رسالة في الدماء الطبيعية للنساء (1)

منذ 2008-09-13
السؤال: رسالة في الدماء الطبيعية للنساء
الإجابة: الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليماً، أما بعد:

فإن الدماء التي تصيب المرأة وهي الحيض، والاستحاضة، والنفاس، من الأمور المهمة التي تدعو الحاجة إلى بيانها ومعرفة أحكامها، وتمييز الخطأ من الصواب من أقوال أهل العلم فيها، وأن يكون الاعتماد فيها يرجح من ذلك أو يضعف على ضوء ما جاء في الكتاب والسنة:
1 - لأنهما المصدران الأساسيان اللذان تبنى عليهما أحكام الله تعالى التي تعبّد بها عباده وكلفهم بها.
2 - في الاعتماد على الكتاب والسنة طمأنينة القلب وانشراح الصدر وطيب النفس وبراءة الذمة.
3 - ما عداهما فإنما يحتج له ولا يحتج به، إذ لا حجة في كلام الله تعالى وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم وكذلك كلام أهل العلم من الصحابة على القول الراجح، بشرط ألا يكون في الكتاب والسنة ما يخالفه، وأن لا يعارضه قول صحابي آخر، فإن كان في الكتاب والسنة ما يخالفه وجب الأخذ بما في الكتاب والسنة، وإن عارضه قول صحابي آخر طلب الترجيح بين القولين، وأخذ بالراجح منهما، لقوله تعالى: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً}.
وهذه رسالة موجزة فيما تدعو الحاجة إليه من بيان هذه الدماء وأحكامها، وتشتمل على الفصول الآتية:

. الفصل الأول: في معنى الحيض وحكمته.
. الفصل الثاني: في زمن الحيض ومدته.
. الفصل الثالث: في الطوارئ على الحيض.
. الفصل الرابع: في أحكام الحيض.
. الفصل الخامس: في الاستحاضة وأحكامها.
. الفصل السادس: في النفاس وأحكامه.
. الفصل السابع: في استعمال ما يمنع الحيض أو يجلبه، وما يمنع الحمل أو يسقطه.

.. الفصل الأول ..

في معنى الحيض وحكمته

الحيض لغة: سيلان الشيء وجريانه.
وفي الشرع: دم يحدث للأنثى بمقتضى الطبيعة، بدون سبب، في أوقات معلومة.
فهو دم طبيعي ليس له سبب من مرض أو جرح أو سقوط أو ولادة. وبما أنه دم طبيعي فإنه يختلف بحسب حال الأنثى وبيئتها وجوها، ولذلك تختلف فيها النساء اختلافاً متبايناً ظاهراً.

والحكمة فيه أنه لما كان الجنين في بطن أمه لا يمكن أن يتغذى بما يتغذى به من كان خارج البطن، ولا يمكن لأرحم الخلق به أن يوصل إليه شيئاً من الغذاء، حينئذ جعل الله تعالى في الأنثى إفرازات دموية يتغذى بها الجنين في بطن أمه بدون حاجة إلى أكل وهضم تنفذ إلى جسمه عن طريق السرة حيث يتخلل الدم عروقه فيتغذى به، فتبارك الله أحسن الخالقين. فهذه هي الحكمة في هذا الحيض، ولذلك إذا حملت المرأة انقطع الحيض عنها، فلا تحيض إلا نادراً، وكذلك المراضع يقل من تحيض منهن لاسيما في أول زمن الإرضاع.

.. الفصل الثاني ..

في زمن الحيض ومدته
الكلام في هذا الفصل في مقامين:
- المقام الأول: في السن الذي يأتي فيه الحيض.
- المقام الثاني: في مدة الحيض.

المقام الأول: فالسن الذي يغلب فيه الحيض هو ما بين اثني عشرة سنة إلى خمسين سنة، وربما حاضت الأنثى قبل ذلك أو بعده بحسب حالها وبيئتها وجوها.

وقد اختلف العلماء رحمهم الله: هل للسن الذي يأتي فيه الحيض حد معين بحيث لا تحيض الأنثى قبله ولا بعده، وأن ما يأتيها قبله أو بعده فهو دم فساد لا حيض؟
اختلف العلماء في ذلك. قال الدرامي بعد أن ذكر الاختلافات: كل هذا عندي خطأ لأن المرجع في جميع ذلك إلى الوجود، فأي قدر وجد في أي حال وسن وجب جعله حيضاً، والله أعلم. (المجموع شرح المهذب 1: 386)

وهذا الذي قاله الدرامي هو الصواب، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية، فمتى رأت الأنثى الحيض فهي حائض وإن كانت دون تسع سنين أو فوق خمسين، وذلك لأن أحكام الحيض علقها الله ورسوله على وجوده، ولم يحدد الله ورسوله لذلك سناً معيناً، فوجب الرجوع فيه إلى الوجود الذي علقت الأحكام عليه، وتحديده بسن معين يحتاج إلى دليل من الكتاب أو السنة ولا دليل في ذلك.

المقام الثاني: وهو مدة الحيض أي مقدار زمنه.
فقد اختلف فيه العلماء اختلافاً كثيراً على نحو ستة أقوال أو سبعة. قال ابن المنذر: وقالت طائفة: "وليس لأقل الحيض ولا لأكثره حد بالأيام"، قلت: وهذا القول كقول الدارمي السابق وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية، وهو الصواب لأنه يدل عليه الكتاب والسنة والاعتبار.
فالدليل الأول قوله تعالى: {وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ} (سورة البقرة، الآية: 222)، فجعل الله غاية المنع هي الطهر، ولم يجعل الغاية مضي يوم وليلة ولا ثلاثة أيام ولا خمسة عشر يوماً، فدل هذا على أن على الحكم هي الحيض وجوداً وعدماً، فمتى وجد الحيض ثبت الحكم ومتى طهرت منه زالت أحكامه.
الدليل الثاني: ما ثبت في صحيح مسلم (ج 4 ص 30) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعائشة وقد حاضت وهي محرمة بالعمرة: "افعلي ما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت حتى تطهري"، قالت: فلما كان يوم النحر طهرت... (الحديث). وفي صحيح البخاري (3: 610 باب أجرة العمرة على قدر النصب) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها: "انتظري فإذا طهرت فاخرجي إلى التنعيم"، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم غاية المنع الطهر ولم يجعل الغاية زمناً معيناً، فدل هذا على أن الحكم يتعلق بالحيض وجوداً وعدماً.
الدليل الثالث: أن هذه التقديرات والتفصيلات التي ذكرها من ذكرها من الفقهاء في هذه المسألة ليست موجودة في كتاب الله تعالى ولا في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أن الحاجة بل الضرورة داعية إلى بيانها، فلو كانت مما يجب على العباد فهمه والتعبد لله به لبينها الله ورسوله، صلى الله عليه وسلم، بياناً ظاهراً لكل أحد، لأهمية الأحكام المترتبة على ذلك من الصلاة والصيام والنكاح والطلاق والإرث وغيرها من الأحكام، كما بين الله ورسوله عدد الصلوات وأوقاتها وركوعها وسجودها، والزكاة: أموالها وأنصباؤها ومقدارها ومصرفها، والصيام: مدته وزمنه، والحج وما دون ذلك، حتى آداب الأكل والشرب والنوع والجماع والجلوس ودخول البيت والخروج منه وآداب قضاء الحاجة، حتى عدد مسحات الاستجمار إلى غير ذلك من دقيق الأمور وجليلها، مما أكمل الله به الدين، وأتم به النعمة على المؤمنين، كما قال تعالى: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً ِكُلِّ شَيْءٍ} (سورة النحل، الآية: 89 )، وقال تعالى: {مَا كَانَ حَدِيثاً يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ} (سورة يوسف، الآية: 111 ).

فلما لم توجد هذه التقديرات والتفصيلات في كتاب الله تعالى ولا في سنة رسوله صلى الله عليه وسلم تبين أن لا تعويل عليها، وإنما التعويل على مسمى الحيض الذي علقت عليها الأحكام الشرعية وجوداً وعدماً، وهذا الدليل -أعنى أن عدم ذكر الحكم في الكتاب والسنة، دليل على عدم اعتباره- ينفعك في هذه المسألة وغيرها من مسائل العلم لأن الأحكام الشرعية لا تثبت إلا بدليل من الشرع من كتاب الله، أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، أو إجماع معلوم، أو قياس صحيح. قال شيخ الإسلام ابن تيمية في قاعدة له: "ومن ذلك اسم الحيض علق الله به أحكاماً متعددة في الكتاب والسنة، ولم يقدر لا أقله ولا أكثره، ولا الطهر بين الحيضتين مع عموم بلوى الأمة بذلك واحتياجهم إليه، واللغة لا تفرق بين قدر وقدر، فمن قدر في ذلك حداً فقد خالف الكتاب والسنة". انتهى كلامه (ص 35 من رسالة في الأسماء التي علق الشارع الأحكام بها ).
الدليل الرابع: الاعتبار أي القياس الصحيح المطرد، وذلك أن الله تعالى علل الحيض بكونه أذى، فمتى وجد الحيض فالأذى موجود، لا فرق بين اليوم الثاني واليوم الأول، ولا بين الرابع والثالث، ولا فرق بين اليوم السادس عشر والخامس عشر، ولا بين الثامن عشر والسابع عشر، فالحيض هو الحيض، والأذى هو الأذى.

فالعلة موجودة في اليومين على حد سواء، فكيف يصح التفريق في الحكم بين اليومين مع تساويهما في العلة؟! أليس هذا خلاف القياس الصحيح؟! أوليس القياس الصحيح تساوي اليومين في الحكم لتساويهما في العلة؟!
الدليل الخامس: اختلاف أقوال المحددين واضطرابها، فإن ذلك يدل على أن ليس في المسألة دليل يجب المصير إليه، وإنما هي أحكام اجتهادية معرضة للخطأ والصواب، ليس أحدهما أولى بالاتباع من الآخر، والمرجع عند النزاع إلى الكتاب والسنة.

فإذا تبين قوة القول إنه لا حد لأقل الحيض ولا لأكثره وإنه القول الراجح، فاعلم أن كل ما رأته المرأة من دم طبيعي ليس له سبب من جرح ونحوه فهو دم الحيض من غير تقدير بزمن أو سن إلا أن يكون مستمراً على المرأة لا ينقطع أبداً أو ينقطع مدة يسيرة كاليوم واليومين في الشهر، فيكون استحاضة، وسيأتي إن شاء الله تعالى بيان الاستحاضة وأحكامها.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "والأصل في كل ما يخرج من الرحم أنه حيض، حتى يقوم دليل على أنه استحاضة" (المصدر السابق ص 36 )، وقال أيضاً: "فما وقع من دم فهو حيض، إذا لم يعلم أنه دم عرق أو جرح".أ.هـ. (المصدر السابق ص 38 ).
وهذا القول كما أنه هو الراجح من حيث الدليل، فهو أيضاً أقرب فهماً وإدراكاً وأيسر عملاً وتطبيقاً، مما ذكره المحددون، وما كان كذلك فهو أولى بالقبول لموافقته لروح الدين الإسلامي وقاعدته، وهي اليسر والسهولة، قال الله تعالى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} (سورة الحج، الآية: 78 )، وقال صلى الله عليه وسلم: "إن الدين يسر، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه، فسددوا وقاربوا وأبشروا" (رواه البخاري)، وكان من أخلاقه صلى الله عليه وسلم، أنه ما خير بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثماً.

.. حيض الحامل ..

الغالب الكثير أن الأنثى إذا حملت انقطع الدم عنها، قال الإمام أحمد رحمه الله: "إنما تعرف النساء الحمل بانقطاع الدم"، إذا رأت الحامل الدم فإن كان قبل الوضع بزمن يسير كاليومين أو الثلاثة ومعه طلق فهو نفاس، وإن كان قبل الوضع بزمن كثير أو قبل الوضع بزمن يسير لكن ليس معه طلق فليس بنفاس، لكن هل يكون حيضاً تثبت له أحكام الحيض أو يكون دم فساد لا يحكم له بأحكام الحيض؟
في هذا خلاف بين أهل العلم.

والصواب أنه حيض إذا كان على الوجه المعتاد في حيضها لأن الأصل فيما يصيب المرأة من الدم أنه حيض، إذا لم يكن له سبب يمنه من كونه حيضاً، وليس في الكتاب والسنة ما يمنع حيض الحامل.
وهذا هو مذهب مالك والشافعي واختيار شيخ الإسلام ابن تيمية، قال في (الاختيارات ص 30): "وحكاه البيهقي رواية عن أحمد، بل حكى أنه رجع إليه".أ.هـ. وعلى هذا فيثبت لحيض الحامل ما يثبت لحيض غير الحامل إلا في مسألتين:

- المسألة الأولى: الطلاق، فيحرم طلاق من تلزمها عدة حال الحيض في غير الحامل، ولا يحرم في الحامل، لأن الطلاق في الحيض في غير الحامل مخالف لقوله تعالى: {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} (سورة الطلاق، الآية: 1 )، أما طلاق الحامل حال الحيض فلا يخالفه، لأن من طلق الحامل فقد طلقها لعدتها، سواء كانت حائضاً أم طاهراً، لأن عدتها بالحمل، ولذلك لا يحرم عليه طلاقها بعد الجماع بخلاف غيرها.

- المسألة الثانية: عدة الحامل لا تنقضي إلا بوضع الحمل، سواء كانت تحيض أم لا، لقوله تعالى: {وَأُولاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} (سورة الطلاق، الآية: 4 ).

.. الفصل الثالث ..

في الطوارئ على الحيض

الطوارئ على الحيض أنواع:
- النوع الأول: زيادة أو نقص، مثل أن تكون عادة المرأة ستة أيام، فيستمر بها الدم إلى سبعة، أو تكون عادتها في أول الشهر فتراه في آخره. وقد اختلف أهل العلم في حكم هذين النوعين، والصواب أنها متى رأت الدم فهي حائض ومتى طهرت منه فهي طاهر سواء زادت عن عادتها أم نقصت، وسواء تقدمت أم تأخرت، وسبق ذكر الدليل على ذلك في الفصل قبله، حيث علق الشارع أحكام الحيض بوجوده.

وهذا مذهب الشافعي، واختيار شيخ الإسلام ابن تيمية، وقواه صاحب المغني فيه ونصره، وقال: (المغني 1: 353 ) "ولو كانت العادة معتبرة على الوجه المذكور في المذهب لبينه النبي صلى الله عليه وسلم لأمته، ولما وسعه تأخير بيانه، إذ لا يجوز تأخير البيان عن وقته، وأزواجه وغيرهن من النساء يحتجن إلى بيان ذلك في كل وقت، لم يكن ليغفل بيانه، وما جاء عنه صلى الله عليه وسلم ذكر العادة ولا بيانها إلا في حق المستحاضة لا غير".أ.هـ.

- النوع الثالث: صفرة أو كدرة، بحيث ترى الدم أصفر، كماء الجروح، أو متكدراً بين الصفرة والسواد، فهذا إن كان في أثناء الحيض أو متصلاً به قبل الطهر فهو حيض تثبت له أحكام الحيض، وإن كان بعد الطهر فليس بحيض، لقول أم عطية رضي الله عنها: "كنا لا نعد الصفرة والكدرة بعد الطهر شيئاً" (رواه أبو داود بسند صحيح)، ورواه أيضاً البخاري بدون قولها بعد الطهر، لكنه ترجم له بقوله باب الصفرة والكدرة في غير أيام الحيض. قال في شرحه فتح الباري: "يشير بذلك إلى الجمع بين حديث عائشة المتقدم في قولها حتى ترين القصة البيضاء وبين حديث أم عطية المذكور في الباب، بأن ذلك أي حديث عائشة محمول على ما إذا رأت الصفرة والكدرة في أيام الحيض، وأما في غيرها فعلى ما قالت أم عطية".أ.هـ. وحديث عائشة الذي أشار إليه هو ما علقه البخاري جازماً به قبل هذا الباب، أن النساء كن يبعثن إليها بالدرجة: (شيء تحتشي به المرأة لتعرف هل بقي من أثر الحيض شيء) فيها الكرسف (القطن) فيه الصفرة فتقول: "لا تعجلن حتى ترين القصة البيضاء"، والقصة البيضاء ماء أبيض يدفعه الرحم عند انقطاع الحيض.

- النوع الرابع: تقطع في الحيض، بحيث ترى يوماً دماً، ويوماً نقاءً ونحو ذلك فهذان حالان:
* الحال الأول: أن يكون هذا مع الأنثى دائماً كل وقتها، فهذا دم استحاضة يثبت لمن تراه حكم المستحاضة.
* الحال الثاني: ألا يكون مستمراً مع الأنثى بل يأتيها بعض الوقت، ويكون لها وقت طهر صحيح. فقد اختلف العلماء رحمهم الله في هذا النقاء. هل يكون طهراً أو ينسحب عليه أحكام الحيض؟

فمذهب الشافعي في أصح قوليه أنه ينسحب عليه أحكام الحيض فيكون حيضاً، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وصاحب (الفائق) (نقل عنهما في الإنصاف )، ومذهب أبي حنيفة، وذلك لأن القصة البيضاء لا ترى فيه، ولأنه لو جعل طهراً لكان ما قبله حيضة، وما بعده حيضة، ولا قائل به، وإلا لانقضت العدة بالقرء بخمسة أيام، ولأنه لو جعل طهراً لحصل به حرج ومشقة بالاغتسال وغيره كل يومين، والحرج منتف في هذه الشريعة ولله الحمد.

والمشهور من مذهب الحنابلة أن الدم حيض والنقاء طهر إلا أن يتجاوز مجموعهما أكثر الحيض فيكون الدم المتجاوز استحاضة. وقال في المغني (المغني ص 355 ): "يتوجه أن انقطاع الدم متى نقص عن اليوم فليس بطهر، بناء على الرواية التي حكيناها في النفاس، أنها لا تلتفت إلى ما دون اليوم وهو الصحيح -إن شاء الله- لأن الدم يجري مرة وينقطع أخرى، وفي إيجاب الغسل على من تطهر ساعة بعد ساعة حرج ينتفي، لقوله تعالى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} سورة (الحج، الآية: 78 )، قال: "فعلى هذا لا يكون انقطاع الدم أقل من يوم طهراً، إلا أن ترى ما يدل عليه، مثل أن يكون انقطاعه في آخر عادتها، أو ترى القصة البيضاء".أ.هـ.
فيكون قول صاحب المغني هذا وسطاً بين القولين. والله أعلم بالصواب.

- النوع الخامس: جفاف في الدم بحيث ترى المرأة مجرد رطوبة، فهذا إن كان في أثناء الحيض أو متصلاً به قبل الطهر فهذا حيض، وإن كان بعد الطهر فليس بحيض، لأن غاية حاله أن يلحق بالصفرة والكدرة وهذا حكمها.

. الجزء الأول .

. الجزء الثاني .

. الجزء الثالث .

محمد بن صالح العثيمين

كان رحمه الله عضواً في هيئة كبار العلماء وأستاذا بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية

  • 45
  • 3
  • 114,544

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً