من مستلزمات العقل والبلوغ
منذ 2007-09-11
السؤال: من مستلزمات العقل والبلوغ
الإجابة: وقــال الشيخ:
الحمد للّه رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا اللّه وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد:
اعلم أنه يجب على كل بالغ عاقل من الإنس والجن، أن يشهد أن لا إله إلا اللّه، وأن محمدًا عبده ورسوله، أرسله بالهدى ودين الحق، ليظهره على الدين كله وكفى باللّه شهيدًا.
أرسله إلى جميع الخلق، إنسهم وجنهم، وعربهم وعجمهم، وفرسهم وهندهم، وبربرهم ورومهم، وسائر أصناف العجم أسودهم، وأبيضهم، والمراد بالعجم من ليس بعربي على اختلاف ألسنتهم.
فمحمد صلى الله عليه وسلم أرسل إلى كل أحد، من الإنس والجن كتابيهم وغير كتابيهم، في كل ما يتعلق بدينه من الأمور الباطنة والظاهرة، في عقائده وحقائقه، وطرائقه وشرائعه، فلا عقيدة إلا عقيدته، ولا حقيقة إلا حقيقته، ولا طريقة إلا طريقته، ولا شريعة إلا شريعته، ولا يصل أحد من الخلق إلى اللّه، وإلى رضوانه وجنته وكرامته وولايته، إلا بمتابعته باطنًا وظاهرًا في الأقوال والأعمال الباطنة والظاهرة في أقوال القلب وعقائده، وأحوال القلب وحقائقه، وأقوال اللسان وأعمال الجوارح.
وليس للّه ولي إلا من اتبعه باطنًا، وظاهرًا، فصدقه فيما أخبر به من الغيوب، والتزم طاعته فيما فرض على الخلق من أداء الواجبات وترك المحرمات.
فمن لم يكن له مصدقًا فيما أخبر ملتزمًا طاعته فيما أوجب، وأمر به في الأمور الباطنة التي في القلوب والأعمال الظاهرة التي على الأبدان لم يكن مؤمنا فضلا عن أن يكون وليًا للّه ولو حصل له من خوارق العادات ماذا عسى أن يحصل، فإنه لا يكون مع تركه لفعل المأمور وترك المحظور من أداء الواجبات من الصلاة وغيرها بطهارتها وواجباتها إلا من أهل الأحوال الشيطانية، المبعدة لصاحبها عن اللّه، والمقربة إلى سخطه وعذابه.
لكن من ليس بمكلف من الأطفال والمجانين قد رفع القلم عنهم، فلا يعاقبون وليس لهم من الإيمان باللّه وتقواه باطنًا وظاهرًا ما يكونـون بـه من أولياء اللّه المتقين، وحزبه المفلحين وجنده الغالبين، لكن يدخلون في الإسلام تبعًا لآبائهم، كما قال تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ} [الطور: 21].
وهم مع عدم العقل لا يكونون ممن في قلوبهم حقائق الإيمان، ومعارف أهل ولاية اللّه وأحوال خواص اللّه؛ لأن هذه الأمور كلها مشروطة بالعقل، فالجنون مضاد العقل والتصديق والمعرفة واليقين والهدى والثناء، وإنما يرفع اللّه الذين آمنوا والذين أوتوا العلم درجات، فالمجنون وإن كان اللّه لا يعاقبه ويرحمه في الآخرة فإنه لا يكون من أولياء اللّه المقربين والمقتصدين الذين يرفع اللّه درجاتهم.
ومن ظن أن أحدًا من هؤلاء الذين لا يؤدون الواجبات ولا يتركون المحرمات، سواء كان عاقلًا، أو مجنونًا، أو مولها، أو متولهًا، فمن اعتقد أن أحدًا من هؤلاء من أولياء اللّه المتقين، وحزبه المفلحين، وعباده الصالحين وجنده الغالبين، السابقين، المقربين والمقتصدين الذين يرفع اللّه درجاتهم بالعلم والإيمان، مع كونه لا يؤدي الواجبات ولا يترك المحرمات، كان المعتقد لولاية مثل هذا كافرًا مرتدًا عن دين الإسلام، غير شاهد أن محمدًا رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، بل هو مكذب لمحمد صلى الله عليه وسلم فيما شهد به؛ لأن محمدًا أخبر عن اللّه، أن أولياء اللّه هم المتقون المؤمنون، قال تعالى: {أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ. الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ} [يونس: 62، 63]، وقال تعالي: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات: 13].
والتقوى أن يعمل الرجل بطاعة اللّه، على نور من اللّه، يرجو رحمة اللّه، وأن يترك معصية اللّه، على نور من اللّه، يخاف عذاب اللّه، ولا يتقرب ولي اللّه إلا بأداء فرائضه، ثم بأداء نوافله.
قال تعالى كما جاء في الحديث الصحيح الإلهي الذي رواه البخاري.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى - الجزء العاشر.
الحمد للّه رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا اللّه وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد:
اعلم أنه يجب على كل بالغ عاقل من الإنس والجن، أن يشهد أن لا إله إلا اللّه، وأن محمدًا عبده ورسوله، أرسله بالهدى ودين الحق، ليظهره على الدين كله وكفى باللّه شهيدًا.
أرسله إلى جميع الخلق، إنسهم وجنهم، وعربهم وعجمهم، وفرسهم وهندهم، وبربرهم ورومهم، وسائر أصناف العجم أسودهم، وأبيضهم، والمراد بالعجم من ليس بعربي على اختلاف ألسنتهم.
فمحمد صلى الله عليه وسلم أرسل إلى كل أحد، من الإنس والجن كتابيهم وغير كتابيهم، في كل ما يتعلق بدينه من الأمور الباطنة والظاهرة، في عقائده وحقائقه، وطرائقه وشرائعه، فلا عقيدة إلا عقيدته، ولا حقيقة إلا حقيقته، ولا طريقة إلا طريقته، ولا شريعة إلا شريعته، ولا يصل أحد من الخلق إلى اللّه، وإلى رضوانه وجنته وكرامته وولايته، إلا بمتابعته باطنًا وظاهرًا في الأقوال والأعمال الباطنة والظاهرة في أقوال القلب وعقائده، وأحوال القلب وحقائقه، وأقوال اللسان وأعمال الجوارح.
وليس للّه ولي إلا من اتبعه باطنًا، وظاهرًا، فصدقه فيما أخبر به من الغيوب، والتزم طاعته فيما فرض على الخلق من أداء الواجبات وترك المحرمات.
فمن لم يكن له مصدقًا فيما أخبر ملتزمًا طاعته فيما أوجب، وأمر به في الأمور الباطنة التي في القلوب والأعمال الظاهرة التي على الأبدان لم يكن مؤمنا فضلا عن أن يكون وليًا للّه ولو حصل له من خوارق العادات ماذا عسى أن يحصل، فإنه لا يكون مع تركه لفعل المأمور وترك المحظور من أداء الواجبات من الصلاة وغيرها بطهارتها وواجباتها إلا من أهل الأحوال الشيطانية، المبعدة لصاحبها عن اللّه، والمقربة إلى سخطه وعذابه.
لكن من ليس بمكلف من الأطفال والمجانين قد رفع القلم عنهم، فلا يعاقبون وليس لهم من الإيمان باللّه وتقواه باطنًا وظاهرًا ما يكونـون بـه من أولياء اللّه المتقين، وحزبه المفلحين وجنده الغالبين، لكن يدخلون في الإسلام تبعًا لآبائهم، كما قال تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ} [الطور: 21].
وهم مع عدم العقل لا يكونون ممن في قلوبهم حقائق الإيمان، ومعارف أهل ولاية اللّه وأحوال خواص اللّه؛ لأن هذه الأمور كلها مشروطة بالعقل، فالجنون مضاد العقل والتصديق والمعرفة واليقين والهدى والثناء، وإنما يرفع اللّه الذين آمنوا والذين أوتوا العلم درجات، فالمجنون وإن كان اللّه لا يعاقبه ويرحمه في الآخرة فإنه لا يكون من أولياء اللّه المقربين والمقتصدين الذين يرفع اللّه درجاتهم.
ومن ظن أن أحدًا من هؤلاء الذين لا يؤدون الواجبات ولا يتركون المحرمات، سواء كان عاقلًا، أو مجنونًا، أو مولها، أو متولهًا، فمن اعتقد أن أحدًا من هؤلاء من أولياء اللّه المتقين، وحزبه المفلحين، وعباده الصالحين وجنده الغالبين، السابقين، المقربين والمقتصدين الذين يرفع اللّه درجاتهم بالعلم والإيمان، مع كونه لا يؤدي الواجبات ولا يترك المحرمات، كان المعتقد لولاية مثل هذا كافرًا مرتدًا عن دين الإسلام، غير شاهد أن محمدًا رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، بل هو مكذب لمحمد صلى الله عليه وسلم فيما شهد به؛ لأن محمدًا أخبر عن اللّه، أن أولياء اللّه هم المتقون المؤمنون، قال تعالى: {أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ. الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ} [يونس: 62، 63]، وقال تعالي: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات: 13].
والتقوى أن يعمل الرجل بطاعة اللّه، على نور من اللّه، يرجو رحمة اللّه، وأن يترك معصية اللّه، على نور من اللّه، يخاف عذاب اللّه، ولا يتقرب ولي اللّه إلا بأداء فرائضه، ثم بأداء نوافله.
قال تعالى كما جاء في الحديث الصحيح الإلهي الذي رواه البخاري.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى - الجزء العاشر.
- التصنيف: