حكم إيداع المال في البنك بدون فائدة

منذ 2009-04-04
السؤال: ما قول الشرع فيمن يودِع نقوداً في المصرف (البنك) دون أن يحصل على فائدة؛ لأنه يخشى من وضعها في مكان آخر كالمنزل أو ما شابه، ثم ماذا عليه لو أنه أخذ الفائدة وتَصَدَّقَ بها، أو دَفَعَهَا للفقراء أو أشخاص يعرفهم؛ ليحسن وضعهم، أو بنى بها مسجداً، أو أنفقها في أي مجال من مجالات الخير، أليس ذلك أفضل من تركها للمصرف؟
الإجابة: الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

فإنه يَحْرُم على المُسلِم أن يضع أمواله في المصارف البنوك الرِّبَويَّةِ، سواء كان ذلك في الحساب الجاري بدون فائدة، أو في حساب التوفير بفائدة، إلا إذا دعت الضرورة القصوى؛ كأن يخاف على أمواله السرقةَ أو التَّلَف ونحو ذلك ولا يوجد بديل مباح، أو أخف ضررًا، فحينئِذٍ يجوز له حِفْظَهَا فِي الحِسابِ الجارِي إذا لم يَجِد مصرفاً بنكاً إسلامِيّاً يحفظها فيه.

وما حصل عليه المُودِع من فوائدَ رِبَويَّةٍ في الماضِي، يَجب عليه أن يَتَخَلَّصَ منه في وجوه الخير، مع التوبة إلى الله تعالى والندم على فعله، والعزم على عدم العودة إليه في المستقبل.

قال العَلاَّمَةُ "علي السالوس" في كتابه (موسوعة الاقتصاد الإسلامي): "أما الحسابات الجارية بدون فائدة فمن عرف أعمال البنك أدرك أنها تستهلك نسبة كبيرة من أرصدة هذه الحسابات كما أن البنك في جميع الحالات ضامن لرد المثل، فلو كانت وديعة لما كان ضامناً، ولما جاز له استهلاكها".

أما أخذ الفائدة الرِّبويَّة لنفقتها في مصالح المسلمين: فلا يحلُّ؛ لأن الغايةَ الصالحةَ لا تُبَرِّر الوسيلة المُحَرَّمة، فلا يُبَاحُ أَخْذُ الربا بقصد التَّصَدُّق به؛ لإطلاق الآيات والأحاديث على تحريمه.

والله طَيِّبٌ لاَ يقبَلُ إلا طيباً؛ كما ورد في الحديث الذي رواه مسلم، والله سبحانه وتعالى يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآَخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ} [البقرة:267]، والرِّبَا مِن أَخْبَث الخبائث.

هذا؛ ولا يقبل اللّه تعالى هذه الصدقة، بل يأثم صاحبها؛ كما دل عليه الكتاب والسُنَّةُ:

قال "ابن رجب" في كتاب (جامع العلوم والحكم) : "وأما الصدقة بالمال الحرام، فغير مقبولة؛ كما في (صحيح مسلم) عن ابن عمر رضي اللّه عنهما عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال: "لا يَقْبَل اللّه صلاةً بغير طُهُورٍ، ولا صدقة من غُلُولٍ".

وفى (الصحيحين) عن أبى هريرة رضي اللّه عنه عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال: "ما تصدق عبد بصدقة من مال طيِّبٍ -ولا يقبَل اللّهُ إلا الطيبَ- إلا أخذها الرحمن بيمينه ... إلى آخر الحديث".

وفى (مسند الإمام أحمد) رحمه اللّه عن ابن مسعود رضي اللّه عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يَكتسب عبدٌ مالاً من حرام فَيُنْفِقُ مِنه فيبارك فيه، ولا يتصدق به فيُتَقَبَّل منه، ولا يتركه خلف ظهره إلا كان زاده إلى النار، إن اللّه لا يمحو السيئ بالسيئ، ولكن يمحو السيئ بالحَسَن، إن الخبيث لا يمحو الخبيث".

ويُرْوَى من حديث رَوَاح عن ابن حُجَيْرَةَ عن أبي هريرة رضي اللّه عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما كسب مالاً حراماً فتصدق به لم يكن له فيه وكان إصره -إثمه وعقوبته- عليه"؛ (أخرجه ابن حبان في صحيحه)، ورواه بعضهم موقوفاً على أبى هريرة.

وفى مراسيل القاسم ابن مُخَيْمِرَةَ قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: "مَن أصاب مالاً من مأثَمٍ فوصل به رَحِمَهُ أو تَصَدَّقَ بِهِ، أو أنفقه في سبيل اللّه، جُمِعَ ذلك جَميعاً ثم قُذِفَ بِهِ في نار جهنم".

ورُوِىَ عن أبي الدرداء ويزيد بن ميسرة، أنهما جَعَلا مثل من أصاب مالاً من غير حِلِّهِ فَتَصَدَّق به مثل من أخذ مال يتيم، وكسا به أرملة، وسُئِل ابن عباس رضي اللّه عنهما عمن كان على عمل فكان يظلم ويأخذ الحرام ثم تاب فهو يحج ويعتق، ويتصدق منه فقال: "إن الخبيث لا يُكَفِّرُ الخبيث"، وكذا قال ابن مسعود رضي اللّه عنه إن "الخبيث لا يُكَفِّر الخبيث ولكن الطيب يُكَفِّر الخبيث" (رواه الطبراني) في "المعجم الكبير". اهـ.

وقد أفتت بذلك "اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء بالسعودية" حيث قالت:

"لا يجوز الإيداع في البنك الربوي، بقصد أخذ الفوائد الربوية، ولو كانت نيّة المودِعِ أن يُنفِق الفوائد في وجه الخير، ولكن إن أودع لحاجةٍ أو لغير حاجةٍ، وحصل في ذلك على فوائد، فعلية أن يُبَادِرَ إلى سحب أموالِهِ وإيداعها بطريقةٍ مشروعة؛ كوضعها في حسابٍ جارٍ، أو في بنك إسلامي، ما لم يكن هُنَاكَ دَاعٍ إلى إبقائِها؛ لعدم وجود بديلٍ شرعيٍّ أو نحو ذلك".

وعليه؛ فيَحْرُمُ عليك التعامُل مع البنك الربوي وأخذ الفائدة، ولو بقصد التَّصَدُّق بها، كما يَحْرُمُ الإيداع بدون فائدة في بنوكٍ تتعامل بالرِّبا؛ لما في ذلك من إعانتها على التَّعَامُل بالربا، والتمكين لها من التَّوَسُّع في ذلك، إلا إذا كنت مُضْطَراً لإيداعها؛ خَشْيَةَ الضياع أو السرقة، ولم تجد وسيلةً لحفظها إلا الإيداع في البنوك الربوية، فربما كان له في إيداعها فيها رخصة من أجل الضرورة,,هذا والله تعالى أعلم.

ــــــــــــــــــــــــــ

موقع الألوكة

خالد عبد المنعم الرفاعي

يعمل مفتيًا ومستشارًا شرعيًّا بموقع الألوكة، وموقع طريق الإسلام

  • 2
  • 1
  • 104,441

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً