تغيير مكان المسجد لتعذر إقامة الشعائر وصعوبة منع المنكرات المجاورة له

منذ 2014-04-13
السؤال:

نحن جماعة نصلي في مسجد في أتلانتك سيتي في أمريكا (مدينة مشتهرة بالقمار) تقام فيه بحمد الله كل الصلوات و له إمام دائم. تم في الفترة الأخيرة تغيير في تخطيطات المدينة بحيث تم السماح ببناء صالات للقمار (كازينو) في المنطقة المقام فيها المسجد والذي بطبيعة الحال يحتوي علي فندق وما يتبعه من خدمات. و فعلاً قامت أحد الشركات بشراء معظم المباني المحيطة بالمسجد وفي طريقها لشراء ما تبقي من المباني ما عدا مبني واحد والمسجد، وذلك لبناء كازينو جديد ملاصق للمسجد من كل الجهات. في الأسابيع الماضية بدأت هذه الشركة بتقديم عروض لشراء مبني المسجد وبعد محادثات معهم تقدموا بهذا العرض:

* استبدال مبني أكبرحجماً يحتوى على أرض كبيرة (باركينج) لصف السيارات بالمبنى الحالى، علماً بأن المسجد الحالي قد ضاق بالمصلين في صلاة الجمعة.

* شراء أرض جديدة خارج المدينة كنا نحاول جمع المال لشرائها و هي إن شاء الله سوف تخصص لبناء مركز إسلامي جديد يحتوي علي مدرسة إسلامية نحن في أشد الحاجة اليها، علماً بأنه تم جمع عُشر ثمنها فقط من الصدقات في مدة لا تقل عن ثلاث سنوات.

* دفع مبلغ من المال يقدر بخمسة أضعاف ثمن مبني المسجد بعد خصم ثمن المبني الجديد والأرض المشار إليها سابقاً و إن شاء الله سوف يخصص هذا المال للبدء فى مشروع المدرسة.

سؤالنا لفضيلتكم:

هل يجوز لنا شرعاً أن نقبل هذا العرض علماً بأنه قد يصيبنا والله أعلم بعض الضرر في حالة رفض العرض مثل صعوبة صف السيارات لزيادة كثافة السيارات خاصة يوم الجمعة مما قد يوثر علي قدوم المصلين إلي المسجد، وإحاطة المسجد ببيئة لا يعلمها إلا الله سبحانه وتعالى قد توثر على ذهاب أولادنا ونسائنا إلي المسجد، علماً بأننا لا نعلم أى المبانى سوف تلاصق المسجد.
هل من الأضل الخروج من هذه المدينة باستبدال مكان أكبر خارج المدينة بالمبنى الحالى للمسجد، علماً بأن معظم رواد المسجد فى الصلوات الخمس يعملون فى المدينة وقد يؤدى الخروج من المدينة والله أعلم إلى فقد هؤلاء المصلين لأنه من الصعب لأسباب متعددة الحصول على تصاريح إقامة المسجد والعثور على مكان قريب من المدينة.

الإجابة:

فَإِذَا كَانَتْ الْحَالَةُ عَلَى مَا وَصَفْتُمْ مِنْ وُجُودِ الضَّرَرِ عَلَى الْمسْجِدِ وَالْمُصَلِّينَ بِالضَّيِّقِ وَالْقِمَارِ وَالْأَذَى الشَّدِيدِ مِنْ ذَلِكَ فَيَجُوزُ الاِنْتِقَالُ إِلَى مَكَانٍ آخَرَ لِلْمُحَافَظَةِ عَلَى الصَّلاةِ بَعِيدًا عَنْ الْمُنْكَرَاتِ الَّتِي لاَ تَقْدُرُونَ عَلَى تَغْيِيْرِهَا.

قَالَ أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ قُدَامَةَ فِي "الْمُغْنِي": إذَا خَرِبَ الْوَقْفُ، وَتَعَطَّلَتْ مَنَافِعُهُ، كَدَارٍ انْهَدَمَتْ، أَوْ أَرْضٍ خَرِبَتْ، وَعَادَتْ مَوَاتًا، وَلَمْ تُمْكِنْ عِمَارَتُهَا، أَوْ مَسْجِدٍ انْتَقَلَ أَهْلُ القَرْيَةِ عَنْهُ، وَصَارَ فِي مَوْضِعٍ لاَ يُصَلَّى فِيهِ، أَوْ ضَاقَ بِأَهْلِهِ وَلَمْ يُمْكِنْ تَوْسِيعُهُ فِي مَوْضِعِهِ. أَوْ تَشَعَّبَ جَمِيعُهُ فَلَمْ تُمْكِنْ عِمَارَتُهُ وَلاَ عِمَارَةُ بَعْضِهِ إلاَ بِبَيْعِ بَعْضِهِ، جَازَ بَيْعُ بَعْضِهِ لِتُعَمَّرَ بِهِ بَقِيَّتُهُ.

وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ الانْتِفَاعُ بِشَيْءٍ مِنْهُ، بِيعَ جَمِيعُهُ.

قَالَ أَحْمَدُ رِوَايَةِ صَالِحٍ: يُحَوَّلُ المَسْجِدُ خَوْفًا مِنْ اللُّصُوصِ، وَإِذَا كَانَ مَوْضِعُهُ قَذِرًا.

قَالَ القَاضِي: يَعْنِي إذَا كَانَ ذَلِكَ يَمْنَعُ مِنْ الصَّلاَةِ فِيهِ.

وَقَالَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ: لاَ يَجُوزُ بَيْعُ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ ؛ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لاَ يُبَاعُ أَصْلُهَا، وَلاَ تُبْتَاعُ، وَلاَ تُوهَبُ، وَلاَ تُورَثُ». وَلأنَّ مَا لاَ يَجُوزُ بَيْعُهُ مَعَ بَقَاءِ مَنَافِعِهِ، لاَ يَجُوزُ بَيْعُهُ مَعَ تَعَطُّلِهَا، كَالْمُعْتَقِ، وَالْمَسْجِدُ أَشْبَهُ الأَشْيَاءِ بِالْمُعْتَقِ.

 

وَلَنَا مَا رُوِيَ (أَنَّ عُمَرَ رضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَتَبَ إلَى سَعْدٍ، لَمَّا بَلَغَهُ أَنَّهُ قَدْ نَقَّبَ بَيْتَ المَالِ الَّذِي بِالْكُوفَةِ، أَنْ اُنْقُلْ المَسْجِدَ الَّذِي بِالتَّمَارِينِ، وَاجْعَلْ بَيْتَ المَالِ فِي قِبْلَةِ المَسْجِدِ، فَإِنَّهُ لَنْ يَزَالَ فِي المَسْجِدِ مُصَلٍّ). وَكَانَ هَذَا بِمَشْهَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ، وَلَمْ يَظْهَرْ خِلاَفُهُ، فَكَانَ إجْمَاعًا.

وَلأنَّ فِيمَا ذَكَرْنَاهُ اسْتِبْقَاءَ الوَقْفِ بِمَعْنَاهُ عِنْدَ تَعَذُّرِ إبْقَائِهِ بِصُورَتِهِ، فَوَجَبَ ذَلِكَ، كَمَا لَوْ اسْتَوْلَدَ الجَارِيَةَ المَوْقُوفَةَ، أَوْ قَبَّلَهَا غَيْرُهُ.

قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: الوَقْفُ مُؤَبَّدٌ، فَإِذَا لَمْ يُمْكِنْ تَأْبِيدُهُ عَلَى وَجْهٍ، يُخَصِّصُهُ اسْتِبْقَاءُ الغَرَضِ، وَهُوَ الانْتِفَاعُ عَلَى الدَّوَامِ فِي عَيْنٍ أُخْرَى، وَاتِّصَالُ الأَبْدَالِ جَرَى مَجْرَى الأَعْيَانِ، وَجُمُودُنَا عَلَى العَيْنِ مَعَ تَعَطُّلِهَا تَضْيِيعٌ لِلْغَرَضِ. وَيَقْرُبُ هَذَا مِنْ الهَدْيِ إذَا عَطِبَ فِي السَّفَرِ، فَإِنَّهُ يُذْبَحُ فِي الحَالِ، وَإِنْ كَانَ يَخْتَصُّ بِمَوْضِعٍ، فَلَمَّا تَعَذَّرَ تَحْصِيلُ الغَرَضِ بِالْكُلِّيَّةِ، اُسْتُوْفِيَ مِنْهُ مَا أَمْكَنَ، وَتُرِكَ مُرَاعَاةُ المَحَلِّ الخَاصِّ عِنْدَ تَعَذُّرِهِ ؛ لأنَّ مُرَاعَاتَهُ مَعَ تَعَذُّرِهِ تُفْضِي إلَى فَوَاتِ الانْتِفَاعِ بِالْكُلِّيَّةِ، وَهَكَذَا الوَقْفُ المُعَطَّلُ المَنَافِعِ وَلَنَا عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ الحَسَنِ، أَنَّهُ إزَالَةُ مِلْكٍ عَلَى وَجْهِ القُرْبَةِ، فَلاَ يَعُودُ إلَى مَالِكِهِ بِاخْتِلاَلِهِ، وَذَهَابِ مَنَافِعِهِ كَالْعِتْقِ.

وَفِي "دَقَائِقِ أُوْلِي النُّهَى لِشَرْحِ الْمُنْتَهَى" لِلشَّيْخِ مَنْصُورِ الْبُهُوتِي الْحَنْبَلِيِّ:

(فَصْلٌ. وَالْوَقْفُ عَقْدٌ لازِمٌ بِمُجَرَّدِ الْقَوْلِ أَوْ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ لا يُفْسَخُ بِإِقَالَةٍ وَلا غَيْرِهَا وَلا يُبَاعُ إلاَّ أَنْ تَتَعَطَّلَ مَنَافِعُهُ الْمَقْصُودَةُ بِخَرَابٍ وَلَمْ يُوجَدْ) فِي رِيعِ الْوَقْفِ (مَا يَعْمُرُ بِهِ) فَيُبَاعُ (أَوْ) تَتَعَطَّلُ مَنَافِعُهُ الْمَقْصُودَةُ (بِغَيْرِهِ) أَيْ غَيْرِ الْخِرَابِ، كَخَشَبٍ تَشَعَّثَ وَخِيفَ سُقُوطُهُ نَصًّا (وَلَوْ كَانَ) الْوَقْفُ (مَسْجِدًا) وَتَعَطَّلَ نَفْعُهُ الْمَقْصُودُ (بِضِيقِهِ عَلَى أَهْلِهِ) نَصًّا. قَالَ فِي الْمُغْنِي. وَلَمْ تُمْكِنْ تَوْسِعَتُهُ فِي مَوْضِعِهِ (أَوْ) كَانَ تَعْطِيلُ نَفْعِهِ (بِخَرَابِ مَحَلَّتِهِ) وَقَالَ فِي رِوَايَةِ صَالِحٍ: يُحَوَّلُ الْمَسْجِدُ خَوْفًا مِنْ اللُّصُوصِ، وَإِذَا كَانَ مَوْضِعُهُ قَذَرًا.

قَالَ الْقَاضِي: يَعْنِي إذَا كَانَ ذَلِكَ يَمْنَعُ مِنْ الصَّلاةِ فِيهِ فَيُبَاعُ (أَوْ) كَانَ الْوَقْفُ (حَبِيسًا لا يَصْلُحُ لِغَزْوٍ فَيُبَاعُ) لأَنَّ الْوَقْفَ مُؤَبَّدٌ. فَإِذَا لَمْ يُمْكِنْ تَأْبِيدُهُ بِعَيْنِهِ اسْتَبْقَيْنَا الْغَرَضَ وَهُوَ الاِنْتِفَاعُ عَلَى الدَّوَامِ فِي عَيْنٍ أُخْرَى. وَاتِّصَالُ الإِبْدَالِ يَجْرِي مَجْرَى الأَعْيَانِ. وَجُمُودُنَا عَلَى الْعَيْنِ مَعَ تَعَطُّلِهَا تَضْيِيعٌ لِلْغَرَضِ، كَذَابِحِ الْهَدْيِ إذَا عَطِبَ فِي مَوْضِعِهِ مَعَ اخْتِصَاصِهِ بِمَوْضِعٍ آخَرَ. فَلَمَّا تَعَذَّرَ تَحْصِيلُ الْغَرَضِ بِالْكُلِّيَّةِ اسْتَوْفَى مِنْهُ مَا أَمْكَنَ. وَقَوْلُهُ " فَيُبَاعُ " أَيْ وُجُوبًا، كَمَا مَالَ إلَيْهِ فِي الْفُرُوعِ. وَنُقِلَ مَعْنَاهُ عَنْ الْقَاضِي وَأَصْحَابِهِ وَالْمُوَفَّقِ وَالشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ. اهـ.

أحمد حطيبة

طبيب أسنان وإمام وخطيب مسجد نور الإسلام بباكوس - الإسكندرية - مصر

  • 4
  • -1
  • 19,017

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً