أعاني من الوسواس القهري والضيق والاكتئاب!

منذ 2011-01-12
السؤال: أرجو منك مساعدتي بالدعاء لي بالشفاء والشهادة في سبيل الله؛ وذلك لأنني مريضة منذ عام 1994(كانت بداية مشكلتي منذ مرحلة المراهقة)، ولم أوفَّق في علاج إلى الآن، واحتاج لدعاء كل قلب مخلص، وأناشدك بالله الذي لا اله إلا هو أن لا تنساني من دعاءك في كل وقت ومكان إجابة؛ لأنني في أشد الحاجة له، وأنا باختصار أعاني من الوسواس القهري والضيق والقلق والاكتئاب، وأتأثر وأتضايق بشدة عند سماع القرآن أو أي ذكر لله عز وجل خصوصاً إذا كنت أوان المذاكرة، وتنتابني الآم وأعراض غريبة في جسدي، وتكون في قمتها عندما أصلي لأن جسمي يتحرك بصورة غريبة، وأجد نفسي غير قادرة على الوقوف وأتعذب بشدة أثناء الصلاة؛ لدرجة أنني أتمنى الموت عن القيام بها! وهذه الأعراض تبدأ من الوضوء وتزداد أثناء الصلاة، وأعاني أيضاَ من مشاكل نفسية وجسدية ومرضية شديدة ومشاكل مع أسرتي خصوصاً أمي، ومشاكل في دراستي إذ لم استطع إكمال دراستي الجامعية، ومشاكل في حياتي وهذه المشاكل لا تنتهي أبداً؛ حتى عندما حاولت حفظ القرآن لم أستطع احتماله؛ وكلما حاولت القيام بعمل إيجابي في حياتي تحدث مشاكل تتسبب في عدم إكماله، وأنا الآن شخص لا يضيف أي شيء لأمته ولا لنفسه ولا لدينه، ولا أعرف ما هو الهدف من وجودي في الحياة، وقد ذهبت إلى كثير من الأطباء سواء كانوا نفسيين أو غيرهم والرقاة، ولكنني لم أشعر بأي تحسن وقد حاولت أن أرقى نفسي لكنني لم أستطع المواصلة؛ لأنني لا أتحمل القرآن وقد بحثت عن من يقوم بالرقية لوجه الله تعالى؛ ولكنني لم أجد أي شخص ووجدت أن الرقية عبارة عن تجارة بالآم الآخرين وضحك على عقولهم؛ ولقد واجهتني مشكلة كبيرة مع والدي خاصة أمي لأنها لا تؤمن بوجود الأمراض الروحية (العين والسحر والمس)، وكانت تعارض علاجي بشدة وأنا لم أستطع إقناعها بالعكس لأنني لم أوفق في العلاج، وهى تعتقد أنني أعانى من الوهم ولا تصدق وجود الأعراض التي أشكو منها ودائماً، ما توجه إليَّ اللوم والتقريع لأنني ليس لدى عذر فيما أفعله بنفسي، وكذلك ينطبق القول على أبى، وفى الحقيقة لا يوجد أحد في هذه الدنيا يدعمني أو يساندني في مصيبتي هذه، ولم أستطع إقناعهم بأنني لا أصطنع هذه المشاكل؛ لأنني لا أريد لنفسي الضرر بالتأكيد، لكن لا أحد يفهمني وأنا أستغرب لذلك؛ لأنني كنت في يوم من الأيام إنسانة متميزة أكاديمياً، وقد عُرفت بعشقي الشديد للعلو والإطلاع وطموحي الجبار للوصول لأهدافي؛ حيث أنني لم أكن أعرف كلمة مستحيل، وأيضاً بأن تفكيري سابق لمن هم في عمري، وفجأة انقلبت كل حياتي وأصبحت إنسانة غير طبيعية، وأكثر ما يؤلمني هو حرماني من العلم والإطلاع؛ لأنهما كانا بمثابة الماء والهواء لروحي خصوصاً العلم الديني؛ لأنني كنت أنوى إصلاح مسيرتي في الحياة وذلك بالضبط حفظ القرآن؛ لأنه الخطوة الأولى في الطريق إلى الله، ولكنني لم أفلح لأنني أٌعاني من النسيان وعدم التركيز الشديد، وكثرة الأمراض التي لا تتوقف، وكنت أتمنى أن لا أموت قبل تحقيق شيء لأمتي وديني حتى موضوع الزواج لم أعد أفكر فيه على الإطلاق، وأنا متألمة جداً لحالي لأنني عاجزة عن مساعدة نفسي، ولا أجد من يساعدني وأنا الآن في الفترة الذهبية من عمر أي إنسان، وهى فترة الشباب وهى أكثر فترة للإنجاز وتحقيق الطموحات، وعندما أنظر لإنجازات الشباب الواعي من أبناء الأمة، أتحسر على نفسي كثيراً وأتمنى لو لم أرتكب الذنوب التي أوصلتني لهذا العجز، وأرجو أن لا تفهم من رسالتي أنني أشكو من الله؛ لأنني أعرف أن سبب ما أنا فيه من بلاء ما هو إلا ذنوبي ونفسي ولأن البلاء لا ينزل إلا بذنب، (لكن جسدي تعب من المعاناة ولم تعد لدى طاقة لمواصلة المشوار)، ولقد ندمت كثيراً عليها؛ لأنها أوقعتني في غضب الله والبعد عن طريقه وحرمتني من الأنس بقربه، وأنا الآن أٌعانى من الفشل بسبب ما أنا فيه من مصائب، وقد فقدت جزء كبير من عمري ولن أستطيع استعادته حتى لو أنفقت ما في الأرض جميعاً، ودائماً ما أسأل نفسي: هل يمكن أن يكون الذنب سبباً في البلاء إلى الحد الذي يحرم الإنسان من السير في طريق الله؟ وهل هذا يعنى أنني إنسانة لا يوجد أي خير بداخلها لذلك لم أكن عالمة أو فقيهة أو داعية أو أي شخص يقوم بعمل إيجابي لدينه؟ وكيف سألقى الله وأنا هكذا وما هي أعذاري؟ هذه التساؤلات لا تفارق عقلي، ودائماً ما ألوم نفسي على تقصيري الشديد في حق مولاي، وأنا الآن فقدت الأمل في حياتي وعلاجي تماماً لأنني طرقت أبواب كثيرة ولكن دائماً يحصل شيء يتسبب في عدم علاجي، والحمد لله على كل حال حتى عندما سافرت للعمرة مرضت كثيراً ولم أكن أنام، وبالتالي لم أستطع أداءها جيداً، وكنت أشعر بضيق وعدم الرغبة في الذهاب لتلك الأماكن، ولكن أجاهد نفسي على الرغم من التعب في أداء كل الصلوات في المسجد الحرام؛ لكنني عجزت وكثيراً ما أفكر في ترك الحياة؛ لأنني لا أشعر بقيمتي فيها كإنسانة؛ ولا أشعر بأي تغير أو تحسن في أحوالي لأنني أعجز عن تقديم أي شيء، ولذلك لست حريصة على الاستمرار فيها لولا علمي بما ينتظرني من عذاب في الدار الآخرة، وأبسط تعبير يمكن أن أقوله: لقد كرهت الدنيا وما فيها؛ لأنني أشعر بأنني عالة على نفسي وديني وحياتي وأمتي وعائلتي التي من المفروض أن أكون سنداً لها؛ لأن لدى شقيقين لديهم مشكلة في سمعهم أو على الأقل أنا لا أسبب المزيد من المشاكل؛ لكن الأمر ليس بيدي وأنا لا أقبل هذا الوضع لنفسي لأنني إنسانة كاملة الأعضاء والحمد لله، لكنني لا أعرف ما الذي يكبلني؟! ولكنني عندما شاهدتك في التلفزيون شعرت بمدى صدقك في الإحساس بالآم المسلمين، ولذلك قررت كتابة رسالة لك؛ لعل دعاءك يكون سبباً في استعادتي لحياتي من جديد، مع العلم بأنني سأواصل الدعاء وأناشدك بالله الذي لا إله إلا هو إذا كانت لديك معرفة بالمشايخ والقراء وغيرهم من أهل العلم والصلاح وحفظة القرآن أن تطلب منهم الدعاء لي بالشفاء والشهادة في سبيل الله في كل وقت ومكان إجابة، وأرجو أن تعذرني على طول رسالتي لأنني أحببت الإحساس بأن هناك من يشاركني معاناتي وأن أوضح مشكلتي حتى لا تنسى أن تدعو لي.
الإجابة: الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
.. أولاً: شكر الله لك حسن ظنك بي، وإن شاء الله أجتهد في الدعاء لك، والبشرى في قول النبي صلى الله عليه وسلم: "دعاء المرء المسلم لأخيه بظهر الغيب مستجاب"، وأوصي كل من يطلع على هذه المشكلة أن يدعو لصاحبتها بأن يفرج الله همها وينفس كربها ويعجل فرجها؛ إنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين.

.. ثانياً: المؤمن مبتلى، وقد قال ربنا عز وجل: {ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين * الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون * أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون}، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله خير: إن أصابته سراء شكر؛ فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر؛ فكان خيراً له، وليس ذلك إلا للمؤمن"، فما عليك إلا الصبر والاحتساب والعمل بالأسباب.

.. ثالثاً: لا يهولنك طول البلاء، وتذكري -أمة الله- أن الكريم بن الكريم يوسف بن يعقوب قد لبث في السجن بضع سنين وهو برئ، وأن نوحاً عليه السلام لبث في قومه ألف سنة إلا خمسين عاماً؛ فما آمن معه إلا قليل، وأن يعقوب عليه السلام قد فقد بصره حزناً على ولده وقال: {إنما أشكو بثي وحزني إلى الله}، وأن أيوب عليه السلام قد بقي في البلاء سنين عدداً حتى هتف بربه: {أني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين}، وهكذا سلسلة يطول سردها من الأنبياء والمرسلين والأولياء والصالحين، ولك فيهم قدوة وأسوة.

.. رابعاً: كوني بالله واثقة، فهو أرحم بك من أمك وأبيك، واصدقي في اللجوء إليه سبحانه فإنه مفرِّج الهموم ومنفِّس الكروب، وهو الرحيم الودود، ولا تقنطي من رحمة الله، فما بين طرفة عين وانتباهتها يغيِّر الله من حال إلى حال، والله الذي ابتلاك قادر على أن يعافيك.

.. خامساً: جدِّدي لله توبة؛ فما نزل بلاء إلا بذنب وما ارتفع إلا بتوبة، ومن تاب تاب الله عليه، ومن اتقى الله فرَّج الله همه ويسَّر أمره، وأكثري من ذكر الله تعالى؛ فإن من ذكر الله ذكره الله، وجددي الأمل في أن تعودي خيراً مما كنت، في خير عميم ونفع عظيم.

.. سادساً: لا تذهبي إلى راق بل باشري رقية نفسك بنفسك؛ فلا أحد أخلص لك من نفسك، ولعلك بذلك إن شاء الله تكونين من السبعين ألفاً الذين يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب، والله تعالى أعلم.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

نقلاً عن شبكة المشكاة الإسلامية.

عبد الحي يوسف

رئيس قسم الثقافة الإسلامية بجامعة الخرطوم

  • 25
  • 7
  • 40,669

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً