حكم أخذ أجرة عن الحج
مَن نابَ عن شخصٍ آخَر في الحجِّ، هل يجوز أن يأخذ ما تبقَّى من مال، حتَّى إن صرف منه الشيءَ اليسير؟
وبِماذا يرجِع من الأجر مَن حجَّ عن شخصٍ آخَر؟
ورحِمكم اللهُ ونفَع بعلْمِكم.
الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومَن والاه، أمَّا بعدُ:
فالإنابة في الحجِّ جائزة، وقد سبق ذِكْر الحكم مفصَّلا في فتوى: "الوكالة بالحج". ومَن ينوب في الحجِّ عن الغَير يجوزُ له أن يأخُذ كلَّ ما يَحتاجُه من النَّفقة والتِزامات الحجِّ، سواءٌ كانت النفقة للحجِّ أم السفر وغيرِه، كما أنَّ له أن يُنفق على نفسِه أثناءَ الحجِّ والعودة منه بالمعروف، بغير إسْراف ولا تقْتير، ولو حبَسه عن الحجِّ حابسٌ - مثل أن يمرض، أو يضلَّ الطَّريق - لَم يلزمْه الضَّمان لما أنفق؛ لأنَّ شأنه شأن من أنابه، ولو بقِي معه مال، فإنَّ عليه ردَّه لِمَن أنابَه؛ إلاَّ أن يأذَن له فيه.
أمَّا إن دُفِع إليه مبلغ معيَّن، وقيل له: حُجَّ بهذا المال، أو هذا المال لكَ لتحُجَّ به عن فلان، أو قيل له: إنَّ الميِّت أوْصى بِهذا المال للحجِّ به عنه - ففي هذه الحالة: يَجوز للنَّائب أن يأخُذ ما بقِي من المال، حتَّى إن صرف منه الشَّيء اليسير.
أمَّا إذا كان مَن سيحجُّ عن الغيْر أجيرًا، فإن الاستئجار للحجِّ موضعُ خلاف بين العلماء، فذهب المالكيَّة والشَّافعيَّة إلى الجواز، وهو رواية عن أحمد، وذهب أبو حنيفةَ في "المبسوط" للسرخسي، و"الفتاوى الهندية"، وإسحاقُ بن راهويه، وهو الأشهر عن أحمدَ إلى: أنَّه لا يَجوز الاستئجار على الحجِّ.
قال أبو عمر بن عبدالبر في "الاستذكار": "ومِن حجَّة مالك والشَّافعي على جواز ذلك: إجماعُهم على كتْب المصحف، وبناء المسجِد، وحفْر القبْر، وصحَّة الاستئجار في ذلك، وهو قربة إلى الله - عزَّ وجلَّ - فكذلك عمل الحجِّ عن الغير، والصدقات قربةٌ إلى الله - عزَّ وجلَّ - وقد أباح للعامل عليْها الأجر على عمالته".
وقال ابن قدامة في "المغني": "وفي الاستئْجار على الحجِّ، والأذان، وتعليم القُرآن والفقه، ونحوه، ممَّا يتعدَّى نفعُه، ويختص فاعلُه أن يكون من أهل القربة – روايتان:
إحداهُما: لا يجوز، وهو مذهب أبي حنيفة وإسحاق.
والأخرى: يَجوز، وهو مذهبُ مالكٍ والشَّافعي وابنِ المنذر؛ لأنَّ النَّبيَّ - صلَّى الله عليْه وسلَّم - قال: « »؛ رواه البخاري.
وأخذ أصحاب النَّبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - الجعْل على الرُّقية بكتاب الله، وأخبروا بذلك النَّبيَّ - صلَّى الله عليْه وسلَّم - فصوَّبَهم فيه، ولأنَّه يجوز أخذ النفقة عليه فجاز الاستئجار عليه؛ كبناء المساجد والقناطر.
قال أحمد في الذي يأخذ دراهمَ للحجِّ: "لا يمشي، ولا يقتِّر في النفقة، ولا يسرف، وقال في رجل أخذ حجَّة عن ميت، ففضلتْ معه فضلة: يردُّها، ولا يناهد أحدًا إلا بقدْر ما لا يكون سرفًا، ولا يدعو إلى طعامِه، ولا يتفضَّل.
وقال: وإن قلْنا: يجوز الاستِئْجار على الحجِّ، جاز أن يقع الدَّفع إلى النَّائب من غير استِئْجار، فيكون الحكم فيه على ما مضى. وإن استأجره ليحجَّ عنه أو عن ميت، اعتبر فيه شروط الإجارة، من معرفة الأُجْرة، وعقد الإجارة، وما يأخذه أجرةً له يملكه، ويباح له التصرُّف فيه، والتوسُّع به في النفقة وغيرها، وما فضل فهو له، وإن أحصر أو ضلَّ الطريق أو ضاعت النَّفقة منه، فهو في ضمانه والحج عليه، وإن مات، انفسختِ الإجارة".
ويجب على الذي يحج نيابة عن غيره أن يكون حذرًا من إرادته الدنيا بعمله، فقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عمّن حج عن غيره ومقصده التكسب، فقال: "إذا حج الإنسان عن غيره من أجل الفلوس فأخشى أن لا يقبل الله منه؛ لقول الله تبارك وتعالى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لاَ يُبْخَسُونَ *أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآْخِرَةِ إِلاَّ النَّارُ} [هود: 15] نعوذ بالله، وقال تعالى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الآْخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الآْخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ} [الشورى: 20]، فإذا علمت من نفسك أنك تأخذ الدراهم لتحج عن غيرك من أجل الدراهم فلا تفعل... فيجب عليك أن ترده" اهـ.
والله أعلم.
- التصنيف:
- المصدر: