وقت الإفطار في الجزائر
فضيلةَ الشيخ، نحن في الجزائر، أذانُ الإفطار مُتَأَخِّر، ليس في أول الوقت؛ أي: عند الغُرُوب مباشرة، بل يُؤَخِّرُونه، وكما هو معلوم أنَّ هذا مخالِفٌ للشَّرْع، فهل للإنسان أن يُفْطر وحدَه، أو يفطر مع الأذان؟ وما هي علاماتُ الغروبِ بالضَّبط؟ وإذا كان الإنسان لا يعرف أن يُحَدِّدَ وقت غروب الشمس بالضَّبط، فهل له أن يفطر مع الأذان رغم أنه مُتأخِّر؟
الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومَن والاه، أمَّا بعدُ:
فإنَّ وقتَ الإمساك للصائم ينتهي بِغُروب الشمس؛ أي: غَيْبتها عن أهل الأرض في تلك البلاد، ولو كانت طالِعةً على مَن بعدهم، ومِن علاماتها: ظُهُور السَّوَاد من جهة المشرق؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا أَقْبل الليل مِن ها هنا، وأَدْبر النهار من ها هنا، وغربتِ الشمس - فقد أفطر الصائم" (متفق عليه)، وعن عبدالله بن أبي أَوْفَى رضي الله عنه قال: "كنَّا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سَفَر، وهو صائم، فلمَّا غربتِ الشمس، قال لبعض القوم: يا فُلانُ، قُمْ، فاجْدَح لنا، فقال: يا رسول الله، لو أمسيتَ، قال: انزل، فاجْدَح لنا، قال: يا رسول الله، لو أمسيت، قال: انزل، فاجْدَح لنا، قال: إنّ عليك نهارًا، قال: انزل، فاجْدَح لنا، فنزل، فجَدَح لهم، فشرب النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال: إذا رَأَيْتُمُ الليل قد أَقْبل من ها هنا، فقد أفطر الصائم".
وروى البخاري ومسلم، عَنْ سَهْل بن سَعْدٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "لا يَزَالُ النَّاسُ بِخَيْرٍ مَا عَجَّلُوا الْفِطْرَ"، قال النووي: "فِيهِ الحَثُّ عَلَى تَعْجِيله بَعْد تَحَقُّقِ غُرُوبِ الشَّمْسِ، وَمَعْنَاهُ: لا يَزَال أَمْر الأُمَّة مُنْتَظِمًا، وَهُمْ بِخَيْرٍ مَا دَامُوا مُحَافِظِينَ عَلَى هَذِهِ السُّنَّة، وَإِذَا أَخَّرُوهُ كَانَ ذَلِكَ عَلامَةً عَلَى فَسَادٍ يَقَعُونَ فِيهِ"اهـ.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: "في الحديث استحبابُ تعجيل الفِطْر، وأنه لا يجب إمساك جزء منَ اللَّيل مطلقًا؛ بل متى تَحَقَّقَ غُرُوب الشمس حَلَّ الفطر...وَقَدْ رَوَى ابْن حِبَّانَ وَالْحَاكِم، من حديث سَهْل أيضًا، بِلَفْظِ: "لَا تَزَالُ أُمَّتِي عَلَى سُنَّتِي، مَا لَمْ تَنْتَظِرْ بِفِطْرِهَا النُّجُومَ"، وفيه بَيَانُ العِلَّة في ذلك، قَالَ المُهَلَّبُ: وَالحِكْمَةُ فِي ذَلِكَ أَنْ لَا يُزَادَ فِي النَّهَار مِنَ اللَّيْل، وَلِأَنَّهُ أَرْفَقُ بِالصَّائِمِ، وَأَقْوَى لَهُ عَلَى العِبَادَة، وَاتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ مَحَلَّ ذَلِكَ إِذَا تَحَقَّقَ غُرُوب الشَّمْس بِالرُّؤْيَةِ أَوْ بِإِخْبَارِ عَدْلَيْنِ، وَكَذَا عَدْلٍ وَاحِد فِي الْأَرْجَح، قَالَ ابن دَقِيق العِيد: فِي هَذَا الْحَدِيث رَدٌّ عَلَى الشِّيعَةِ فِي تَأْخِيرهمْ الْفِطْرَ إِلَى ظُهُور النُّجُوم؛ وَلَعَلَّ هَذَا هُوَ السَّبَب فِي وُجُودِ الخَيْر بِتَعْجِيلِ الفِطْر؛ لِأَنَّ الَّذِي يُؤَخِّرُهُ يَدْخُل فِي فِعْلٍ خِلَاف السُّنَّةِ".اهـ.
قال ابن حزم في "المُحَلَّى" (4/380): "وَمِنَ السُّنَّةِ: تَعْجِيلُ الْفِطْرِ، وَتَأْخِيرُ السُّحُورِ، وَإِنَّمَا هُوَ مَغِيبُ الشَّمْسِ عَنْ أُفُقِ الصَّائِمِ، وَلا مَزِيد".اهـ.
قال الحَطَّاب في "مواهب الجليل": "وقال ابن بشير: ووقتُ المغربِ إذا غاب قرص الشمس بمَوْضِعٍ لا جبالَ فيه، فأما موضعٌ تَغْرب فيه خلفَ جبالٍ، فيُنْظَر إلى جهة المشرق، فإذا طلعت الظُلْمة، كان دليلاً على مغيب الشمس".اهـ.
وعليه؛ فمتى تَحَقَّق الشَّخص مِن غيابِ قُرص الشمس كلِّه، بموضعٍ ليس فيه ما يحول دون رؤيتها من جبل ونحوه، فله الفطر، سواءٌ أَذَّن المؤذن أم لا، وفي حال وجود ما يمنع رؤيتها، فالمعتبَر إقبالُ الظُّلمة من جهة المشرق، أما إذا عجزتَ عن معرفة وقت الغروب، فالواجب عليك الاستعانةُ بمَن عنده خِبْرةٌ بمعرفة الأوقات بِعَلاماتها الكونيَّة، أوِ اتِّباع مُؤَذِّنٍ عَدْلٍ عارفٍ بالأوقات الصَّحيحة،، والله أعلم.
- التصنيف:
- المصدر: