مسائل فقهية تتعلق بالتسجيلات الصوتية

منذ 2012-04-15
السؤال:

فضيلة الشيخ أتقدم إليكم بهذه الأسئلة التي تتعلق ببحثي للماجستير (الأحكام المتعلقة بالتسجيلات الصوتية) راجياً من فضيلتك الإجابة عنها بما يسمح به وقتكم من تفصيل وبسط، شاكراً ومقدّراً لفضيلتكم.
س1/ ما حكم دخول مكان قضاء الحاجة بأشرطة القرآن أو الأشرطة المحتوية مادة صوتية فيها ذكر الله؟
س2/ ما حكم تشغيل أشرطة القرآن أو المحاضرات داخل مكان قضاء الحاجة، هل له حكم التلفظ بذلك داخل ذلك المكان، أم هو كوصول الصوت من خارجه؟
س3/ ما حكم لمس أشرطة القرآن بغير طهارة، وهل يمكن تخريج المنع على قول الحنفية في منع مس ترجمة القرآن؟ وماحكم مس مصحف المكفوفين المكتوب بلغة برايل؟
س4/ ما حكم رفع الأذان بشريط مسجل إذا اكتفي به عن المؤذنين؟
س5/ ماحكم رفع الأذان بشريط مسجل في المستشفيات والدوائر الحكومية للإعلام بدخول الوقت من دون الاستغناء بذلك عن أذان المؤذنين في المساجد؟
س6/ هل يشرع الترديد مع الأذان المسجّل إذا كان يذاع عند دخول الوقت، وما الحكم إذا كان في غير الوقت؟
س7/ما حكم سجود التلاوة مع التلاوة المسموعة من المسجّل؟
س8/ ما حكم التأمين مع الدعاء المسجّل؟
س9/ما حكم الرد على السلام المسجّل؟
س10/ما حكم وضع تلاوة القرآن في انتظار المكالمات؟
س11/ ما حكم الرقية بالتلاوة المسجلة؟
س12/ ما حكم وضع آيات من القرآن في منبّه الجوّال؟
س13/ ما حكم احتكار حقوق النسخ في أشرطة القرآن، والمعاوضة عليها؟
وشكر الله لكم ونفع بكم وأثابكم ورفع قدركم وزادكم علماً.

الإجابة:

الحمدلله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:

فالجواب على أسئلتك المتعددة هو:
1- أما دخول مكان قضاء الحاجة بأشرطة القرآن أو الأشرطة المحتوية مادة صوتية فيها ذكر الله.
فلا نرى بأساً من حمل الأشرطة التي تحتوي على سور من القرآن أو ذكر الله عند قضاء الحاجة، لأنها لا تدخل تحت ما ذكره العلماء من كراهية دخول الحمام بشيء فيه ذكر الله أو بشيء من القرآن، لعدم وجود حروف ظاهرة فيها. قال في البحر الرائق- وهو حنفي-: ويكره أن يدخل الخلاء ومعه خاتم مكتوب عليه اسم الله تعالى أو شيء من القرآن. اهـ.
وقال علي بن أحمد الصعيدي العدوي المالكي في حاشيته على شرح مختصر خليل للخرشي: ويكره الدخول في محل الخلاء بشيء فيه قرآن أو ذكر غير مستور ما لم تدع إلى ذلك ضرورة. اهـ.
وقال في أسنى المطالب -وهو شافعي-: ويكره عند قضاء الحاجة حمل مكتوب قرآن واسم لله تعالى واسم لنبي وكل معظم. اهـ.
وقال المرداوي في الإنصاف -وهو حنبلي-: ثم رأيت ابن رجب ذكر في كتاب الخواتم: أن أحمد نص على كراهة ذلك في رواية إسحاق بن هانئ فقال في الدرهم: إذا كان فيه اسم الله أو مكتوبًا عليه {قل هو الله أحد} يُكره أن يدخل اسم الله الخلاء. اهـ.

2- أما حكم تشغيل أشرطة القرآن أو المحاضرات داخل مكان قضاء الحاجة.

فإنه لا يجوز لمنافاة ذلك لاحترام القرآن وتعظيمه، والواجب أن يصان القرآن الكريم عن كل ما يتنافى مع شرفه ورفعته.قال الإمام النووي في التبيان: وأجمعت الأمة على وجوب تعظيم القرآن على الإطلاق وتنزيهه وصيانته. انتهى. ولا شك أن قراءة القرآن في مثل هذه الأماكن تتنافى مع احترامه وتعظيمه.

3- أما مس أشرطة القرآن بغير طهارة، فجائز لنفس التعليل المذكور في السؤال الأول ولايمكن تخريج المنع على قول الحنفية في منع مس ترجمة القرآن لوجود الفرق الظاهر بينهما فالترجمة عبارة عن كلمات وحروف بلغة غير العربية وهذا قطعا بخلاف الأشرطة.

4- 5- أما حكم رفع الأذان بشريط مسجل فلا يجوز الاكتفاء عن المؤذنين برفع الصوت من مسجل وقد ورد في هذا الموضوع الفتوى رقم (10189) من فتاوى اللجنة الدائمة في السعودية في سؤال عن الأذان بالمذياع جاء فيه:إنه لا يكفي في الأذان المشروع للصلوات المفروضة أن يؤذن من الشريط المسجل عليه الأذان، بل الواجب أن يؤذن المؤذن للصلاة بنفسه لما ثبت من أمره عليه الصلاة والسلام بالأذان، والأصل في الأمر الوجوب. وهو يشمل الأذان في الدوائر الحكومية والمستشفيات وما شابه لأن الأذان مشروع لصلاة الجماعة في السفر والحضر سواء كانت في مسجد مستقل أو أي مصلى.

6- أما مشروعية الترديد مع الأذان المسجّل فإذا كان الأذان يذاع عند دخول الوقت على الهواء مباشرة فيشرع ترديد الأذان خلف المذياع إن كان الأذان للصلاة عند دخول الوقت.

وقد سئل الشيخ محمد بن عثيمين عن ذلك فأجاب قائلاً: الأذان لا يخلو من حالين:

الحال الأولى: أن يكون على الهواء -أي أن الأذان كان لوقت الصلاة من المؤذن- فهذا يجاب؛ لعموم أمر النبي صلى الله عليه وسلم: "إِذَا سَمِعْتُمْ النِّدَاءَ فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ الْمُؤَذِّنُ" [1] إلا أن الفقهاء -رحمهم الله- قالوا: إذا كان قد أدَّى الصلاة التي يؤذن لها فلا يجيب.

الحال الثانية: إذا كان الأذان مسجلاً، وليس أذاناً على الوقت فإنه لا يجيبه؛ لأن هذا ليس أذاناً حقيقياً -أي أن الرجل لم يرفعها حين أمر برفعه- وإنما هو شيء مسموع لأذان سابق. -وإن كان لنا تحفظ على كلمة: يرفع الأذان- ولذا نرى أن يقال: "أذن فلان"، لا: "رفع الأذان"[2].

7- أما سجود التلاوة مع التلاوة المسموعة من المسجّل:
فالذي يظهر أنه لا يشرع السجود لذلك. وقد نص العلماء المتقدمون على قريب من هذه المسألة. فمن ذلك: ما جاء في "الفتاوى الهندية" -الحنفي-:
"إن سمعها (يعني آية السجدة) من الصَّدَى (وهو ارتداد الصوت من مكان بعيد) لا تجب عليه" انتهى.فمثله: إذا سمعها من جهاز تسجيل ونحوه.
وقد سئل الشيخ ابن باز رحمه الله كما في "مجموع فتاوى ابن باز" فأجاب:
"لا يشرع للمستمع أن يسجد إلا إذا سجد القارئ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ عليه زيد بن ثابت رضي الله عنه سورة النجم ولم يسجد، فلم يسجد النبي صلى الله عليه وسلم، فدل ذلك على عدم وجوب سجود التلاوة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينكر على زيد تركه، كما دل الحديث أيضا على أن المستمع لا يسجد إلا إذا سجد القارئ" انتهى. وهو قول الشيخ ابن عثيمين في "الشرح الممتع".


8- 9- أما التأمين مع الدعاء المسجّل ورد السلام: فإن كان على الهواء مباشرة فإنه يشرع الرد كالأذان، وإن كان مُسَجَّلاً فلا يشرع.


10- أما وضع تلاوة القرآن في انتظار المكالمات: فأغلب الظن أنها موضوعة بدلاً عن سماع الموسيقى التي توضع غالبًا للانتظار، فهو مقصد حسن، وفيه تعاون على البر والتقوى.


11- أما الرقية من المسجل: فإن الأصل في الرقية أن يرقي الراقي المرقي مباشرة؛ كما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، أو بالقراءة في الماء ثم شربه، أو الاغتسال به، فهذا هو الوارد عن السلف، وهذا هو الأصل الذي وردت به الأدلة، وسار عليه عمل العلماء. فالرقية أركانها ثلاثة: الراقي، وما يرقي به، والمرقِي.
وبقدر صلاح الراقي وتقواه وهمة قلبه تؤثر رقيته. وكل هذا غير متوفر في قراءة الشريط ويخشى أن تكون من المحدثات.

12- أما وضع آيات من القرآن في منبّه الجوّال: فلا يجوز شرعاً وهذا الحكم في هذه المسألة المستجدة مخرج على القواعد الشرعية الثابتة بالنصوص من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فالقرآن نزل للتعبد بقراءته في الصلاة وخارجها، وأيضًا فمن القواعد الشرعية المقررة وجوب تعظيم شعائر الله؛ يقول الله تعالى: {ذلك وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ} [الحج: 32]. ويقول تعالى: {ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ} [الحج: 30].
ولا شك أن آيات القرآن الكريم من أعظم شعائر الله فتجب صيانتها أن تكون بدل منبه الجوال، بل إن ذلك قد يكون امتهاناً لكلام رب العالمين.

13- أما حقوق نسخ الأشرطة: فإن حقوق التأليف والاختراع والإنتاج، وغيرها من الحقوق المالية والمعنوية، مكفولة لأصحابها، لا يجوز الاعتداء عليها، ولا المساس بها، من غير إذن أصحابها. ومن ذلك الأشرطة، والاسطوانات، والكتب. وينظر في ذلك ما كتبه الشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد حفظه الله عن حقوق التأليف والطبع، في كتابه "فقه النوازل" (2/101- 187).

وقد سئلت اللجنة الدائمة: هل يجوز أن أسجل شريطا من الأشرطة وأبيعه، دون طلب الإذن من صاحبه بذلك، أو إن لم يكن صاحبه على قيد الحياة من الدار الخاصة به؟

فأجابت: " لا مانع من تسجيل الأشرطة النافعة وبيعها، وتصوير الكتب وبيعها؛ لما في ذلك من الإعانة على نشر العلم إلا إذا كان أصحابها يمنعون من ذلك، فلا بد من إذنهم ". والله أعلم.
------------------------------
[1] صحيح البخاري: (576)، وصحيح مسلم (576).
[2] فتاوى ورسائل ابن عثيمين سؤال رقم: (120).

خالد عبد المنعم الرفاعي

يعمل مفتيًا ومستشارًا شرعيًّا بموقع الألوكة، وموقع طريق الإسلام

  • 6
  • 4
  • 42,316

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً