الأكل المباح في بلاد الغرب

منذ 2012-12-06
السؤال:

أنا طالبة مقيمة في فرنسا، يوجد هنا في بعْض المأكولات مكوّنات لا تُعرِّف الشَّركات عن مصدرها، إن كان حيوانيًّا أم نباتيًّا؛ مثلاً كالمادَّة الدهنيَّة E570، التي تكون تارة نباتيَّة وأخرى حيوانيَّة، أيضًا في الحمضيَّات E334، الَّذي غالبًا ما يكون مستخرجًا من الخمر، أو بعض الملوّنات كـE101، الذي يكون إمَّا نباتيًّا أو مستخْلَصًا من كبِد الخنزير - أعزَّكم الله.

فما قول الشَّرع في ذلك؟ علمًا أنَّ هذه الموادَّ يُمكن الاستِغْناء عنْها دون إلْحاق أيِّ ضررٍ بالجِسم، فشخصيًّا لا أستعْمِلها إلاَّ إذا ما اتَّصلتُ بالشَّركة للتَّأكُّد من مصْدرها؛ إذ إنَّ الله - سبحانه وتعالى - منَّ عليَّ بدراسة الكيمياء، وأظنُّ - وإنَّ الظَّنَّ لا يُغني من الحقِّ شيئًا - أنَّها أقْرب إلى الحرام منها إلى الحلال، إلاَّ أنَّ بعض الأخوات يستهلِكْنَها دون تردُّد؛ بِحُجَّة عدم تَحديد المصدر.

فما قول الشرع؟ وماذا عن أكْل الحشَرات أو مستخلصاتِها؟

الإجابة:

الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومَن والاه، أمَّا بعدُ:

فإنَّ الأصْلَ في المأكولات الحلُّ؛ إلاَّ ما دلَّ الدَّليل على تَحريمه، أو كان شيئًا أصلُه الحُرمة -كالذبائح- وطرأ عليْه شُبهة معْتَبَرة؛ فإنَّها تُحرِّمه.

والأطْعِمة الموجودة في عصْرِنا: بعضها واضحُ الحرمة؛ كالميْتة ولحم الخِنْزير، وبعضها حلالٌ لا يدخُل فيه أيُّ محرَّم، وبعضُها قد يدْخُل فيها مركَّبات ومشتقَّات من المحرَّمات، لا بدَّ من معرِفَتها؛ للتوصُّل إلى حُكْمِها.

والموادُّ المذْكورة في السُّؤال، إن ثبت أنَّه يدخُل في تركيبها شيءٌ من المحرَّم، فإنَّه يجب اجتِنابها، وإن ثبت عدم وجود محرَّم، فلا شيْءَ فيها، أمَّا المشْكوك فيه، فالأوْلى ترْكُه؛ ورعًا وإبراءً للذِّمَّة؛ كما جاء في حَدِيث النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رضِي اللهُ عنْهُ قالَ: سَمِعْتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ علَيْه وسلَّم يَقولُ -وأهْوَى النُّعْمانُ بإصْبَعَيْهِ إلى أُذُنَيْه-: "إنَّ الحَلالَ بَيِّنٌ، وإنَّ الحَرامَ بَيِّنٌ، وبيْنَهُما مُشْتَبِهَاتٌ لا يَعْلَمُهُنَّ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، فمَنِ اتَّقَى الشُّبُهاتِ، اسْتَبْرَأ لِدِينِه وَعِرْضِه، ومَنْ وَقَعَ في الشُّبُهَاتِ، وقَعَ في الحَرامِ؛ كَالرَّاعي يَرْعَى حَوْلَ الحِمى يُوشِكُ أنْ يَرْتَعَ فِيه، ألا وإنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى، ألا وإنَّ حِمَى اللهِ مَحَارِمُه، ألا وإنَّ في الجَسَدِ مُضْغَةً، إذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الجَسَدُ كُلُّه، وإذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الجَسَدُ كُلُّه، ألا وَهِيَ القَلبُ" (رواه البخاري ومسلم).

ولِعموم قوْلِ النَّبيِّ صلَّى الله عليْه وسلَّم: "دَعْ ما يَريبُك إلى ما لا يَريبك" (رواه أحْمد والنَّسائي).

وأخرج البخاري ومسلم عن عدي بن حاتم رضي الله عنه قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا أرسلت كلبك فاذكر اسم الله فإن أمسك عليك فأدركته حيًا فاذبحه وإن أدركته قد قتل ولم يأكل منه فكله وإن وجدت مع كلبك كلبًا غيره وقد قتل فلا تأكل فإنك لا تدري أيهما قتله وإن رميت سهمك فاذكر اسم الله فإن غاب عنك يومًا فلم تجد فيه إلا أثر سهمك فكل إن شئت وإن وجدته غريقًا في الماء فلا تأكل".

وعليه؛ فإذا كانتْ هذه العلامات تعْني إمكانيَّة وجودِ موادَّ محرَّمة؛ كالخمْر أو الخنزير، فيَجب ترْكُها؛ لأنَّ ترْك الحرام والاستِبْراء للدِّين والعِرْض لا يتحقق إلا بتجنُّب الجميع؛ ولأنَّ ما لا يتمُّ ترْك الحرام إلاَّ بتركِه فترْكُه واجب؛ كما هو مقرَّر، والمسلم ينبغي أن يتحرَّى في طعامِه الحلال الطيِّب، وأن يتجنَّب كلَّ ما فيه ريبة.

قال في "التحبير شرح التحرير": "إنَّ الكفَّ عن المحرَّم واجب، ولا يَحصُل العلم به إلاَّ بالكفِّ عن المباح في الأصْل، وترْك ما لا يتمُّ ترْك الحرام إلا بترْكِه واجب". اهـ.

وفي "فتاوى اللجنة الدَّائمة": إذا تأكَّد المسلم أو غلَب على ظنِّه: أنَّ لَحم الخنزير، أو شَحْمَه، أو مسحوق عظْمِه، دخل منْه شيءٌ في طعام، أو دواءٍ، أو معجون أسنان، أو نحو ذلك - فلا يَجوز له أكْلُه، ولا شرْبُه، ولا الادِّهان به، وما يشك فيه، فإنَّه يدعه؛ لقولِه صلَّى الله عليْه وسلَّم: "دَعْ ما يَريبُك إلى ما لا يَريبُك"، "سنن الترمذي: صفة القيامة والرَّقائق والورَع (2518)"، "سنن النسائي: الأشربة (5711)"، "مسند أحمد بن حنبل (1/200)"، "سُنن الدارمي: البيوع (2532)".

أمَّا أكل الحشرات، فقد تقدَّم حكمُها في فتوى: "حكم أكل الحلزون"، فلتراجع،، والله أعلم.

خالد عبد المنعم الرفاعي

يعمل مفتيًا ومستشارًا شرعيًّا بموقع الألوكة، وموقع طريق الإسلام

  • 0
  • 0
  • 7,586

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً