الجماع بعد الحيض
رجل جامع زوجته بعد المحيض قبل أن تغتسل فما عليه؟
الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومَن والاه، أمَّا بعدُ:
فقد ذهب جُمهور الفُقهاء من المالكيَّة والشَّافعيَّة والحنابلة إلى: أنَّه لا يحلُّ وطْءُ الحائض بعد الطهر -انقطاع الدَّمُ– حتَّى تَغْتَسل، فلا يُباح وطْؤُها قبل الغسل، واستدلوا بقوله تعالى: {وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىَ يَطْهُرْنَ}؛ أي: يقطع دمهنَّ، {فَإِذَا تَطَهَّرْنَ}؛ أي: اغتَسَلْن بالماء، {فَأْتُوهُنَّ} [البقرة: 222]، قالوا: فاشترط الله تعالى لحلِّ الوَطْء شرْطَين: انقطاع الدَّم، والغسل.
وفرَّق الحنفيَّة بين أن ينقطِع الدَّم لأكثر الحيض وهو عشرة أيام بلياليها، وبين أن ينقطِع لأقلِّه وهو ثلاثة أيام بلياليها، وكذا بين أن ينقطِع لتمام عادتِها، وبين أن ينقطع قبل انتهاء عادتِها.
فقالوا: إنَّ انقطع الدَّم على أكثر المدَّة في الحيض، فإنَّه يجوز وطْؤُها بدون غسل، لكن يستحبُّ تأخير الوَطْءِ لما بعد الغسل.
وإنِ انقطع دمُها قبل أكثر مدَّة الحيض، أو لتمام العادة في المعتادة، بأن لم ينقُصْ عن العادة - فإنَّه لا يَجوز وطْؤُها حتَّى تغتسِل أو تتيمَّم.
وإذا انقطع الدَّم قبل العادة وفوق الثَّلاث، فإنَّه لا يجوز وطْؤُها حتَّى تمضي عادتها وإنِ اغتسلت؛ لأنَّ العوْد في العادة غالب، فكان الاحتِياط في الاجتِناب، فلو كان حيضها المعتاد لها عشرةً، فحاضت ثلاثةً، وطهُرت ستَّةً - لا يحلُّ وطْؤُها، ما لم تمضِ العادة.
وهو تفصيل لا دليل عليه.
وذهب أبو محمد بن حزْم إلى جواز إتيان الحائض بعد انقطاع الدم، إذا فعلت أي شيء يصدق عليه اسم التطهير، كغسل الفرج، أو التيمم؛ قال في "المحلى": "وإذا رَأَت الحائِضُ الطُّهْرَ، فإنْ غَسَلَتْ فَرْجَها فَقَطْ، أَوْ تَوَضَّأَتْ فَقَطْ، أو اغْتَسَلَتْ كُلّها - فأَيَّ ذَلِكَ فَعَلَتْ، حَلَّ وَطْؤُها لِزَوْجِها؛ إلا أَنَّها لا تُصَلِّي حَتَّى تَغْتَسِلَ كُلُّها بِالماءِ، وقَد اخْتَلَفَ النَّاسُ في هَذا، فقالَتْ طائِفَةٌ: لا يَحِلُّ له وَطْؤُها حَتَّى تَغْسِلَ جَميعَ جَسَدِها؛ روِّينا ذلك عن مجاهدٍ، وإبْراهيمَ النَّخَعيِّ، والقاسم بن محمد، وسالم بن عبداللهِ، ومَكْحولٍ، والحسنِ، وسُلَيْمانَ بن يَسارٍ، والزُّهْريِّ، ورَبيعَةَ، وَروِّيناهُ عَنْ عَطاءٍ، ومَيْمونِ بن مِهْرانَ، وهو قولُ مالِكٍ، والشَّافِعيِّ، وَأَصْحابِهِما". اهـ.
والذي يظهر والله أعلم أنه لا يجوز إتيان الحائض حتى ينقطع الدم وتغتسل؛ لأن (التَطَهُّر) في قوله تعالى: {وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} هو لفظة مشتركة تصدق على الغسل الكامل وعلى غسل الفرج؛ والراجح أن المشترك يحمل على جميع معانيه أي: يجب على المرأة قبل الوطء أن تغسل فرجها وتغتسل غسلاً كاملاً، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "لا يَجوزُ وطْءُ الحائِضِ والنُّفَساءِ حتى يَغْتَسِلا، فإِنْ عَدِمَت الماءَ أو خافَت الضَّرَرَ باسْتِعْمالِها الماءَ -لِمَرَضٍ أوْ بَرْدٍ شَديدٍ- تَتَيَمَّمْ وَتوطَأْ بَعْدَ ذَلِكَ؛ هَذا مَذْهَبُ جَماهيرِ الأئِمَّةِ، كَمالِكٍ والشَّافِعيِّ وأحْمَد؛ وقَد دلَّ على ذَلِكَ القُرآنُ بقَوْله تعالى: {وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ}؛ أَيْ: يَنْقَطِع الدَّمُ، {فَإِذَا تَطَهَّرْنَ} [البقرة: 222]؛ أي: اغْتَسَلْنَ بالماءِ؛ كما قالَ: {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} [المائدة: 6]، وقَدْ رويَ ما يَدُلُّ على ذَلِكَ عَنْ أكابِرِ الصَّحابَةِ: كَعُمَرَ وعُثْمانَ وعَليٍّ، وابْنِ مَسْعودٍ وأبي موسَى وغَيْرِهِمْ؛ والله أعلم.
- التصنيف:
- المصدر: