رسالة في التوسل والوسيلةالجزء الثامن عشر.
منذ 2006-12-01
السؤال: رسالة في التوسل والوسيلةالجزء الثامن عشر.
الإجابة: وأما سؤال الميت فليس بمشروع، لا واجب ولا مستحب، بل ولا مباح، ولم
يفعل هذا قط أحد من الصحابة والتابعين لهم بإحسان، ولا استحب ذلك أحد
من سلف الأمة؛ لأن ذلك فيه مفسدة راجحة وليس فيه مصلحة راجحة،
والشريعة إنما تأمر بالمصالح الخالصة أو الراجحة، وهذا ليس فيه مصلحة
راجحة، بل إما أن يكون مفسدة محضة أو مفسدة راجحة، وكلاهما غير
مشروع.
فقد تبين أن ما فعله النبى صلى الله عليه وسلم من طلب الدعاء من غيره، هو من باب الإحسان إلى الناس، الذى هو واجب أو مستحب.
وكذلك ما أمر به من الصلاة على الجنائز، ومن زيارة قبور المؤمنين والسلام عليهم والدعاء لهم، هو من باب الإحسان إلى الموتى الذى هو واجب أو مستحب، فإن الله تعالى أمر المسلمين بالصلاة والزكاة، فالصلاة حق الحق فى الدنيا والآخرة، والزكاة حق الخلق، فالرسول أمر الناس بالقيام بحقوق الله وحقوق عباده، بأن يعبدوا الله لا يشركوا به شيئا.
ومن عبادته الإحسان إلى الناس، حيث أمرهم الله سبحانه به، كالصلاة على الجنائز وكزيارة قبور المؤمنين، فاستحوذ الشيطان على أتباعه، فجعل قصدهم بذلك الشرك بالخالق وإيذاء المخلوق، فإنهم إذا كانوا إنما يقصدون بزيارة قبور الأنبياء والصالحين سؤالهم أو السؤال عندهم أو أنهم لا يقصدون السلام عليهم ولا الدعاء لهم كما يقصد الصلاة على الجنائز كانوا بذلك مشركين، مؤذين ظالمين لمن يسألونه، وكانوا ظالمين لأنفسهم. فجمعوا بين أنواع الظلم الثلاثة.
فالذى شرعه الله ورسوله توحيد وعدل وإحسان وإخلاص وصلاح للعباد فى المعاش والمعاد، وما لم يشرعه الله ورسوله من العبادات المبتدعة فيه شرك وظلم وإساءة وفساد العباد فى المعاش والمعاد.
فإن الله ـ تعالى ـ أمر المؤمنين بعبادته والإحسان إلى عباده كما قال تعالى: {وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا}[النساء: 36] وهذا أمر بمعالى الأخلاق، وهو ـ سبحانه ـ يحب معالى الأخلاق ويكره سفسافها.
وقد روى عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: " " رواه الحاكم فى صحيحـه، وقـد ثـبت عنـه فى الصحيـح صلى الله عليه وسلم أنه قال: " "، وقال: " "، وهذا ثابت عنه فى الصحيح.
فأين الإحسان إلى عباد الله من إيذائهم بالسؤال والشحاذة لهم ؟ وأين التوحيد للخالق بالرغبة إليه والرجاء له والتوكل عليه والحب له، من الإشراك به بالرغبة إلى المخلوق والرجاء له والتوكل عليه، وأن يُحَبّ كما يحب الله ؟ وأين صلاح العبد فى عبودية الله والذل له والافتقار إليه من فساده فى عبودية المخلوق والذل له والافتقار إليه ؟.
فالرسول صلى الله عليه وسلم أمر بتلك الأنواع الثلاثة الفاضلة المحمودة التى تصلح أمور أصحابها فى الدنيا والآخرة، ونهى عن الأنواع الثلاثة التى تفسد أمور أصحابها.
ولكن الشيطان يأمر بخلاف ما يأمر به الرسول، قال تعالى: {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَن لَّا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ وَأَنْ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنكُمْ جِبِلًّا كَثِيرًا أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ}[يس: 60: 62]، وقال تعالى: {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلاَّ مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ}[الحجر: 42]، وقال تعالى: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُم بِهِ مُشْرِكُونَ}[النحل: 98: 100]، وقال تعالى: {وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ}[الزخرف: 36- 37].
وذكر الرحمن هو الذكر الذى أنزل الله على رسوله الذى قال فيه: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}[الحـجر: 9]، وقـال تعـالى: {قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى}[طه: 123: 126]، وقد قال تعالى: {المص كِتَابٌ أُنزِلَ إِلَيْكَ فَلاَ يَكُن فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِّنْهُ لِتُنذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ اتَّبِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلاَ تَتَّبِعُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ}[الأعراف: 1 ـ 3]، وقد قال تعالى: {كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ اللّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَوَيْلٌ لِّلْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ}[إبراهيم: 1، 2]، وقال تعالى: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُورًا نَّهْدِي بِهِ مَنْ نَّشَاء مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الأمُورُ}[الشورى: 52: 53].
فالصراط المستقيم هو ما بعث الله به رسوله محمدًا صلى الله عليه وسلم بفعل ما أمر، وترك ما حظر، وتصديقه فيما أخبر، ولا طريق إلى الله إلا ذلك، وهذا سبيل أولياء الله المتقين وحزب الله المفلحين وجند الله الغالبين.
وكل ما خالف ذلك فهو من طريق أهل الغى والضلال، وقد نزه الله تعالى نبيه عن هذا وهذا، فقال تعالى: {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى}[النجم: 1 ـ 4]، وقد أمرنا الله سبحانه أن نقول فى صلاتنا: {اهدِنَــــا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ}[الفاتحة: 6، 7].
وقد روى الترمذى وغيره عن عدى بن حاتم، عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال: " " قال الترمذى: حديث صحيح. وقال سفيان بن عيينة: كانوا يقولون: من فسد من علمائنا ففيه شبه من اليهود، ومن فسد من عبّادنا ففيه شبه من النصارى.
وكان غير واحد من السلف يقول: احذروا فتنة العالم الفاجر والعابد الجاهل، فإن فتنتهما فتنة لكل مفتون.
فمن عرف الحق ولم يعمل به أشبه اليهود الذىن قال الله فيهم: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ}[البقرة: 44].
ومن عبد الله بغير علم، بل بالغلو والشرك أشبه النصارى الذين قال الله فيهم: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلاَ تَتَّبِعُواْ أَهْوَاء قَوْمٍ قَدْ ضَلُّواْ مِن قَبْلُ وَأَضَلُّواْ كَثِيرًا وَضَلُّواْ عَن سَوَاء السَّبِيلِ}[المائدة: 77].
فالأول من الغاوين، والثانى من الضالين.
فإن الغى اتباع الهوى، والضلال عدم الهدى. قال تعالى: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِيَ آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَـكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث ذَّلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ}[الأعراف: 175، 176]، وقال تعالى: {سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِن يَرَوْاْ كُلَّ آيَةٍ لاَّ يُؤْمِنُواْ بِهَا وَإِن يَرَوْاْ سَبِيلَ الرُّشْدِ لاَ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً وَإِن يَرَوْاْ سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَكَانُواْ عَنْهَا غَافِلِينَ}[الأعراف: 146].
ومن جمع الضلال والغى ففيه شبه من هؤلاء وهؤلاء. نسأل الله أن يهدينا ـ وسائر إخواننا ـ صراط الذين أنعم عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقًا.
فقد تبين أن ما فعله النبى صلى الله عليه وسلم من طلب الدعاء من غيره، هو من باب الإحسان إلى الناس، الذى هو واجب أو مستحب.
وكذلك ما أمر به من الصلاة على الجنائز، ومن زيارة قبور المؤمنين والسلام عليهم والدعاء لهم، هو من باب الإحسان إلى الموتى الذى هو واجب أو مستحب، فإن الله تعالى أمر المسلمين بالصلاة والزكاة، فالصلاة حق الحق فى الدنيا والآخرة، والزكاة حق الخلق، فالرسول أمر الناس بالقيام بحقوق الله وحقوق عباده، بأن يعبدوا الله لا يشركوا به شيئا.
ومن عبادته الإحسان إلى الناس، حيث أمرهم الله سبحانه به، كالصلاة على الجنائز وكزيارة قبور المؤمنين، فاستحوذ الشيطان على أتباعه، فجعل قصدهم بذلك الشرك بالخالق وإيذاء المخلوق، فإنهم إذا كانوا إنما يقصدون بزيارة قبور الأنبياء والصالحين سؤالهم أو السؤال عندهم أو أنهم لا يقصدون السلام عليهم ولا الدعاء لهم كما يقصد الصلاة على الجنائز كانوا بذلك مشركين، مؤذين ظالمين لمن يسألونه، وكانوا ظالمين لأنفسهم. فجمعوا بين أنواع الظلم الثلاثة.
فالذى شرعه الله ورسوله توحيد وعدل وإحسان وإخلاص وصلاح للعباد فى المعاش والمعاد، وما لم يشرعه الله ورسوله من العبادات المبتدعة فيه شرك وظلم وإساءة وفساد العباد فى المعاش والمعاد.
فإن الله ـ تعالى ـ أمر المؤمنين بعبادته والإحسان إلى عباده كما قال تعالى: {وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا}[النساء: 36] وهذا أمر بمعالى الأخلاق، وهو ـ سبحانه ـ يحب معالى الأخلاق ويكره سفسافها.
وقد روى عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: " " رواه الحاكم فى صحيحـه، وقـد ثـبت عنـه فى الصحيـح صلى الله عليه وسلم أنه قال: " "، وقال: " "، وهذا ثابت عنه فى الصحيح.
فأين الإحسان إلى عباد الله من إيذائهم بالسؤال والشحاذة لهم ؟ وأين التوحيد للخالق بالرغبة إليه والرجاء له والتوكل عليه والحب له، من الإشراك به بالرغبة إلى المخلوق والرجاء له والتوكل عليه، وأن يُحَبّ كما يحب الله ؟ وأين صلاح العبد فى عبودية الله والذل له والافتقار إليه من فساده فى عبودية المخلوق والذل له والافتقار إليه ؟.
فالرسول صلى الله عليه وسلم أمر بتلك الأنواع الثلاثة الفاضلة المحمودة التى تصلح أمور أصحابها فى الدنيا والآخرة، ونهى عن الأنواع الثلاثة التى تفسد أمور أصحابها.
ولكن الشيطان يأمر بخلاف ما يأمر به الرسول، قال تعالى: {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَن لَّا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ وَأَنْ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنكُمْ جِبِلًّا كَثِيرًا أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ}[يس: 60: 62]، وقال تعالى: {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلاَّ مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ}[الحجر: 42]، وقال تعالى: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُم بِهِ مُشْرِكُونَ}[النحل: 98: 100]، وقال تعالى: {وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ}[الزخرف: 36- 37].
وذكر الرحمن هو الذكر الذى أنزل الله على رسوله الذى قال فيه: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}[الحـجر: 9]، وقـال تعـالى: {قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى}[طه: 123: 126]، وقد قال تعالى: {المص كِتَابٌ أُنزِلَ إِلَيْكَ فَلاَ يَكُن فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِّنْهُ لِتُنذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ اتَّبِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلاَ تَتَّبِعُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ}[الأعراف: 1 ـ 3]، وقد قال تعالى: {كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ اللّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَوَيْلٌ لِّلْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ}[إبراهيم: 1، 2]، وقال تعالى: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُورًا نَّهْدِي بِهِ مَنْ نَّشَاء مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الأمُورُ}[الشورى: 52: 53].
فالصراط المستقيم هو ما بعث الله به رسوله محمدًا صلى الله عليه وسلم بفعل ما أمر، وترك ما حظر، وتصديقه فيما أخبر، ولا طريق إلى الله إلا ذلك، وهذا سبيل أولياء الله المتقين وحزب الله المفلحين وجند الله الغالبين.
وكل ما خالف ذلك فهو من طريق أهل الغى والضلال، وقد نزه الله تعالى نبيه عن هذا وهذا، فقال تعالى: {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى}[النجم: 1 ـ 4]، وقد أمرنا الله سبحانه أن نقول فى صلاتنا: {اهدِنَــــا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ}[الفاتحة: 6، 7].
وقد روى الترمذى وغيره عن عدى بن حاتم، عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال: " " قال الترمذى: حديث صحيح. وقال سفيان بن عيينة: كانوا يقولون: من فسد من علمائنا ففيه شبه من اليهود، ومن فسد من عبّادنا ففيه شبه من النصارى.
وكان غير واحد من السلف يقول: احذروا فتنة العالم الفاجر والعابد الجاهل، فإن فتنتهما فتنة لكل مفتون.
فمن عرف الحق ولم يعمل به أشبه اليهود الذىن قال الله فيهم: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ}[البقرة: 44].
ومن عبد الله بغير علم، بل بالغلو والشرك أشبه النصارى الذين قال الله فيهم: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلاَ تَتَّبِعُواْ أَهْوَاء قَوْمٍ قَدْ ضَلُّواْ مِن قَبْلُ وَأَضَلُّواْ كَثِيرًا وَضَلُّواْ عَن سَوَاء السَّبِيلِ}[المائدة: 77].
فالأول من الغاوين، والثانى من الضالين.
فإن الغى اتباع الهوى، والضلال عدم الهدى. قال تعالى: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِيَ آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَـكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث ذَّلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ}[الأعراف: 175، 176]، وقال تعالى: {سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِن يَرَوْاْ كُلَّ آيَةٍ لاَّ يُؤْمِنُواْ بِهَا وَإِن يَرَوْاْ سَبِيلَ الرُّشْدِ لاَ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً وَإِن يَرَوْاْ سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَكَانُواْ عَنْهَا غَافِلِينَ}[الأعراف: 146].
ومن جمع الضلال والغى ففيه شبه من هؤلاء وهؤلاء. نسأل الله أن يهدينا ـ وسائر إخواننا ـ صراط الذين أنعم عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقًا.
- التصنيف: