقيل له: لا نسلم أن الحيوانية تستلزم الجسيمة، كان هذا نزاعاً في قوله: كل حيوان جسم.
وذلك أن المشترك بين الأصل والفرع، إذا سمى علة، فإنما يراد به ما يستلزم الحكم؛ سواء كان هو العلة الموجبة لوجوده في الخارج، أو كان مستلزما لذلك، ومن الناس من يسمى الجميع علة، لاسيما من يقول: إن العلة إنما يراد بها المعرف؛ وهو الأمارة والعلامة والدليل، لا يراد بها الباعث والداعي، ومن قال: إنه قد يراد بها الداعي وهو الباعث فإنه يقول ذلك في علل الأفعال.
وأما غير الأفعال فقد تفسر العلة فيها بالوصف المستلزم، كاستلزام الإنسانية للحيوانية، والحيوانية للجسمية، وإن لم يكن أحد الوصفين هو المؤثر في الآخر على أنا قد بينا في غير هذا الموضع، أن ما به يعلم كون الحيوان جسماً، يعلم أن الإنسان جسم، حيث بينا أن قياس الشمول الذي يذكرونه قليل الفائدة أو عديمها؛ وأن ما به يعلم صدق الكبرى في العقليات، يعلم صدق أفرادها التي منها الصغرى، بل وبذلك يعلم صدق النتيجة.
ثم قال: وتناقضهم وفساد قولهم أكثر من أن يذكر.
والمقصود هنا الكلام على [المنطق]، وما ذكروه من البرهان، وأنهم يعظمون قياس الشمول، ويستخفون بقياس التمثيل ويزعمون أنه إنما يفيد الظن، و أن العلم لا يحصل إلا بذاك، وليس الأمر كذلك، بل هما في الحقيقة من جنس واحد، وقياس التمثيل الصحيح أولى بإفادة المطلوب علماً كان أو ظناً من مجرد قياس الشمول؛ ولهذا كان سائر العقلاء يستدلون بقياس التمثيل أكثر مما يستدلون بقياس الشمول، بل لا يصح قياس الشمول في الأمر العام إلا بتوسط قياس التمثيل، وكل ما يحتج به على صحة قياس الشمول في بعض الصور، فإنه يحتج به على صحة قياس التمثيل في تلك الصور.
ومثلنا هذا بقولهم: الواحد لا يصدر عنه إلا واحد، فإنه من أشهر أقوالهم الفاسدة الإلهية.
وأما الأقوال الصحيحة، فهذا أيضاً ظاهر فيها، فإن قياس الشمول لابد فيه من قضية كلية موجبة، فلا نتاج عن سالبتين ولا عن جزئيتين باتفاقهم.
والكلى لا يكون كلياً إلا في الذهن، فإذا عرف تحقق بعض أفراده في الخارج، كان ذلك مما يعين على العلم بكونه كلياً موجباً، فإنه إذا أحس الإنسان ببعض الأفراد الخارجية، انتزع منه وصفاً كلياً، لا سيما إذا كثرت أفراده، والعلم بثبوت الوصف المشترك لأصل في الخارج هو أصل العلم بالقضية الكلية.
وحينئذ، فالقياس التمثيلي أصل للقياس الشمولي، إما أن يكون سبباً في حصوله، وإما أن يقال: لا يوجد بدونه، فكيف يكون وحده أقوى منه، وهؤلاء يمثلون الكليات بمثل قول القائل: الكل أعظم من الجزء، والنقيضان لا يجتمعان ولا يرتفعان، والأشياء المساوية لشيء واحد متساوية ونحو ذلك.
وما من كلي من هذه الكليات إلا وقد علم من أفراده الخارجة أمور كثيرة، وإذا أريد تحقيق هذه الكلية في النفس ضرب لها المثل بفرد من أفرادها.
وبين انتفاء الفارق بينه وبين غيره أو ثبوت الجامع وحينئذ يحكم العقل بثبوت الحكم لذلك المشترك الكلي، وهذا حقيقة قياس التمثيل.
ولو قدرنا أن قياس الشمول لا يفتقر إلى التمثيل، وأن العلم بالقضايا الكلية لا يفتقر إلى العلم بمعين أصلا، فلا يمكن أن يقال: إذا علم الكلي مع العلم بثبوت بعض أفراده في الخارج، كان أنقص من أن يعلمه بدون العلم بذلك المعين؛ فإن العلم بالمعين ما زاده إلا كمالا، فتبين أن ما نفوه من صورة القياس أكمل مما أثبتوه.
واعلم أنهم في [المنطق الإلهي] بل و [الطبيعي] غيروا بعض ما ذكره أرسطو، لكن ما زادوه في الإلهي هو خير من كلام أرسطو، فإني قد رأيت الكلامين.
وأرسطو وأتباعه في الإلهيات أجهل من اليهود والنصارى بكثير كثير، وأما في الطبيعيات فغالب كلامه جيد، وأما المنطق فكلامه فيه خير من كلامه في الإلهي.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى - الجزء التاسع.
فيقال: لا نسلم؛ فإن هذه دعوى كلية ولم تقيموا عليها دليلا.
ثم نقول: الذي يدل به على علية المشترك هو الذي يدل به على صدق القضية الكبرى، وكل ما يدل به على صدق الكبرى في قياس الشمول يدل به على علية المشترك في قياس التمثيل، سواء كان علمياً أو ظنياً؛ فإن الجامع المشترك في التمثيل، هو الحد الأوسط، ولزوم الحكم له هو لزوم الأكبر للأوسط، ولزوم الأوسط للأصغر هو لزوم الجامع المشترك للأصغر، وهو ثبوت العلة في الفرع.
فإذا كان الوصف المشترك، وهو المسمى بالجامع، والعلة أو دليل العلة أو المناط أو ما كان من الأسماء إذا كان ذلك الوصف ثابتاً في الفرع، لازماً له كان ذلك موجبا لصدق المقدمة الصغرى.
وإذا كان الحكم ثابتاً للوصف لازماً له، كان ذلك موجبا لصدق المقدمة الكبرى.
وذكر الأصل يتوصل به إلى إثبات إحدى المقدمتين، فإن كان القياس بإلغاء الفارق فلابد من الأصل المعين؛ فإن المشترك هو المساواة بينهما وتماثلهما، وهو إلغاء الفارق هو الحد الأوسط، وإن كان القياس بإبداء العلة، فقد يستغنى عن ذكر الأصل إذا كان الاستدلال على علية الوصف لا يفتقر إليه، وأما إذا احتاج إثبات علية الوصف إليه فيذكر الأصل؛ لأنه من تمام ما يدل على علية المشترك، وهو الحد الأكبر.
وهؤلاء الذين فرقوا بين قياس التمثيل وقياس الشمول أخذوا يظهرون كون أحدهما ظنياً في مواد معينة، وتلك المواد التي لا تفيد إلا الظن في قياس التمثيل، لا تفيد إلا الظن في قياس الشمول، و إلا فإذا أخذوه فيما يستفاد به اليقين من قياس الشمول، أفاد اليقين في قياس التمثيل أيضاً.
وكان ظهور اليقين به هناك أتم.
فإذا قيل في قياس الشمول: كل إنسان حيوان، وكل حيوان جسم فكل إنسان جسم، كان الحيوان هو الحد الأوسط وهو المشترك في قياس التمثيل، بأن يقال: الإنسان جسم، قياساً على الفرس وغيره من الحيوانات؛ فإن كون تلك الحيوانات حيواناً، هو مستلزم لكونها أجساماً.
وإذا نوزع في علية الحكم في الأصل، فقيل له: لا نسلم أن الحيوانية تستلزم الجسيمة، كان هذا نزاعاً في قوله: كل حيوان جسم.
وذلك أن المشترك بين الأصل والفرع، إذا سمى علة، فإنما يراد به ما يستلزم الحكم؛ سواء كان هو العلة الموجبة لوجوده في الخارج، أو كان مستلزما لذلك، ومن الناس من يسمى الجميع علة، لاسيما من يقول: إن العلة إنما يراد بها المعرف؛ وهو الأمارة والعلامة والدليل، لا يراد بها الباعث والداعي، ومن قال: إنه قد يراد بها الداعي وهو الباعث فإنه يقول ذلك في علل الأفعال.
وأما غير الأفعال فقد تفسر العلة فيها بالوصف المستلزم، كاستلزام الإنسانية للحيوانية، والحيوانية للجسمية، وإن لم يكن أحد الوصفين هو المؤثر في الآخر على أنا قد بينا في غير هذا الموضع، أن ما به يعلم كون الحيوان جسماً، يعلم أن الإنسان جسم، حيث بينا أن قياس الشمول الذي يذكرونه قليل الفائدة أو عديمها؛ وأن ما به يعلم صدق الكبرى في العقليات، يعلم صدق أفرادها التي منها الصغرى، بل وبذلك يعلم صدق النتيجة.
ثم قال: وتناقضهم وفساد قولهم أكثر من أن يذكر.
والمقصود هنا الكلام على [المنطق]، وما ذكروه من البرهان، وأنهم يعظمون قياس الشمول، ويستخفون بقياس التمثيل ويزعمون أنه إنما يفيد الظن، و أن العلم لا يحصل إلا بذاك، وليس الأمر كذلك، بل هما في الحقيقة من جنس واحد، وقياس التمثيل الصحيح أولى بإفادة المطلوب علماً كان أو ظناً من مجرد قياس الشمول؛ ولهذا كان سائر العقلاء يستدلون بقياس التمثيل أكثر مما يستدلون بقياس الشمول، بل لا يصح قياس الشمول في الأمر العام إلا بتوسط قياس التمثيل، وكل ما يحتج به على صحة قياس الشمول في بعض الصور، فإنه يحتج به على صحة قياس التمثيل في تلك الصور.
ومثلنا هذا بقولهم: الواحد لا يصدر عنه إلا واحد، فإنه من أشهر أقوالهم الفاسدة الإلهية.
وأما الأقوال الصحيحة، فهذا أيضاً ظاهر فيها، فإن قياس الشمول لابد فيه من قضية كلية موجبة، فلا نتاج عن سالبتين ولا عن جزئيتين باتفاقهم.
والكلى لا يكون كلياً إلا في الذهن، فإذا عرف تحقق بعض أفراده في الخارج، كان ذلك مما يعين على العلم بكونه كلياً موجباً، فإنه إذا أحس الإنسان ببعض الأفراد الخارجية، انتزع منه وصفاً كلياً، لا سيما إذا كثرت أفراده، والعلم بثبوت الوصف المشترك لأصل في الخارج هو أصل العلم بالقضية الكلية.
وحينئذ، فالقياس التمثيلي أصل للقياس الشمولي، إما أن يكون سبباً في حصوله، وإما أن يقال: لا يوجد بدونه، فكيف يكون وحده أقوى منه، وهؤلاء يمثلون الكليات بمثل قول القائل: الكل أعظم من الجزء، والنقيضان لا يجتمعان ولا يرتفعان، والأشياء المساوية لشيء واحد متساوية ونحو ذلك.
وما من كلي من هذه الكليات إلا وقد علم من أفراده الخارجة أمور كثيرة، وإذا أريد تحقيق هذه الكلية في النفس ضرب لها المثل بفرد من أفرادها.
وبين انتفاء الفارق بينه وبين غيره أو ثبوت الجامع وحينئذ يحكم العقل بثبوت الحكم لذلك المشترك الكلي، وهذا حقيقة قياس التمثيل.
ولو قدرنا أن قياس الشمول لا يفتقر إلى التمثيل، وأن العلم بالقضايا الكلية لا يفتقر إلى العلم بمعين أصلا، فلا يمكن أن يقال: إذا علم الكلي مع العلم بثبوت بعض أفراده في الخارج، كان أنقص من أن يعلمه بدون العلم بذلك المعين؛ فإن العلم بالمعين ما زاده إلا كمالا، فتبين أن ما نفوه من صورة القياس أكمل مما أثبتوه.
واعلم أنهم في [المنطق الإلهي] بل و [الطبيعي] غيروا بعض ما ذكره أرسطو، لكن ما زادوه في الإلهي هو خير من كلام أرسطو، فإني قد رأيت الكلامين.
وأرسطو وأتباعه في الإلهيات أجهل من اليهود والنصارى بكثير كثير، وأما في الطبيعيات فغالب كلامه جيد، وأما المنطق فكلامه فيه خير من كلامه في الإلهي.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى - الجزء التاسع.
- التصنيف: