شفع الوتر أو نقضه
صلينا التراويح في المسجد الجامع. ولما انتهت التراويح والوتر وسلم الإمام من الوتر قام رجل من الحاضرين وألحق ركعة وسلم. وقد كنت أريد أن أسأله عن سبب فعله هذا ولكنه خرج من المسجد قبل أن أتمكن من سؤاله، فأرجوكم الإفادة، وهل ورد عن أهل العلم ما يدل على جواز مثل هذا؟
الظاهر أن هذا الرجل يريد أن يتهجد من الليل ويجعل آخر صلاته وترا.
فإذا كان هذا قصده فلا بأس بما فعله. وقد نص الفقهاء على جواز ذلك.
فإذا أحب من له تهجد متابعة الإمام في وتره لم يسلم معه، بل ينتظر حتى يسلم الإمام ثم يقوم فيأتي بركعة لكي تشفع له ركعة الوتر، ثم إذا أراد أن يتهجد صلى مثنى مثنى وأوتر بركعة؛ لينال فضيلة متابعة الإمام حتى ينصرف وفضيلة جعل وتره آخر الليل.
وهذا أفضل من نقض الوتر؛ لأن نقض الوتر فيه خلاف بين أهل العلم. والمشهور من المذهب أن الأولى عدم نقض الوتر. وصفة نقض الوتر أن الإنسان إذا أوتر أول الليل ثم قام آخره للتهجد فإنه أول ما يصلي ركعة واحدة تشفع له وتره الذي صلاه أول الليل؛ وبهذا ينقض وتره، ويكون ما صلاه في أول ليله وآخره شفعا، ثم يتهجد ما شاء الله مثنى مثنى، ويختم صلاته بوتر؛ حتى يكون قد أخذ بقوله صلى الله عليه وسلم: " " (1)، هذه صفة نقض الوتر.
وأما مشروعيته، فقال الموفق في (المغني) (2): ومن أوتر من الليل ثم قام للتهجد، فالمستحب أن يصلي مثنى مثنى ولا ينقض وتره. روي ذلك عن أبي بكر الصديق، وعمار، وسعد بن أبي وقاص، وعائذ بن عمرو، وابن عباس، وأبي هريرة، وعائشة. وكان علقمة لا يرى نقض الوتر. وبه قال طاوس، وأبو مجلز، وبه قال النخعي، ومالك، والأوزاعي، وأبو ثور. وقيل للإمام: أحمد ولا ترى نقض الوتر؟ فقال: لا. ثم قال: وإن ذهب إليه رجل فأرجو؛ لأنه قد فعله جماعة... إلى أن قال في (المغني): ولنا ما روى قيس بن طلق، قال: زارنا طلق ابن علي في يوم من رمضان، فأمسى عندنا وأفطر، ثم قام بنا تلك الليلة، ثم انحدر إلى مسجد فصلى بأصحابه، حتى إذا بقي الوتر قدم رجلا. فقال: أوتر بأصحابك؛ فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " " (3) (رواه أبو داود، والترمذي، وقال: حديث حسن)، وروي عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه قال: أما أنا، فإني أنام على فراشي، فإن استيقظت صليت شفعا حتى الصباح (4) (رواه الأثرم)، وكان سعيد بن المسيب يفعله.أ.هـ.
وحاصل كلام الموفق رحمه الله أن الأولى عدم نقض الوتر، وأن الإنسان إذا قام من الليل بعدما أوتر فالأفضل له أن يصلي مثنى مثنى، ولا يوتر قبلها ولا بعدها. وهذا هو المشهور من المذهب، والله أعلم.
___________________________________________
1 - البخاري (998)، ومسلم (751) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.
2 - (2/ 597، 598).
3 - أحمد (4/ 23)، وأبو داود (1439)، والنسائي (3/ 229، 230)، والترمذي (470)، وابن خزيمة (1101)، واختلف في وصله وإرساله، كما في (علل ابن أبي حاتم) (554)، وقد حسنه الحافظ في (الفتح) (2/481).
4 - عبد الرزاق (3/ 14) بنحوه، عن سعيد بن المسيب، مرسلاً.
عبد الله بن عبد العزيز العقيل
كان الشيخ عضوا في مجلس القضاء الأعلى ومن هيئة كبار العلماء في المملكة. توفي رحمه الله عام 1432هـ .
- التصنيف:
- المصدر: