حكم الميراث إذا لم يقسم وقام أحد الأبناء على استثماره

منذ 2012-07-10
السؤال:

توفّي الوالد منذ 38 سنة يعني سنة 1970 وترك لأمي 5 بنات وثلاث أبناء وكان أكبرُهم سنًّا يبلغ 16 سنة، وقد ترك لنا محلا تِجاريًّا نعيش منه.

فكانت أمي تشتَغِل به بِمساعدة أخي الذي كان يبلُغ من العمر 12 سنة حتى حدود عام 1980 حيث استلم أخي المحلَّ التجاريَّ وأصبح يشتغل بدون أمي التي فضَّلت المكوثَ في المنزل لرعاية العائلة وتدبير شؤون أبنائها.

وقدِ استمرَّ الأخُ يشتغِل في المحلّ ويُساعِد العائلة في النَّفقة حتَّى كبر الكلّ وتزوَّجوا.

وخلال هذه المدة يعني ما بين 1970 و 2008 نَمَتْ وازدَهَرَتِ التّجارة, فاشتَرَى مَحلَّيْنِ تِجاريين واشترى أرضًا بنَى فيها منزلاً، والمدَّة التي كان أخي يَجني فيها الأرباح من التّجارة كانت طويلةً جدًّا تقارب 28 سنة ولَم يكن يقسم تلك الأرباح معَنا لأنَّه يقول بأنَّنا لسنا بِحاجة إليها.

ومنذُ فترة قصيرة نشَب خصامٌ عائليّ بينَه وبيْن باقي الإخوة وكانتْ أمّي في الواجهة، لقدْ طالبوه بِحقّهم في الميراث واستِغْلالِه للمحلّ التّجاري منذ 38 سنة، وكذا الأرباح التي جناها خِلال هاتِه السّنوات.

وقد وافق أن يُعْطيهم حقَّهم في المحلّ التّجاري الذي ترك الوالد ورفض أن يعطيَهم أرباح التّجارة للمدَّة المُشار إليْها بدعوى أنَّهم لَم يكونوا يَشتغِلون في المحلّ عندما استَلَمَه من الوالِدة الَّتي مازالت على قيد الحياة وتسكُن معه في المنزل الذي وَلِدْنا وترعرَعْنا فيه.

سؤالي: ما حُكم الشَّرع في هذه القضيَّة؟ وهل يَجوزُ لنا بأن نُطالِب بِحقّنا في المحلاَّت التّجاريَّة الَّتي اشتراها أخونا لاحقًا وكذا المنزِل الَّذي بناه لصالحه ثُمَّ ماذا عن الأرباح الَّتي تراكمتْ خِلالَ 28 سنة، هل لنا فيها الحق؟

الإجابة:

الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومَن والاه، أمَّا بعدُ:

فإذا كان الحالُ كما تقول؛ أنَّ الوالدَ ترك محلاًّ تِجاريًّا وأنَّ أحدَ الإخوة قد عمِل به منذُ الوفاة حتَّى الآن، وأنَّه اشترى من الأرباح مَحلَّيْنِ آخرَيْنِ وأرضًا بنَى عليْها منزلاً -: فإن كلُّ هذا داخلٌ في الميراث ولكنْ بعد إعطاء هذا الأخ الَّذي أدار التّجارة أُجرةَ المِثْل على تلك المدَّةِ الَّتي أمضاها، فإن كان هو بالفعل قد أخَذَ أُجْرَته على تِلْكَ الفترةِ فبِهَا ونِعْمَت، وإن كان بقِيَتْ له بقيَّة يأخذها ثُمَّ يدخل ما دون ذلك في المِيراث بِما فيه المحلاَّن وقِطْعة الأرض إن كان اشتَراهم من ريع مَحلّ الوالد - كما هو الظاهر من السؤال- وأمَّا إن كان اشتَراهم من مالِه الخاصّ به فلا تَدْخُل في الميراث.

فالتِّجارةُ الَّتِي مارسَها أخُوكم أَصْلُها وما تفرَّع عنها من زيادةٍ ونَماءٍ داخلةٌ في المِيراث، وليْسَ للأخ إلا أُجْرة مِثْله وتُقَدَّر تِلْكَ الأُجْرة حسَبَ الزَّمان والمكان.

وإن كان عمل في مال الورثة متبرعا فلا أجرة له حينئذ، وإن كان عمل على أنَّه شريك فلَهُ حقّ الشَّريك، وإن اختلفتم في التَّوصيف فيُحْكَم بالعرف السائد في بلدكم.

وإنَّ كان الظَّاهر من السّؤال أنَّ الأخَ لم يدخُل في تِجارة الوالِد الَّتي آلتْ لِلورثة على أنَّه شريك، وإنَّما جَمع بيْن التَّبرُّع والإجارة.

ثم يُقسم ما بقيَ بقَدْرِ نصيبِهم الشَّرعي: فتُعطى الأمّ الثُّمُن لوجودِ الفَرْعِ الوارث، ويقسم الباقي على أحَدَ عَشَرَ سهمًا؛ تأخُذُ البِنْتُ سهمًا واحدًا والذَّكر سهميْن.

هذا؛ ونُنبّه السَّائلَ الكريم إلى خطرة شأْنِ التَّركات وتشعّبه، ولذلك فننصحُه بِرَفْعِ الأمر للمحكمة الشَّرعيّة في بلدك إن وجد، فإن لم يُوجدْ فلترجع لأهل العِلْم عندك، وليَحْذر كل منكم الجورَ على حقّ أخيه؛ ففي الصَّحيحَيْنِ عن أُمّ سلمة رضي الله عنْها أنَّ رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم سمِع خصومةً ببابِ حُجْرَته، فخرج إليهم، فقال: "إنَّما أنا بشر وإنَّه يأتيني الخصم، فلعلَّ بعضَكم أن يكونَ أبلغَ من بعض، فأحسب أنَّه صدق، فأقضِي له بذلك، فمَنْ قضيْتُ له بحقّ مُسلم فإنَّما هي قطعةٌ من النَّار، فليأخذها أو فليتركها".

وقال صلَّى الله عليه وسلَّم: "مَن أخَذَ شِبْرًا من الأرض ظُلْمًا، فإنَّه يُطَوَّقُه يومَ القيامة من سبع أَرَضينَ" (متَّفقٌ عليْه من حديث سعيد بن زيد)،، والله أعلم.

خالد عبد المنعم الرفاعي

يعمل مفتيًا ومستشارًا شرعيًّا بموقع الألوكة، وموقع طريق الإسلام

  • 37
  • 2
  • 239,447

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً