البورصة

منذ 2012-05-17
السؤال:

أريد أن اسأل عن حكم الاستثمار في البورصة.

الإجابة:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

فإن الأسهم نوعان:

النوع الأول: أسهم في مؤسسات مُحَرَّمة أو مكاسبها مُحَرَّمة، كالمصارف التي تتعامل بالربا، أو شركات تصنيع الخمور أو شركات صناعة السينما وغير ذلك مما هو مُحَرَّم شرعاً، فهذه لا يجوز بيعها ولا شراؤها؛ لقوله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة:2]. وقوله عليه الصلاة والسلام: "إن الله إذا حَرَّم شيئاً حَرَّم ثمنه" (رواه أحمد وابن حبان).

النوع الثاني: أسهم في مؤسسات مُباحة؛ كالشركات التي تعمل في الصناعة أو الزراعة، وشركات إنتاج التكنولوجيا، وبيع البضائع المباحة، فإنه يُباح الاتجار في أسهمها والمشاركة معها، ولكن بشرط خلوها من المعاملات المحرمة؛ كالتأمين، والربا اقتِراضاً وإقراضاً، فلا تُودِع أموالَها أو تستثمِرُها في البنوك الربوية، فإذا حصل تعاون بينها وبين البنوك الربوية، فلا يجوز للمسلم أن يشتري أسهمها؛ لأن في ذلك عوناً لها على الحرام، وقد قال الله تعالى: {وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة:2].

وكذلك من اشترى أسهماً من شركة تتعامل بالرِّبا أو بالحرام، ثم عَلِمَ، فالواجب عليه الخروج منها؛ لأن السهم يُمَثِّل جزءاً شائعاً من رأس مال الشركة، والمُسَاهِم يملك حصةً شائعةً في الشركة، فتلزمه معاملات الشركة.

هذا؛ وتتمة للفائدة رأينا أن نذكر قرارين لمجمع الفقه الإسلامي خاصين بالاستثمار في البورصة:

القرار الأول:
قرر مجلس المجمع الفقهي الإسلامي لرابطة العالم الإسلامي في دورته الرابعة عشرة المنعقدة بمكة المكرمة 20 من شعبان 1415 هـ 21/ 1 / 1995 م ما يلي:

أ- بما أن الأصل في المعاملات الحِلُّ، فإن تأسيس شركة مساهمة ذات أغراضٍ وأنشطةٍ مشروعة أمرٌ جائزٌ.

ب – لا خلاف في حرمة الإسهام في شركات غرضها الأساسي مُحَرَّم، كالتعامل بالربا أو إنتاج المُحَرَّمات أو المتاجرة بها.

ج – الأصل حرمة الإسهام في شركات تتعامل أحياناً بالمُحَرَّمات، كالربا ونحوه، بالرغم من أن أنشطتها الأساسية مشروعة.
وعليه فيجوز لك الاستثمار في البورصة بالشروط السابقة.

القرار الثاني:
لأسواق الأسهم والسندات (البورصة) جوانب إيجابية وأخرى سلبية:
أ- فأما الجوانب الإيجابية المفيدة في البورصة:

أولاً: أنها تقيم سوقاً دائمةً تُسَهِّل تلاقي البائعين والمشترين، وتُعْقَدُ فيها العُقُود العاجلة والآجلة على الأسهم والسَّنَدَات والبضائع.

ثانياً: أنها تسهل عملية تمويل المؤسسات الصناعية والتجارية والحكومية عن طريق طرح الأسهم وسندات القروض للبيع.

ثالثاً: أنها تُسَهِّل بيع الأسهم وسندات القروض للغير والانتفاع بقيمتها؛ لأن الشركات المصدِّرة لا تصفي قيمتها لأصحابها.

رابعاً: أنها تسهِّل معرفة ميزان أسعار الأسهم وسندات القروض والبضائع، وتَمَوُّجَاتِها في ميدان التعامل عن طريق حركة العرض والطَّلَب.

ب- وأما الجوانب السلبية الضارة في هذه السوق فهي:

أولاً: أن العقود الآجلة التي تجري في هذه السوق ليست في معظمها بيعاً حقيقاً، ولا شراء حقيقاً؛ لأنه لا يُجْرَى فيها التَّقَابُض بين طرفي العَقد فيما يُشْتَرَط له التَّقَابُض في العِوَضَين أو في أحدهما شرعاً.

ثانياً: أن البائع فيها غالباً يبيع ما لا يملك من عملات وأسهم أو سندات قروض أو بضائع، على أمل شرائه من السوق وتسليمه في الموعد، دون أن يقبض الثمن عند العقد كما هو الشرط في السَّلَم.

ثالثاً: أن المشتري فيها غالباً يبيع ما اشتراه لآخر قبل قبضه، والآخر يبيعه أيضاً لآخر قبل قبضه. وهكذا يتكرر البيع والشراء على الشيء ذاته قبل قبضه إلى أن تنتهي الصفقة إلى المشتري الأخير، الذي قد يريد أن يتسلم المبيع من البائع الأول، الذي يكون قد باع ما لا يملك، أو أن يحاسبه على فرق السعر في موعد التنفيذ، وهو يوم التصفية، في حين يقتصر دور المشترين والبائعين ـ غير الأول والأخيرـ على قبض فرق السعر في حالة الربح، أو دفعه في حالة الخسارة، في الموعد المذكور، كما يجري بين المقامرين تماماً.

رابعاً: ما يقوم به المتمولون من احتكار الأسهم والسندات والبضائع في السوق للتحكم في البائعين الذين باعوا ما لا يملكون؛ على أمل الشراء قبل موعد تنفيذ العقد بسعر أقل، والتسليم في حينه، وإيقاعهم في الحرج.

خامساً: أن خطورة السوق المالية هذه تأتي من اتخاذها وسيلة للتأثير في الأسواق بصفة عامة، لأن الأسعار فيها لا تعتمد كلياً على العرض والطلب الفعليين من قِبَل المحتاجين إلى البيع أو إلى الشراء، وإنما تتأثر بأشياء كثيرة، بعضها مُفْتَعَل من المهيمنين على السوق، أو من المُحتَكِرين للسلع أو الأوراق المالية فيها، كإشاعة كاذبة أو نحوها. وهنا تكمن الخطورة المحضورة شرعاً؛ لأن ذلك يؤدي إلى تقلبات غير طبيعية في الأسعار، مما يؤثر على الحياة الاقتصادية تأثيراً سيئاً.

ولذلك قد أثارت سوق البورصة جدلاً كبيراً بين الاقتصاديين، والسبب في ذلك أنها سببت -في فترات معينة من تاريخ العالم الاقتصادي- ضياع ثروات ضخمة في وقت قصير، بينما سببت غنى للآخرين دون جهد.

ولذلك كله، فإن مجلس المجمع الفقهي الإسلامي، بعد اطلاعه على حقيقة سوق الأوراق المالية والبضائع (البورصة) وما يجري فيها من عقود عاجلة وآجلة على الأسهم وسندات القروض والبضائع والعملات الورقية ومناقشتها في ضوء أحكام الشريعة الإسلامية يقرر ما يلي:

أولاً: أن غاية السوق المالية (البورصة) هي إيجاد سوق مستمرة ودائمة يتلاقي فيها العرض والطلب والمتعاملون بيعاً وشراء، وهذا أمر جيد ومفيد، ويمنع استغلال المحترفين للغافلين.

ولكن هذه المصلحة الواضحة يواكبها في الأسواق المذكورة (البورصة) أنواع من الصفقات المحضورة شرعاً والمقامرة والاستغلال وأكل أموال الناس بالباطل.

ولذلك لا يمكن إعطاء حكم شرعي عام بشأنها؛ بل يجب بيان حكم المعاملات التي تجري فيها، كل واحدة منها على حدة.

ثانياً: أن العقود العاجلة على السلع الحاضرة الموجودة في ملك البائع التي يجري فيها القبض ـ فيما يشترط له القبض في مجلس العقد شرعاً ـ هي عقود جائزة، ما لم تكن عقوداً على مُحَرَّم شرعاً، أما إذا لم يكن المبيع في ملك البائع، فيجب أن تتوافر فيه شروط بيع السلم.

ثالثاً: أن العقود العاجلة على أسهم الشركات والمؤسسات حيث تكون تلك الأسهم في ملك البائع جائزة شرعاً، ما لم تكن تلك الشركات أو المؤسسات موضوع تعاملها مُحَرَّم شرعاً كشركات البنوك الربويَّة وشركات الخمور، فحينئذ يحرم التعاقد في أسهمها بيعاً وشراءً.

رابعاً: أن العقود العاجلة والآجلة على سندات القروض بفائدة، بمختلف أنواعها غير جائزة شرعاً، لأنها معاملات تجري بالربا المُحَرَّم.

خامسا: أن العقود الآجلة بأنواعها، التي تجري على المكشوف، أي على الأسهم والسلع التي ليست في ملك البائع، بالكيفية التي تجري في السوق المالية (البورصة) غير جائزة شرعاً؛ لما صح عن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه قال: ((لا تبع ما ليس عندك))، وكذلك ما رواه الإمام أحمد وأبو داود بإسناد صحيح عن زيد بن ثابت ـ رضي الله عنهم ـ: ((أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ نهى أن تُبَاع السلع حيث تبتاع حتى يحوزها التجار إلى رحالهم)).

سادساً: ليست العقود الآجلة في السوق المالية (البورصة) من قبيل بيع السَّلَم الجائز في الشريعة الإسلامية، وذلك للفرق بينهما من وجهين:
أ- في السوق المالية (البورصة) لا يدفع الثمن في العقود الآجلة في مجلس العقد.
ب- في السوق المالية (البورصة) تُباع السلعة المتعاقَد عليها وهي في ذمة البائع الأول". اهـ.
هذا؛ والله تعالى أعلم.

خالد عبد المنعم الرفاعي

يعمل مفتيًا ومستشارًا شرعيًّا بموقع الألوكة، وموقع طريق الإسلام

  • 2
  • 0
  • 30,516

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً