حكم الآكل والشارب في نهار رمضان عمداً

منذ 2008-09-27
السؤال: ما هو الدليل على أن الآكل والشارب عمداً عليه القضاء، وهل هناك من أسقط عنه القضاء غير الظاهرية؟
الإجابة: بالنسبة لهذه المسألة وهي من أكل أو شرب عامداً فإنه قطعاً قد خالف الأمر، والأمر هو قول الله تعالى: {حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل}، فمن تعمد الأكل أو الشرب في نهار رمضان فقد خالف هذا الأمر، ومخالفة الأمر تقتضي ما يترتب عليه، وما يترتب عليه هو المذكور في الإفطار في الآية السابقة في قوله: {فمن كان منكم مريضاً أو على سفر فعدة من أيام أخر}، عدة من أيام أخر مقتضية لأن كل من أفطر في نهار رمضان وجب عليه قضاؤه، ومحل هذا إن كان تعمده ليس شكاً في وجوب الصيام.

فإن كان شاكاً في وجوب الصيام فهو كافر يجب عليه أن يجدد إيمانه، لكن إن فعل ذلك اتباعاً لاستفزاز الشيطان فأفطر عامداً في نهار رمضان بأكل أو شرب فقد اتفق أئمة المذاهب كلها ما عدا قول للظاهرية أخذ به القاشاني منهم بعدم وجوب القضاء نظراً إلى أنه قد كفر وتجرأ على مخالفة الأمر، ولأنه لم يذكر في الآية التصريح بالقضاء على من ليس معذوراً إنما جاء القضاء للمعذور، فمن باب أولى غير المعذور.

إذا كان المعذور بمرض أو سفر يجب عليه عدة من أيام أخر فمعناه أن غير المعذور المتعمد يجب عليه ذلك، يبقى إضافة إلى هذا حكم آخر وهو حكم الكفارة، والكفارة لمن أفطر عامداً في نهار رمضان بجماع محل اتفاق لما ثبت في حديث سلمة بن صخر، أنه أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله هلكت وأهلكت، واقعت أهلي في نهار رمضان، فأمره الرسول صلى الله عليه وسلم بالكفارة وهي أن يعتق رقبة أو أن يطعم ستين مسكيناً أو أن يصوم شهرين متتابعين، فاعتذر سلمة عن هذه الثلاثة، ضرب صفحة عنقه، فقال: والذي بعثك بالحق لا أملك رقبة غير هذه، ثم لما عرض عليه الصيام، قال: وهل وقعت فيما وقعت فيه إلا من أجل الصيام؟ ثم لما أمره بالإطعام قال: يا رسول الله لا أملك ما أنفق، فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى جاء رجل من الأنصار فتصدق بفَرَقٍ من تمر، فأمره الرسول صلى الله عليه وسلم أن يتصدق به معناه أن يُكَفِّرَ منه، والفرق يتسع لهذه المكيلة وهي ستون مداً من التمر، فقال: يا رسول الله، أعلى أحوج منا؟ فوالذي بعثك بالحق ما بين لابتيها أهل بيت أحوج منا، فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمره أن ينفقه على أهله، وذلك أن إنفاقه على أهله معناه أن أهله لا تجب عليه نفقتهم لفقره، فلا تجب عليه نفقتهم لفقره وهم فقراء، فلعل رسول الله صلى الله عليه وسلم علم أن عدد أفراد أسرته كان بهذه الحاجة فبدأ بهم، وعموماً فإن غير الحنفية يرون هذه خصوصية لسلمة بن صخر، أما الحنفية فيجيزون إخراج الكفارة على مسكين واحد، ستين مداً لمسكين واحد، لأنهم قالوا: المقصود بالعدد هو عدد المخرج لا عدد المخرج عليه، وهذا تأويل منهم، والراجح ما ذهب إليه الجمهور لأن الله صرح به في موضع آخر، فقال: {إطعام ستين مسكيناً}، فيما يتعلق بالظهار صرح بأن الكفارة هي إطعام ستين مسكيناً ولم يقل إخراج ستين مداً، والمقصود بالإطعام التمليك، إذن هذا فيما يتعلق بالوقاع والجماع.

أما الأكل والشرب عمداً في نهار رمضان فإن المسألة محل خلاف: هل يجب التكفير به أم لا؟ وذلك راجع إلى قاعدة أصولية وهي قاعدة تنقيح المناط، فتنقيح المناط يكون بالزيادة ويكون بالنقص، والمناط معناه العلة التي رتب عليها الشارع الحكم، فالحديث هنا أن هذا الأعرابي وهو سلمة بن صخر جاء يضرب صدره وينتف شعره، فقال: يا رسول الله هلكت وأهلكت، واقعت أهلي في نهار رمضان، فجاء المجتهدون إلى هذا النص يريدون تنقيحه، والتنقيح معناه إزالة ما على العظم من اللحم، فيريدون إزالة ما على الحكم من الأوصاف حتى يخرجوا الوصف الصالح للتعليل، فقالوا: كونه أعرابياً ليس له تعلق بالحكم، لأنه لا فرق في التكليف بين الأعرابي والحضري، إذن هذه واحدة نخرج كونه أعرابياً، كونه جاء متأثراً هذا التأثر البالغ يضرب صدره وينتف شعره هذا أيضاً وصف طردي لأنه من تأثره هو غير راجع إلى تكليفه إذن لا يناط به الحكم، قوله: "واقعت أهلي"، خصوص أهله أيضاً لا يتعلق به حكم، لأنه لو واقع أمته أو زنا نعوذ بالله فهذا أيضاً مساو لوقاعه لأهله أو أشد، قوله أيضاً بتخصيص يوم من رمضان لا فرق بين أيام رمضان في الحرمة، كذلك لا فرق بين هذا الرمضان الذي أفطر فيه وغيره من الرمضانات، بقي لنا الوقاع في نهار رمضان، إذن هذه هي العلة، هذا تنقيح المناط بالنقص لأننا نقصنا الأوصاف، وبهذا أخذ الشافعية والحنابلة فقالوا لا تجب الكفارة إلا على من واقع عمداً في نهار رمضان على الجماع في نهار رمضان فقط، أما المالكية والحنفية فنقحوا المناط بالزيادة، قالوا: إذا كان الصوم مانعاً من الأكل والشرب والجماع، وحرمة هذه الثلاثة في الصيام واحدة، فننقح المناط هنا بالزيادة فنقول: المقصود هنا هو تحريم الأكل والشرب والجماع فمن اعتدى على محرم من حرمات رمضان في يوم صيامه وجبت عليه الكفارة التي وجبت في الجماع لأنه لا فرق بين الجماع والأكل والشرب من ناحية التحريم.

وبهذا أخذ مالك وأبو حنيفة فأوجبا الكفارة على من شرب أو أكل في نهار رمضان، ودليلهم هو دليل السابقين من ناحية تنقيح المناط بالزيادة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

نقلاً عن موقع فضيلة الشيخ حفظه الله.

محمد الحسن الددو الشنقيطي

أحد الوجوه البارزة للتيار الإسلامي وأحد أبرز العلماء الشبان في موريتانيا و مدير المركز العلمي في نواكشوط.

  • 62
  • 10
  • 300,599

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً