حكم شبكة الانترنت الموزعة على الغير

منذ 2012-12-13
السؤال:

إني أمتلِكُ شبكة إنترنِت، وهي عبارةٌ عن أجهزة وخطوط، أقوم بتوزيعِها على المشتركين، علمًا بأنَّ المشترِكين هم جيراني وأهل منطقتي، فأريد أن أعرِف حكم مَن يستغلُّ هذه التِّقْنية -وهي الإنترنت– في الاستِخْدام الخاطئ لها، مثلُ الدخول على المواقع الإباحيَّة، فهل من ذنبٍ عليَّ؟ علمًا بأن الأشياءَ لها مُميِّزاتُها وعيوبُها، وتتوقَّف على استخدامِنا لها.

الإجابة:

الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومَن والاه، أمَّا بعدُ:

فإنَّ حُكْمَ توزيع -خدمة- الإنترنت على الأشخاص مَبنِيٌّ على ما يغلِبُ على الظَّنِّ من استِعْمال كلِّ شخص؛ لأنَّ شبكة النت فيها الكثير ممَّا يُحرِّمُه الشَّرع: كغُرف المُحادثة الفرديَّة بين الجِنْسين، والغناء، والموسيقا، والأفلام، فضلاً عن المواقع الإباحيَّة المدمِّرة لشباب الأمَّة، وتنشُر الرذيلةَ والفاحِشَةَ بين المسلمين، وتُجَرِّئُهم على الباطل، وتحبِّبُ إليهمُ المعتقدات والأفكارَ الفاسدةَ المنْحَرفةَ الضالَّة.

وكذلك فيها من المواقع العلميَّة والدعويَّة وغيرها؛ ولذلك يَجب على السَّائل الكريم أن يُحسِن انتقاءَ مَن يُعطيهم تلك الخِدمة؛ حتَّى لا يكون شريكًا لهم في المعْصية، ومِعْولاً لهدْم الأمَّة، فلا يَجوز للمسلم عملُ شيء يُتَمكَّن بسببه من معصية الله؛ قال الله تعالى: {وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [المائدة:2]، وقال سبحانه {وَلاَ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا} [الأعراف: 56].

وقال رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم: "مَن دعا إلى ضلالةٍ، كان عليْه من الإِثْمِ مثلُ آثامِ مَن تَبِعَهُ، لا ينقُص ذلك من آثامِهم شيئًا" (رواه مسلم).

قال الإمام عزُّ الدين بن عبدالسلام في كتابه "قواعد الأحكام": "وإذا اجتمعتْ مصالحُ ومفاسدُ، فإن أمكن تَحصيل المصَالِح ودَرْءِ المفَاسِد، فعَلْنا ذلك؛ امتثالاً لأمر الله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُم} [التغابن: 16]، وإن تَعَذَّر الدَّرْء والتَّحصِيل، فإن كانت المفسدة أعظم من المصلحة، درأْنا المفسدة، ولا نُبالي لِفَوات المصلَحَةِ؛ قال تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا} [البقرة: 219]، حَرَّمَهُمَا لأَنَّ مَفْسَدتَهما أكبرُ من مَنْفَعَتِهما".

وعليه؛ فيجوز توصيل الخدمة لمَن ظاهرُه الصَّلاح، ولا بأس بالتَّعاوُن معه، بخلاف مَنْ يغلب على الظن استعمالها فيما لا يرضي الله تعالى، أو كان ظاهِرُه عدم الكفِّ عن المحرَّمات – فتوصيل الخدمة إليه إثم عظيم؛ لإعانته على معصية الله، وتعدِّي حُدودِه، وننصَحُ الأخ الكريم بالبحْثِ عن عملٍ آخَرح فالأرزاق بيد الله، وهي مُقَدَّرَة سلفاً، ومن ترك شَيئاً لله، عَوَّضَهُ الله خَيراً منه،، والله أعلم.

خالد عبد المنعم الرفاعي

يعمل مفتيًا ومستشارًا شرعيًّا بموقع الألوكة، وموقع طريق الإسلام

  • 17
  • 0
  • 48,205

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً