حكم لعبة الكيرم والضومنة
ما حُكْم اللُّعبة التِي تُسمَّى (بالكيرم)، وكذلِك (الضومنة)؟ وإذا كانتْ مُحرَّمة لأجْلِ أنَّها مُلْهِيةٌ عن ذِكْرِ اللهِ، أو أنَّها داخلةٌ في لَهْوِ الحديث، كما نقِلَ عن بعض أهل العلم - فما هو الشأن في سائِر الألعاب، ككُرَة القَدَمِ مثلاً؟ وقُلْ مثلَ ذلِك في سائر الألعاب، فإنَّ فيها إلهاءً ولا شكَّ؛ فهل نُحرِّمُها أيضًا؟
أرجو توضيحَ هذا الإشكال، مع ذِكْرِ الأدلَّة، خاصَّة لِمَنْ يَلْعَبُها بعد صلاةِ العِشاء مثلاً، أي أنَّه في غيْرِ وقت فريضة، أو بِعبارة أُخرى: أريدُ الأدلَّة على تَحريمِها، وكذلِك علَّة التَّحريم إن وُجِدَت، وبِالله التَّوفيق.
الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومَن والاه، أمَّا بعدُ:
فالنَّفسُ البشريَّة بطبيعتِها تَحتاج إلى الرَّاحة بعد التَّعب، وتَحتاجُ إلى التَّرفيهِ واللَّهو المُباح؛ لتستجمَّ به وتنشطَ إلى أداء أعمالِها، والدِّين الإسلامي شاملٌ لِجميع جوانب الحياة، ويلبِّي جَميعَ احتياجات النفس البشريَّة، اشْتَمل على ما يُحَقِّقُ للنَّفس فوائدَ التَّرفيه واللَّهْوِ المُباح.
والأصل في مُمارسة الألعاب الإباحةُ؛ إلا إذا شَغَلتْ عن فِعْل الواجبات، أو اشتملتْ على مُحَرَّم: كأن تلعبَ على مالٍ، فتكونَ من أنواع القِمار، أو كانتْ تَصُدُّ عن ذِكْرِ الله أوِ الصَّلاة، أو تُوقِعُ بيْن المُسْلمين العداوةَ والبَغْضاء، أو كانتْ تُلْهِي عن طاعةٍ، أو تُؤَدِّي إلى كَشْفِ العَوْرات أثناءَ مُمارسة اللُّعبة، فإنْ خَلَتِ اللُّعبة من هذهِ المَحاذير، فلا حَرَج في مُمارستِها.
قال الإمامُ ابنُ عبدالبرِّ: "أجْمعَ العُلماءُ على أنَّ اللَّعِبَ بِها -أي بالألعاب عامَّة- على العِوض قِمارٌ لا يَجوز، وكذا لوِ اشتمل اللعبُ بِها على تَرْكِ واجبٍ أَوْ فِعْل مُحَرَّم، مثل: أن يتضمَّنَ تأخيرَ الصَّلاة عن وقْتِها، أو تَرْك ما يَجب لها من أعمالِها ظاهِرًا أو باطنًا، وكذا لو شغلتِ العبد عن مصلحة النَّفس، أو الأهْل، أو الأولاد، أو الأمْر بالمعروف، أو النَّهْي عن المُنْكر، أو صِلة الرَّحِم، أو برِّ الوالدَيْن، أو ضياع الأوقات الكثيرة، وقلَّ مَن يَلْعَبُ بأيِّ لعبة إلا وقد شُغِلَ بِها عن واجب".اهـ.
وقال القاضي أبوبكر بن العربي: "اعلم -وفَّقك الله- أنَّه ليس في ذلك اللَّعِب كبيرُ مأخذ، فإنَّ الرَّجُل يلعب بفرَسِه وبأهلِه وبأسهُمِه حسبما ورد في الخَبر؛ وفي الصحيح: أنَّ النَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال لجابر حين تزوَّج ثيِّبًا: "هلا بِكْرًا؛ تُلاعِبُها وتُلاعبُك" البخاري (2097)، ومسلم (715) .. ولعِب الإخوة إنَّما كان على وجْهَين: إمَّا مسابقة على الأرجُل، وإمَّا مُسابقة بأسهُم؛ لقوله تعالى: {إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ} [يوسف: 17]، وليس في ذلك مأخذٌ بِحال".
وقال ابن جماعة: "ولا بأسَ أن يُريحَ نفسَه -أيِ المتعلِّم- وقلبَه وذِهْنَه وبصَرَه، إذا أكل شيئًا من ذلك أو ضعُف، بتنَزُّه وتفرُّج في المتنزَّهات؛ بِحيثُ يعودُ إلى حالِه، ولا يضيع عليه زمانه، ولا بأس بِمعاناة المَشْي، ورياضة البدَن به، فقد قيل: إنَّه يُنْعِشُ الحرارةَ، ويُذِيبُ فضولَ الأخلاط، وينشِّط البدن".
فالشاهد: أن أي لعبة يكون فيها مصلحة؛ كرياضة للبدن، أو اختبار للذكاء، أو تعليم وتثقيف بطريقة اللعب، فهذا لا شيء فيه، وقد يكون مستحبًّا إذا صاحبته نية صالحة.
وراجع فتوى: "الترويح عن النفس".
أمَّا لُعْبة "الكيرم"، فنرى أنها مكروهة؛ لأنها لا فائدة فيها، وهي مضيعة للأوقات، وجالبة للخصومات، وقد سُئِلَ عنها الشَّيخ مُحمَّد ابن إبراهيم رحمه الله فأجاب: "بتأمُّل ما ذُكِرَ؛ وُجِدَ أنَّ هذه اللعبة -لعبة الكيرم- من الألعاب المُلْهِية، الصادَّة عن ذكر الله وعن الصلاة في الغالب، وقد تُفْضِي إلى القِمار والوقوع في العداوة والبغضاء، وإذا كانت على عِوَض، فهي بذلك داخلةٌ في المَيْسِر، وعليه؛ لا ينبغي إقرارُها، ولا تَمكينُهم من لعبها".اهـ.
وقال الشيخ عبدالله بن عقيل: "ولكن مَن عرَف حقيقةَ هذه اللُّعبة، وسَبَر أحوالَ الَّذين يُمارِسونَها، عرَف أنَّها لا تَخلو من أكثرِ هذه الأشياء، أو شيءٍ منها؛ إلا في النَّادر، والنَّادرُ لا حُكْمَ له، والنَّاس الآنَ في وقت العلم؛ وقت السُّرعة والتَّقدُّم، فالعاقل مَنْ يربَأُ بنفْسِه عن مثل هذه المسائل، ويشغَلُها بِما هو أنفَعُ لَها؛ لأنَّ النَّفس إن لم تَشْغَلْها بالحقِّ، شغلَتْك بالباطل، والوقتُ كالسَّيفِ، إن قطعتَه، وإلاّ قطعَك، واللَّه الموفق، لا ربَّ غيرُه، ولا إله إلا هو".اهـ.
وأمَّا بالنسبة للسؤال عن (الضومنة أو الدومنة)، الَّتي هي عبارةٌ عن قِطَعٍ بيضاءَ، كلُّ واحدةٍ مقسومةٌ إلى قِسْمَيْنِ، فيها نقاط سوداء، تبدأ من الصِّفر وتنتهي إلى ستَّة - فهذِه اللُّعبة على الطريقةِ المُعْتادة فيها ليستْ مُحرَّمة، وفيها بعضُ الذَّكاء للوصولِ إلى الفَوْزِ، كما أنَّ فيها مع الذَّكاء التَّعاوُنَ لِلوصول إلى الفَوْزِ، في حالة لعِبِ أربعةِ أشخاصٍ، كلُّ اثنيْنِ منهم فريق.
وأمَّا إذا اقترَنَ باللُّعبة -على كِلا المعنَيَيْن السَّابقَيْن- رِهانٌ كأَنْ يُقال: المهزومُ يدفعُ كذا وكذا من المال - فهذا حرام، أو تُفْرَض أمورٌ غيرُ لائقة أو فيها ضررٌ، كأن يُقال: المهزوم يَخلعُ ثِيابَه أو يبقى واقفًا ونَحو ذلك، فهذا يدخُل في دائرةِ المَكْروه؛ لاشتِماله على إيذاءِ المُسلم أوْ إهانتِه، وكذلِك إذا اشتملتِ اللُّعبة دائمًا على نِزاعٍ وخصامٍ وسبٍّ وشتمٍ ونحو ذلك؛ فالمنعُ لأجل هذه الأمور،، والله أعلم.
- التصنيف:
- المصدر: