معنى سبحان الله
أريد منكم أن أعرف وأفهم معنَى سُبْحَان الله، فالذي أفهمه: معنى سبحان الله يعنى تنزيه الله من النَّقْصِ والعَيْبِ، لكني سَمعْتُ ورأيتُ في النت أن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول يعني معنى سبحان الله: تنزيه الله من السُّوء، ماذا يقْصِدُ الرَّسول صلى الله عليه وسلم بكلمة السوء؟ هل يقصد السُّوء يعني النَّقص؟ أرجوكم تجيبوني بالتَّفصيل لأني متحيِّر جدًّا، ولا أعرف ولا أفهم معنَى سُبحان الله، والذي أفهمه: السوء يعني إذا واحدٌ يقول: فلانٌ شخصٌ عنده سوء يعني هو ظالِمٌ و.. وإلى آخره.
الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومَن والاه، أمَّا بعدُ:
فتَسبيحُ اللَّه أصلٌ عظيمٌ من أصولِ التَّوحيد، ورُكنٌ أساسيٌّ من أركان الإيمان بالله عزَّ وجلَّ وإثبات الأسماء الحُسنَى والصِّفات العُلى، وذكر عظيمٌ لِله تعالى لا يصلُح لغيره.
والتَّسبيح تبرئة اللهِ من السُّوءِ، وتَنْزِيهُهُ عَنْ كُلِّ ما لا يَنْبَغِي أَنْ يُوصَفَ به، وليس معنَى هذا أنَّه عدَمٌ مَحض ولا يتضمَّن مدحًا، بل إنَّه متضمِّن لكمالِ ضدِّ المنفيّ الذي ينزَّه اللهُ عنه.
قال شيخ الإسلام ابْنُ تيمية في "مجموع الفتاوى": "الأمْرُ بِتَسبيحِه يقتضي أيضًا تنزيهَه عن كُلِّ عيبٍ وسُوء وإثباتَ صفاتِ الكَمال له؛ فإنَّ التَّسبيحَ يقتضي التنزيهَ والتَّعظيمَ، والتَّعظيمُ يَستلزِمُ إثباتَ المَحامِد التي يُحمَد عليها، فيقتضي ذلك تنزيهَه وتَحميدَه وتكبيرَه وتوحيدَه.
قال ابنُ أبي حاتم: حدَّثنا أبي ثنا ابن نفيل الحرَّاني ثنا النَّضر ابن عربي قال: سأل رجلٌ ميمونَ بْنَ مهران عن "سبحان الله" فقال: "اسم يعظَّم اللهُ به ويُحاشَى بهِ من السّوء".
وقال: حدَّثنا أبو سعيد الأشج ثنا حفص بن غياث عن حجاجٍ عن ابْنِ أبي مليكة عن ابنِ عبَّاس قال: "سبحان" قال: تنزيهُ اللهِ نفسَه من السُّوء ...
وقد جاء عن غير واحدٍ من السَّلف، مثل قول ابنِ عبَّاس: "إنه تنزيهُ نفسِه من السوء"، ورُوِي في ذلك حديثٌ مُرسلٌ وهو يقتضي تنزيهَ نفسِه من فِعْلِ السَّيِّئات، كما يَقتَضِي تنزيهَه عن الصِّفاتِ المَذمومة، ونفيُ النَّقائصِ يَقتضي ثُبوت صِفات الكَمال وفيها التعظيم كما قال ميمون بن مهران: "اسم يعظَّم الله به ويُحاشَى به من السوء".
وروى عبدُ بن حُميد: حدثنا أبو نعيم ثنا سفيان عن عثمان بن عبدالله بن موهب عن موسى بن طلحة قال: سُئِلَ النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلم عن التَّسبيحِ فقال: "إنزاهُه عن السُّوء"". اهـ.
وقال في "منهاج السنة النبوية": "وهذا أصل مستمرّ وهو أنَّ العدم المَحْضَ الذي لا يتضمَّن ثبوتًا: لا مَدْحَ فيه ولا كمال؛ فلا يَمْدَح الرَّبُّ نفسَه به بل ولا يَصِفُ نفسَه به، وإنَّما يصِفُها بالنَّفي المتضمِّن معنى ثبوتٍ؛ كقوله: {لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ}، وقولِه: {مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِندَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ}، وقولِه: {وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاءَ}، وقولِه: {وَلاَ يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ العَلِيُّ العَظِيمُ} [البقرة: 255]، وقولِه: {لاَ يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَوَاتِ وَلاَ فِي الأَرْضِ} [سبأ: 3]، وقوله: {وَمَا مَسَّنَا مِن لُّغُوبٍ} [ق: 38]، ونحو ذلك من القضايا السلبيَّة التي يصِفُ الرَّبُّ تَعالى بِها نفسَه، وأنَّها تتضمَّن اتِّصافَه بصفاتِ الكمال الثُّبوتيَّة مثل كمال حياته وقيوميَّتِه ومُلكه وقُدرته وعِلمه وهِدايته وانفِراده بالرُّبوبية والإلهيَّة ونَحو ذلك، وكل ما يُوصَف به العدم المحض فلا يَكونُ إلا عدما مَحضًا، ومعلومٌ أنَّ العدم المحْض يُقالُ فيه إنَّه لا يُرى فعُلِمَ أنَّ نَفي الرُّؤية عدمٌ مَحض، ولا يُقال في العدم المحض لا يُدْرَك وإنَّما يُقال هذا فيما لا يدرك لعَظَمَتِه لا لعدمه، وإذا كان المنفي هو الإدراك فهو سبحانه وتعالى لا يُحاط به".
وقال ابن القيّم في "حادي الأرواح": "وإنَّما يُمدح الرَّبُّ تبارك وتعالى بالعدم إذا تضمَّن أمرًا وجوديًّا؛ كتمدُّحه بنفْيِ السِّنَة والنَّوم المتضمِّن كمال القيوميَّة، ونفْيِ الموتِ المتضمِّن كمالَ الحياة، ونفْيِ اللغوب والإعياءِ المتضمِّن كمال القُدرة، ونفْيِ الشَّريك والصَّاحبة والولَدِ والظَّهير المتضمِّن كمال ربوبيَّته وإلهيتة وقَهْره، ونفْيِ الأكْلِ والشُّرب المتضمِّن كمالَ الصَّمديَّة وغِناه، ونفْيِ الشَّفاعة عنده بدونِ إذْنِه المتضمِّن كمال توحيدِه وغناه عن خلْقِه، ونَفْيِ الظُّلم المتضمِّن كمالَ عدله وعلمه وغناه، ونفْيِ النِّسيانِ وعُزوبِ شيءٍ عن عِلْمِه المتضمِّن كمالَ عِلْمِه وإحاطَتِه، ونَفْيِ المِثْلِ المتضمِّن لكمال ذاتِه وصفاتِه، ولهذا لم يتمدَّح بعدمٍ مَحضٍ لا يتضمَّن أمرًا ثبوتيًّا، كما كان المعنى في قوله: {وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبِّكَ مِن مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ} [يونس: 61] أنَّه يعلم كل شيء، وفي قوله: {وَمَا مَسَّنَا مِن لُّغُوبٍ} [ق: 38] أنَّه كامل القدرة، وفي قوله: {وَلاَ يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً} [الكهف: 49] أنَّه كامل العدل، وفي قوله: {لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ} [البقرة: 255] أنَّه كاملُ القيّوميَّة".
وما ذكرناه هو معنَى التَّسبيح عند أهْلِ السُّنَّة والجماعة، أمَّا التَّسبيحُ عند الفِرق الضالة كالمعتزلة والأشاعرة ومَن لفَّ لفَّهم وضلَّ ضلالَهم فعَدَمٌ ونَفْيٌ مَحض، بلْ وتَستلْزِمُ عندَهُم تحريفًا وتعطيلاً وإنكارَ صفاتِه وجَحْدِها، فعلى قولهم الباطل يكون التَّسبيح غيْر مَحمود بل يُذمُّ غايةَ الذَّمِّ -تعالى الله عما يقولون علوا عظيما- فالتَّسبيحِ عندهم إنكارٌ وجحودٌ وضلالٌ ومُباهتة.
وقال ابن رجب في معنى التسبيح: "سبِّحه بِما حمِد به نفسَه، إذْ ليس كلُّ تسبيح بِمحمود، كما أنَّ تسبيح المعتزلة يقتضي تعطيلَ كثيرٍ من الصِّفات" اهـ.
وقال ابن القيم في "حادي الأرواح": "فلو أَرِيدَ بها نفْيُ الصِّفات لكان العدم المَحض أوْلَى بِهذا المدحِ منه، مع أنَّ جَميع العُقلاءِ إنَّما يفهمونَ من قَوْلِ القَائل: فلان لا مثلَ له، وليس له نظيرٌ ولا شبيهٌ ولا مثل: أنَّه قد تميَّز عن النَّاس بأوصافٍ ونعوتٍ لا يُشاركونه فيها، وكلَّما كثُرتْ أوصافُه ونعوتُه فاتَ أمثالَه، وبعُدَ عن مشابَهة أضرابِه؛ فقولُه: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى: 11] مِن أدلِّ شيءٍ على كثرةِ نُعوتِه وصِفاته، وقولُه: {لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ} [الأنعام: 103]" اهـ.
هذا؛ ومعنى التَّسبيح في اللغة دائرٌ على ما ذكرْنا؛ قال سيبويه في "الكتاب": زَعَمَ أبو الخطَّاب أنَّ "سبحان الله" كقولِك: براءة الله من السوء، كأنَّه يقول: "أبرئ" براءة الله من السُّوء، وزعم أنَّ مِثْلَه قول الشَّاعر، وهو الأعْشَى:
وقال ابْنُ فارس في "مقاييس اللغة": "العرب تقول: سبحان مِن كذا، أي ما أبعدَه"،، والله أعلم.
- التصنيف:
- المصدر: