كيفية التعامل مع الوالد الذي يصدر منه كلام فاحش
أبي يُصلِّي، المهمُّ أنَّه في بعْضِ الأحيان يتفوَّه بكلامٍ فاحش حين يتعصَّب أو غير ذلك، وأنا لا أحتمِلُه، ولا أحتمِل سَماعَ ذلك الكلام، وأتضايق كثيرًا، ماذا أعمل؟
الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومَن والاه، أمَّا بعدُ:
فإنَّ سوء خلُق الوالِد، أو تفوُّهه بِما يفحُشُ في السَّمع، وسوء عِشْرتِه عند الغَضَب - لا يؤثِّر على وجوبِ برِّه، والإحسانِ إليْه من أولاده، والقيامِ بِما أوجبَه اللهُ عليْهم من البرِّ والصِّلة، ويُرجى لهم الأجرُ إن شاء الله على صبرِهم عليه، وتحمُّلهم له، إن قصدوا بذلِك امتِثالَ أمْر الله تعالى؛ قال الله تعالى: {وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} [الشورى: 43].
وعليكِ أن تجتهدي في نُصْحه، أو ينصحُه غيرُك ممَّن تثِقين به، بالرِّفق والشَّفقة الزَّائدة، مع اتِّباع الخطوات اللاَّزمة للنَّصيحة، من البرِّ والطَّاعة والإحسان؛ ليكونَ النُّصح أوقعَ في النَّفس، كما ينبغي استِغْلال المواقِف والأوْقات التي يكونُ أدْعى فيها للاستجابة للنُّصح، والاستِعانة بمن يُرْجَى أن يكون نصحه مؤثرًا عليْه: كإخوتِه أو أصدقائه، أو إمام المسجد، أو داعيةٍ حسن الأُسلوب والمنطق، أو إحضار كُتيِّب عن حُسن الخلق وحفظ اللسان، أو شريطٍ مسجَّل، ولتحذري رعاك الله من تجنُّب الإحراج، وجرْح المشاعر، والأساليب الاستِفْزازيَّة، ولتكثري من الدُّعاء له بصدق وإخلاص ورغبة فيمَن يُرجى منْهُ الخلاص، وهو الله عزَّ وجلَّ.
هذا؛ ولتعْلمي أنَّ من جُملة الإحسان إلى الوالد دعوتَه إلى الحقِّ، وإرشادَه إليه، وتَحذيرَه من المعصية، وليَكُنْ ذلك بِحُبٍّ وحنوٍّ وخوْف، وتَبيِين الأدلَّة الشَّرعية التي تحرِّم الكلام الفاحش، فإذا أدَّى النقاش والحوارُ إلى إساءة الأدَب معه، وجبَ عليْك الإمساك عنْه.
فالوالدانِ من جُملة مَن أمر اللهُ بأمرِهم بِالمعروف ونَهيهم عن المنكر، ووجوبُ برِّهِما وطاعتِهما لا يمنع من ذلك، لكنْ يَنبغي أن يكونَ أمرهُما ونَهيُهما على جانبٍ كبيرٍ من الأدب والحذَر؛ خشية أن يقع الابن فيما نَهى الله عنه؛ يقول الله تعالى: {فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً} [الإسراء: 23]، وقال تعالى: {وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً} [لقمان: 15].
ومن ثمَّ فليسلُك مع أبويْه أحسنَ الطُّرق، وأرقَّ الأساليب، عندما يأمُرُهما بمعروف أو ينهاهما عن منكَر، وقد سئل الحسنُ عن الولد يَحتسب على الوالد، قال: "يعِظُه ما لم يغضَب، فإن غضِب، سكت عنه".
ونقل ابنُ عابدين عن العُلماء قولَهم: "إنَّ الولد ينهى أبويْه إذا رآهُما يرتكِبان المُنْكَر مرَّة واحدة، فإنِ انتهيا وإلاَّ فيسكت إنْ ساءَهُما ذلك، ويسأل اللهَ - عزَّ وجلَّ - أن يهديهما ويغفرَ ذنبهما"،، والله أعلم.
- التصنيف:
- المصدر: