نظرةٌ شرعيةٌ في دعاوى التمييز ضد المرأة مصطلح “مطلقة” كمثالٍ

منذ 2015-09-29
السؤال:

هل يعتبر مصطلح “مطلقة” تمييزاً بحق المرأة الفلسطينية وأنه يجب إزالته من الوثائق الرسمية، كما تدَّعي بعض الجمعيات النسوية؟ 

الإجابة:

أولاً: شرع الإسلامُ الطلاق لحكمةٍ ولأغراضٍ اجتماعيةٍ هامةٍ وضروريةٍ للأسرة وللمجتمع، إذا حصل بين الزوجين ما يقطع وشائج العلاقة الزوجية، مع أن الإسلام قد نبَّه الرجال والنساء إلى حسن اختيار الشريك والشريكة في الزواج عند الخطبة، فقد ورد في الحديث عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:  «تخيروا لنطفكم وأنكحوا الأكفاء وأنكحوا إليهم» (رواه ابن ماجة وحسنه العلامة الألباني في صحيح سنن ابن ماجة 1/333).

وعن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:  «تزوجوا الودودَ الولودَ» (رواه أحمد والبهيقي وابن حبان وصححه، وقال الهيثمي إسناده حسن، وحسنه العلامة الألباني في آداب الزفاف ص1).

وسُئل عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (ما حقُّ الولدِ على أبيه؟ قال: أن ينتقي أمَّه ويُحسنَ اسمَه ويُعلمَه القرآن).

وهذا الانتقاء للزوجة يشمل الصفات الخُلُقية والمعنوية، ويتفق مع قول النبي صلى الله عليه وسلم: «تُنكح المرأة لأربعٍ، لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك» (رواه البخاري ومسلم).

وعن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه أنه خطب امرأةً، فقال النبـي صلى الله عليه وسلم:  «انظر إليها فإنه أحرى أن يُؤدم بينكما» (رواه النسائي والترمذي وابن ماجة وغيرهـم، وهو حديـثٌ صحيح كما قال العلامة الألباني في السلسلة الصحيحة حديث رقم 96، ومعنى يُؤدم بينكما: أن تقع الألفة والملائمة بينكما.

وقال النبي صلى الله عليه وسلم لأولياء النساء:  «إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه، إلا تفعلوه تكن فتنةٌ في الأرض وفسادٌ كبير» (رواه الترمذي وهو حديث حسن كما قال العلامة الألباني في إرواء الغليل 6/266).

كما أن الإسلام قد أعطى الحقَّ للمرأة في الموافقة على من يتقدم لخطبتها أو رفضه، ولا يجوز شرعاً إجبارها وإكراهها على الزواج بغير اختيارها ورضاها، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:  «لا تُنكح الأيمُ حتى تُستأمر، ولا تُنكح البكرُ حتى تستأذن. قالوا: يا رسول الله كيف إذنها، قال: أن تسكت» (رواه البخاري ومسلم).

وعن ابن عباس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:  «ليس للولي مع الثيب أمرٌ، واليتيمة تُستأمر، وصمتها إقرارها» (رواه أبو داود والنسائي وصححه العلامة الألباني).

إلا أن ذلك كله – على أهميته – قد لا يضمن استمرار السعادة والاستقرار بين الزوجين، فربما قصَّر أحدُ الزوجين في الأخذ بما تقدم، وربما أخذا به، ولكن جدَّ في حياة الزوجين الهانئين ما يثير بينهما القلاقل والشقاق، كمرض أحدهما أو عجزه، وربما كان ذلك بسبب عناصر خارجة عن الزوجين أصلاً، كالأهل والجيران وما إلى ذلك، وربما كان سبب ذلك انصراف القلب وتغيره، فيبدأ بنصح الزوجين وإرشادهما إلى الصبر والاحتمال، وبخاصة إذا كان التقصير من الزوجة، قال تعالى:  {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً} [سورة النساء الآية 19]، إلا أن مثل هذا الصبر قد لا يتيسر للزوجين أو لا يستطيعانه، فربما كانت أسبابُ الشقاق فوق الاحتمال، أو كانا في حالة نفسية لا تساعدهما على الصبر، وفي هذه الحال: إما أن يأمر الشرع بالإبقاء على الزوجية مع استمرار الشقاق الذي قد يتضاعف وينتج عنه فتنةٌ، أو جريمةٌ، أو تقصيرٌ في حقوق الله تعالى، أو على الأقل تفويتُ الحكمة التي من أجلها شُرعَ النكاحُ، وهي المودة والألفة والنسل الصالح، وإما أن يأذن بالطلاق والفراق، وهو ما اتجه إليه التشريع الإسلامي، وبذلك عُلم أن الطلاق قد يتمحضُ طريقاً لإنهاء الشقاق والخلاف بين الزوجين؛ ليستأنف الزوجان بعده حياتهما منفردين أو مرتبطين بروابط زوجية أخرى، حيث يجد كل منهما من يألفه ويحتمله، لذلك شرع الإسلامُ الطلاقَ عندما يتعذر الاستمرار في الحياة الزوجية، فإذا وقع بين الزوجين شقاقٌ تقطعت به علائق الزوجية وحلت محلها الكراهية والنفرة، ولم يتمكن المصلحون من إزالتها، فإن الدواء لمثل هذه الحالة الطلاق، وإلا انقلبت الحياة الزوجية إلى عكس الغرض المطلوب، فإنها ما شُرعت إلا للجمع بين اثنين تنشأ بينهما مودةٌ ورحمةٌ، لا للجمع بين عدوين لا يستطيع أحدهما أن ينظر إلى الآخر، قال الله تعالى:  {وَإِن يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللّهُ كُلاًّ مِّن سَعَتِهِ وَكَانَ اللّهُ وَاسِعاً حَكِيماً} [سورة النساء الآية 130]، وانظر الموسوعة الفقهية الكويتية 29/9-10.

ثانياً: نظراً لأهمية الطلاق وخطورته وأثره على الأسرة والمجتمع فقد بيَّن الشرعُ أحكامَه بالتفصيل، قال تعالى:  {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوَءٍ وَلاَ يَحِلُّ لَهُنَّ أَن يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِن كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُواْ إِصْلاَحاً وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكُيمٌ} [سورة البقرة الآية 228]. 

وقال تعالى:  {فَإِن طَلَّقَهَا فَلاَ تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ حَتَّىَ تَنكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ فَإِن طَلَّقَهَا فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَن يَتَرَاجَعَا إِن ظَنَّا أَن يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} [سورة البقرة الآية 230].

وقال تعالى:  {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النَّسَاء فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلاَ تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَاراً لَّتَعْتَدُواْ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلاَ تَتَّخِذُوَاْ آيَاتِ اللّهِ هُزُواً وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنزَلَ عَلَيْكُمْ مِّنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُم بِهِ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [سورة البقرة الآية 231]. 

وقال تعالى:  {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ أَن يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْاْ بَيْنَهُم بِالْمَعْرُوفِ ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ مِنكُمْ يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ} [سورة البقرة: 232]. 

وقال تعالى:  {لاَّ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن طَلَّقْتُمُ النِّسَاء مَا لَمْ تَمَسُّوهُنُّ أَوْ تَفْرِضُواْ لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدْرُهُ مَتَاعاً بِالْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى الْمُحْسِنِينَ} [سورة البقرة الآية 236]. 

وقال تعالى:  {وَإِن طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إَلاَّ أَن يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ وَأَن تَعْفُواْ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلاَ تَنسَوُاْ الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [سورة البقرة: 237]. 

وقال تعالى:  {وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى الْمُتَّقِينَ} [سورة البقرة الآية 241]. 

وقال تعالى:  {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً} [سورة الأحزاب الآية 49]. 

وقال تعالى:  {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْراً} [سورة الطلاق الآية 1]. 

وقال تعالى: {عَسَى رَبُّهُ إِن طَلَّقَكُنَّ أَن يُبْدِلَهُ أَزْوَاجاً خَيْراً مِّنكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُّؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَاراً} [سورة التحريم الآية 5].

ويضاف لما سبق أن سورةً في القرآن الكريم تسمَّى سورة الطلاق، [وسبب نزولها ما رواه مسلم عن طريق ابن جريج عن أبي الزبير أنه سمع عبد الرحمن بن أيمن يسأل ابنَ عمر كيف ترى في الرجل طلق امرأته حائضاً؟ فقال طلق ابن عمر امرأته حائضاً على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسأل عمرُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، فقال له: ليراجعها، فردَّها، وقال: إذا طهرت فليطلق أو ليمسك. قال ابن عمر وقرأ النبي: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ}…الغرضُ من آيات هذه السورة تحديدُ أحكام الطلاق، وما يعقبه من العدة والإرضاع والإنفاق والإسكان. تتميماً للأحكام المذكورة في سورة البقرة، والإيماء إلى حكمة شرع العدة والنهي عن الإضرار بالمطلقات والتضييق عليهن والإشهاد على التطليق وعلى المراجعة وإرضاع المطلقة ابنها بأجر على الله والأمر بالائتمار والتشاور بين الأبوين في شأن أولادهما، وتخلل ذلك الأمرُ بالمحافظة الوعد بأن الله يؤيد من يتقي الله ويتبع حدوده ويجعل له من أمره يسراً ويكفر عنه سيئاته وأن الله وضع لكل شيء حكمه لا يعجزه تنفيذ أحكامه] تفسير التحرير والتنوير 1/4449.

ثالثاً: لا يوجد في الشريعة الإسلامية أيُّ تمييزٍ بين الرجل والمرأة في رغبتهما في استمرار الحياة الزوجية أو إنهائها إذا لم يستطيعا العيش بتفاهمٍ ومودةٍ ورحمةٍ، فيلجأ الزوجُ حينئذٍ للطلاق، وتلجأ الزوجةُ للقاضي الشرعي طالبةً الطلاق أو الخلع من زوجها، فإن الله عز وجل كما شرع الزواج، شرع الطلاق، وإن كان من أبغض الحلال.

وعليه فإن وصف المرأة بأنها “مطلقة”، إنما هو بيانٌ لواقع حالها، سواء وقع الطلاق قبل الدخول أو بعده، ولا يشتمل لفظُ “مطلقة” على أي مساسٍ أو غضٍ من مكانة المرأة أو خلقها أو دينها، وكون لفظ “مطلقة” يُكتب في الوثائق الرسمية كعقد الزواج عندما تتزوج مرةً أخرى، لا شيء فيه، وكذلك يُكتب في عقد الزواج أن الزوج مطلقٌ، عندما يتزوج مرةً أخرى، فلا غضاضة في ذلك.

رابعاً: إن دعاوى الجمعيات النسوية الممولة أجنبياً بوقوع التمييز ضد المرأة في المجتمع، وتحميل الشريعة الإسلامية المسؤولية في حالاتٍ كثيرةٍ، إنما هو نتيجةٌ لتنفيذ هذه الجمعيات النسوية للأفكارٍ التغريبية والغريبة عن مجتمعنا المسلم، مثل ما ورد في اتفاقية “سيداو” التي ترتكز على مبدأ المساواة المطلقة والتماثل التام بين المرأة والرجل في التشريع وفي المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وفي التعليم والعمل والحقوق القانونية، وكافة الأنشطة] فقد ورد في المادة(1) من اتفاقية “سيداو”: [لأغراض هذه الاتفاقية يعنى مصطلح ”التمييز ضد المرأة” أي تفرقة أو استبعاد أو تقييد يتم على أساس الجنس ويكون من آثاره أو أغراضه، توهين أو إحباط الاعتراف للمرأة بحقوق الإنسان والحريات الأساسية في الميادين السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمدنية أو في أي ميدان آخر، أو توهين أو إحباط تمتعها بهذه الحقوق أو ممارستها لها، بصرف النظر عن حالتها الزوجية وعلى أساس المساواة بينها وبين الرجل].

وهذا المبدأُ باطلٌ ومخالفٌ لكتاب الله عز وجل ولسنة النبي صلى الله عليه وسلم، قال تعالى:  {وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنثَى} [سورة آل عمران الآية36]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم:  «إنما النساء شقائق الرجال» (رواه أحمد وأبو داود والترمذي وصححه العلامة الألباني في صحيح الجامع).

والمساواة بين الذكر والأنثى التي قررتها الشريعة الإسلامية هي في القيمة الإنسانية، فاعتبر أن الرجل والمرأة متساويان أمام الله عز وجل في الخلقة والتكوين، وهما أيضاً متساويان في الحقوق والواجبات داخل الأسرة وخارجها، فقال تعالى في وصف هذه الحقيقة:  {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكُيمٌ} [سورة البقرة الآية 228]. انظر” قراءة في اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة”ص6.

ومبدأ المساوة المطلقة مخالفٌ للحقائق الكونية وللفطرة الانسانية التي فطر الله جل جلاله الخلق عليها [فالله لم يخلق فرداً واحداً مكرراً من نسختين، بل خلق زوجين: ذكراً وأنثى، وهي حقيقة كونية كذلك  {ومِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ} [سورة الذاريات الآية 49].

وورد في اتفاقية “سيداو” المادة (2) الدعوة إلى إلغاء جميع أشكال التمييز ضد المرأة في القوانين والتشريعات وفرض حماية قانونية لحقوق المرأة على قدم المساواة مع الرجل وتغيير وإبطال القائم من القوانين والأنظمة والأعراف والممارسات التي تشكل تمييزاً ضد المرأة…إلخ. وهذه المادة بفروعها من أخطر المواد في اتفاقية”سيداو”، لأنها تعني إبطال وإلغاء كل الأحكام الشرعية المتعلقة بالمرأة وخاصة في العقوبات كحد الزنا، وكذلك نظام الميراث في الشريعة الإسلامية، ومن ضمنه إعطاء الأنثى نصف نصيب الرجل، كما قال تعالى: {يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ} [سورة النساء الآية11]. وقد قررت الآيةُ الكريمة حكماً من أحكام الإسلام القطعية التي لا تقبل المناقشة].

خامساً: إن من أشد الأمور خطورةً في عمل الجمعيات النسوية الممولة أجنبياً، أنها اتخذت مرجعياتٍ لأعمالها لا تمتُّ للإسلام- وهو دين المجتمع الفلسطيني – بصلةٍ، ولا تمتُّ كذلك لعاداته وتقاليده الأصيلة بصلةٍ، ورد في وثيقة حقوق المرأة الفلسطينية ما يلي:

[لم يكن للمرأة الفلسطينية أن تسمو بوضعها القانوني الخاص دون أن تستند في مطالبها إلى منظومة قانونية متكاملة، ترتكز في مجملها على مجموعة من الثوابت والحقوق القانونية التي تحقق في مجموعها نتائج ايجابية، لتحقيق المساواة المطلقة بينها وبين الرجل، حسب ما نصت عليه المواثيق والأعراف الدولية والقانون الأساسي الفلسطيني].

وقد جعلت إحدى تلك الجمعيات مرجعيتها الاتفاقيات الدولية كالإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والاتفاقية الدولية للقضاء على التمييز ضد المرأة “سيداو”، والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والأهداف الإنمائية للألفية، والاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري، والاتفاقية الدولية الخاصة بوضع اللاجئين، والاتفاقية الدولية لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، واتفاقية حقوق الطفل، وغيرها.

 

وخلاصة الأمر:

أن الإسلام قد نبَّه الرجالَ والنساء إلى حُسن اختيار الشريك والشريكة في الزواج عند الخطبة.

وأن الإسلامَ شرع الطلاق لحكمةٍ ولأغراضٍ اجتماعيةٍ هامةٍ وضروريةٍ للأسرة وللمجتمع إذا حصل بين الزوجين ما يقطعُ وشائج العلاقة الزوجية.

وأنه نظراً لأهمية الطلاق وخطورته وأثره على الأسرة والمجتمع فقد بيَّن الشرعُ أحكامه بالتفصيل وأن سورةً في القرآن الكريم تُسمَّى سورةَ الطلاق.

وأنه لا يوجد في الشريعة الإسلامية أيُّ تمييزٍ بين الرجل والمرأة في رغبتهما في استمرار الحياة الزوجية أو إنهائها إذا لم يستطيعا العيش بتفاهمٍ ومودةٍ ورحمةٍ، فيلجأ الزوج حينئذٍ للطلاق، وتلجأ الزوجة للقاضي الشرعي طالبةً الطلاق أو الخلع من زوجها، فإن الله عز وجل كما شرع الزواج، شرع الطلاق.

وأن وصف المرأة بأنها مطلقة، إنما هو بيانٌ لواقع حالها، ولا يشتمل على أي مساسٍ أو غضٍ من مكانة المرأة أو خلقها أو دينها.

وأن دعاوى الجمعيات النسوية الممولة أجنبياً بوقوع التمييز ضد المرأة في المجتمع، وتحميل الشريعة الإسلامية المسؤولية في حالاتٍ كثيرةٍ، إنما هو نتيجة تنفيذ هذه الجمعيات النسوية لأفكارٍ تغريبية وغريبة عن مجتمعنا المسلم.

وأن من أشد الأمور خطورةً في عمل الجمعيات النسوية الممولة أجنبياً، أنها اتخذت مرجعياتٍ لأعمالها لا تمتُّ للإسلام بصلةٍ كالإعلان العالمي لحقوق الإنسان والاتفاقية الدولية للقضاء على التمييز ضد المرأة “سيداو” وغيرها.

وأن واجب العلماء والدعاة أن يتصدوا لهذه الأفكار التغريبية ويبينوا خطورتها للناس عامةً وللنساء خاصةً.

والله الهادي إلى سواء السبيل. 

 

حسام الدين عفانه

دكتوراه فقه وأصول بتقدير جيد جداً، من كلية الشريعة جامعة أم القرى بالسعودية سنة 1985م.

  • 2
  • 0
  • 25,001

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً