حكم التيمم في الحافلة خوفًا من فوات الوقت
هل يَجوز للمسافر التيمُّم في الحافلة إذا دخل وقتُ صلاةِ الفَجْرِ؟ علمًا أنَّه بقي ساعتانِ على الوصول إلى المنزل.
الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومَن والاه، أمَّا بعدُ:
فالمسافر لا يجوز له أن يتيمَّم إلا إذا عَدِم الماءَ، لقوله تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً} الآية [النساء: 43]، ولا يكونُ الشخص عادمًا للماء حقيقةً إلا عِنْدَما يكونُ قد بذَلَ كُلَّ ما في وُسْعِه لتحصيلِه وطلبه فعجز عن ذلك.
وقد أوجب الحنفيَّةُ طلَبَ الماء إلى أربَعِمائةِ خُطوةٍ إن ظنَّ قُربه من الماء مع الأمن، وذهب الشَّافعيَّة إلى أنَّه إن تيقَّن فقْدَ الماءِ حولَه تيمَّم بلا طلب، أمَّا إذا تيقَّن وجودَ الماء حوله طلبه في حدِّ القُرب وهو نصفُ فرسخٍ أو ستَّة آلاف خطوة بشرط أن يأمَن على نفسه وماله وألا ينقطع عن الرّفقة، وقال المالكيَّة: إذا تيقَّن أو ظنَّ الماءَ طلبه لأقلَّ من ميليْنِ.
ولا يَخفى أنَّ التَّحديد بالخطوات أوِ الأميال لا دليلَ عليْهِ، والصَّحيح أنَّه يطلبُه فيما قرب منه عادةً، وقد فصَّل ابن قدامة الحنبلي في صفة طلب الماء فقال في "المغني": "أن يطلب في رحله، ثم إن رأى خضرة أو شيئًا يدلُّ على الماء قصده فاستبرأه، وإن كان بقربه ربوةٌ أو شيء قائم أتاه وطلب عنده، وإن لم يكن نَظَرَ أمامَهُ ووراءَه، وعن يَمينِه ويساره، وإن كانتْ له رُفقة يدِلُّ عليْهِم طلبَ منهم ، وإن وَجَدَ من له خبرةٌ بالمكان سأله عن مياهه، فإن لم يجد فهو عادم.
وإن دُلَّ على ماءٍ لزِمه قصدُه إن كان قريبًا، ما لم يَخَفْ على نفسه أو ماله، أو يَخْشَ فواتَ رُفْقَتِه، ولم يفُتِ الوقت، وهذا مذهب الشافعي". انتهى.
وعليه؛ فمَن دخل عليه وقتُ صلاة –الفجر أو غيرها- وهو على سفرٍ داخِلَ الحافلة، يَطْلُب منَ السائِقِ التَّوقُّف لِلصلاة ليتمكَّن من إقامة الصلاة فيأتي بِشروطها وأركانِها وواجباتِها، فإن تعذَّر أو رفَضَ السائق أو ما شابه، فلا يخرج عن حالين:
الأولى: أن يتيقَّن أو يغلبَ على ظنِّه وصولُه قبل خروج وقت الصلاة بِمُدَّة يتمكَّن فيها من أداء الصلاة، فيتعيَّن عليه تأخير الصلاة.
الثانية: أن يتيقَّن أو يغلبَ على ظنِّه خروج الوقت قبل الوصول، ففي تلك الحال يجب عليه الصلاة في الوقت داخل الحافلة، ويأتِي من الشروط كالوضوء والأركان كالقيام والركوع والسجود وغيرها ما يقدر عليه، فإن حال بينه وبين إتْمامِها حائلٌ سقَطَ عنه للعُذْرِ؛لقوله تعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة: 286] وقال تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن: 16] وقال: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ} [الحج: 78] وقال صلى الله عليه وسلم: "وإذا أمرْتُكم بأمرٍ فأتوا منه ما استطعْتُمْ" (متَّفق عليه).
ومنَ القواعد الأصوليَّة أنَّ المشقَّة تَجلبُ التيسير.
وعليه؛ فإن كان مع المسافر في الحافلة ماءٌ توضَّأ به، وإن عُدِمَه سألَ الرُّفقة التي معه، أو ينزول من الحافلة -إن أمكن ذلك- ويبَحْث في الأماكن القريبة منها، فإن تعذَّر كل هذا تيمَّم -ما دام يَخشى فوات وقْتِ الفجر- حِفاظًا على الوقت الذي هو أمكنُ شروطِ الصلاة كما حقَّقه شيخُ الإسلام ابن تيمية حيث قال: "فإنَّ الأصول متَّفقة على أنَّه متى دار الأمر بين الإخلالِ بوقت العبادة والإخلال بِبَعْضِ شُروطها وأركانِها كان الإخلال بذلك أولى؛ كالصلاة فإنَّ المصلِّي لو أمكنه أن يصلِّي قبلَ الوقت بطهارةٍ وستارة مستقبِل القِبلة مجتنِب النَّجاسة، ولم يُمكنه ذلك في الوقت فإنَّه يَفْعَلُها في الوقت على الوجه المُمْكِن ولا يفعلها قبله بالكتاب والسنة والإجماع، وكذلك أيضًا لا يؤخِّر العبادةَ عنِ الوقت بل يَفْعَلُها فيه بِحسب الإمكان" اهـ.
وقال أيضًا: "أصول الشريعة مبنيَّة على أنَّ ما عجز عنه العبدُ من شروط العبادات يَسقُطُ عنه، كما لو عجَزَ المُصلِّي عن ستر العورة واستقبالِ القبلة أو تَجنُّب النَّجاسة"،، والله أعلم.
- التصنيف:
- المصدر: