مشاركة الدعاة في الفضائيات
الشيخ الدكتور ناصر وفقه الله.. هو أول من ألف كتاباً يتحدث عن البث المباشر أو القنوات الفضائية، وبين فيها استهدافها لثوابت الأمة ومسلماتها ثم بين ضرر ذلك على المسلمين، وكان ذلك قبل أن يعرف عن هذا الخطر الخاصة من الناس فضلا عن العامة، وأقول الظهور في هذه الفضائيات فيها من المفاسد الذي أعتبرها بأن الشيخ يقدرها، والشيخ حفظه الله من الناس الذين اشتهروا بثبات الموقف وبعد النظر، فهل للشيخ وجهة نظر جديدة في هذا المجال أم أن ذلك مقدر بضوابط وقيود أرجو منكم بيانها وفق الله الشيخ لكل خير ونفع به.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين، وبعد
فأشكرك أخي أولاً على تثبتك في هذه المسألة قبل الحكم بما هو متقرر عندك، ثم ألفت نظرك إلى أن موقفي تجاه الظهور في الفضائيات لم تتغير وأحيطك علما بأن هذه المسألة عندي ليس على إطلاقها كما فهمت بل فيها تفصيل وقد سبقت لي مداخلة على مقال منشور في موقع الإسلام اليوم، قبل ما يربو ست سنوات، ولعل نقلها تغني عن كثير من الإيضاح في هذه المسألة، وهذا نص المداخلة:
فضيلة المشرف العام على موقع ( الإسلام اليوم ) وفقه الله
سلام الله عليكم ورحمته وبركاته
أسأل الله أن يجعلكم مباركين أينما كنتم، وأن يجعل هذا الموقع منارة من منارات الهدى والإيمان،،، وبعد:
فقد اطلعت على الموضوع الذي كتبه أخي د - عبد الله الطريقي بعنوان (نحن والفضائيات وجهة نظر)، فأشكركم على طرح مثل هذا الموضوع الذي هو جدير بالبحث والتحقيق، ويعتبر من موضوعات الساعة، كما أشكر الشيخ عبد الله على هذا العرض والطرح الجيد.
وقد اطلعت على المداخلات والتعقيبات الواردة على هذا الموضوع فلحظت على بعضها أخذ الموضوع من زاوية معينة وإصدار حكم كلّي بناء على أمور جزئية مع أن الأصل العكس، وأن الجزئيات تنطلق من الكليات.
وأحب من باب المشاركة بيان ما يلي:
1) من حيث التأصيل الشرعي فإن الأصل في الحكم على هذا الموضوع هو إعادته إلى أصله، وأنه من باب الوسائل، والأصل فيها الإباحة، لا التوقيف على القول الصحيح.
2 ) من الناحية الدليلية، فإن الدليل النصّي (في أصل المشاركة في القنوات) هو مع المجيزين للمشاركة ؛ لأن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان يذهب إلى أسواق قريش أمثال عكاظ وذي المجاز، وفيها من منكرات الشرك والفحش والظلم ما يربو على منكرات هذه القنوات (أو يساويها إن سلّم ذلك) وهذا يعتبر نصّاً واضحاً في هذه المسألة.
3 ) من ناحية فقه الموازنات فإن الذي يحكم التطبيق العملي هو قاعدة المصالح والمفاسد، ومن حيث العموم فإن مصالح المشاركة تزيد بكثير على المضار والمفاسد المترتبة على عدم المشاركة.
أما من حيث التفصيل فقد تختلف الحال من مشارك إلى آخر، ومن قناة إلى أخرى ومن زمن إلى آخر؛ نظراً إلى اختلاف الفتيا باختلاف الزمان والمكان والمستفتي كما هو متقرر عند أهل العلم.
ومن هنا فإني أخلص إلى مشروعية المشاركة في هذه القنوات (في هذا الزمن) ضمن الضوابط التالية:
1 ـ أهلية المشارك بحيث تتوافر فيه القدرة العلمية في الموضوع المطروح للنقاش، مع القدرة على التعامل مع المواقف في مثل هذه الظروف.
2 ـ أن يترجح لدى المشارِك غلبة المصالح على المفاسد في ذات (كل مشاركة)، حيث لا يترتب على مشاركته مفاسد معتبرة تتضاءل أمامها المصالح المقدرة.
3 ـ ألا يكون وراء المشاركة تحقيق أهداف أخرى مشبوهة، بحيث يجب الحذر والتنبه لهذا الأمر لخطورته وكثرة المزالق فيه، حيث إن الكثير من هذه القنوات لا تتيح المشاركة إلا لأهداف تجنيها من وراء هذا الأمر، تغلب في حقيقتها على المصالح المقدرة، فقد تكون المصلحة آنية بينما المفسدة بعيدة الأثر وطويلة المدى.
4 ـ أن تتاح للمتكلم الفرصة بقول ما يعتقد حقاً دون تدخلات من الجهات التي استضافته؛ بحيث يصدع بالحق، ولا تأخذه في الله لومة لائم.
وختاماً: فإني أنبه إلى ثلاثة أمور:
1 ـ أن هذه القضية من مسائل الاجتهاد التي يكون الخلاف فيها معتبراً، ومن هنا فعلى كل من أخذ بقول وترجّح لديه؛ أن يحسن الظن بإخوانه المخالفين له، وألا يجعل هذه المسألة من مسائل الولاء والبراء والهجر والابتداع، فإن شيخ الإسلام ذكر قاعدة رصينة بأنه لا إنكار في مسائل الاجتهاد.
2- على من تترجح لديه مصلحة المشاركة أن يراعي التدرج ومخاطبة الناس بما يعقلون؛ انطلاقاً من قول عليّ ـ رضي الله عنه ـ (حدثوا الناس بما يعقلون...) وقول ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ: (ما أنت محدث قوماً حديثاً لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة).
3- نظراً لكثرة المزالق والفتن في هذا الأمر أذكّر نفسي وإخواني بوجوب التجرد لله بصدق النية وإخلاص العمل والبعد عن حظوظ النفس ومواطن الفتن.
ولْيعلمْ من ولج في هذا الأمر أنه قد أقبل على أمر عظيم يحتاج فيه إلى تقوى الله، والالتجاء إليه، والتوكل عليه ؛ بأن يثبته بالقول الثابت فيما يقول ويعتقد، وأن يهديه لما اختلف فيه من الحق بإذنه، فحريّ بمن استهدى الهادي أن يُهدى.
والله أعلم. وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
وكتب ناصر بن سليمان العمر الاثنين 14 - 11 - 1422 هـ.
تاريخ الفتوى: 25-6-1429 هـ.
- المصدر: