المسافرُ في رمضان إن شاء صام، وإن شاء أفطر، ولا حرج عليه في الحالتين

منذ 2014-06-01
السؤال:

هل فطرُ المسافر في رمضان واجبٌ أم رخصةٌ يجوز له الأخذ بها ويجوز له الصوم؟ 

الإجابة:

أولاً: قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ أَيَّاماً مَّعْدُودَاتٍ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [سورة البقرة الآيات183-185]. وقد قرر جمهور أهل العلم أن قوله تعالى: {فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ}وقوله: {وَمَن كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} أي فأفطر، فالمعنى: فمن كان منكم مريضاً أو على سفر فأفطر فليقض عدةً من أيام أخر. قال الإمام الطبري: [وهذا القول عندنا أولى بالصواب؛ لإجماع الجميع على أن مريضاً لو صام شهر رمضان -وهو ممن له الإفطار لمرضه- أن صومه ذلك مجزئ عنه، ولا قضاء عليه إذا برأ من مرضه بعدة من أيام أخر، فكان معلوماً بذلك أن حكم المسافر حكمه في أن لا قضاء عليه إن صامه في سفره؛ل أن الذي جعل للمسافر من الإفطار وأمر به من قضاء عدة من أيام أخر مثل الذي جعل من ذلك للمريض وأمر به من القضاء. ثم في دلالة الآية كفاية مغنية عن استشهاد شاهد على صحة ذلك بغيرها، وذلك قول الله تعالى ذكره: {يُرِيدُ ٱللَّهُ بِكُمُ ٱلْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ ٱلْعُسْرَ} ولا عسر أعظم من أن يلزم من صامه في سفره عدة من أيام أخر، وقد تكلَّف أداء فرضه في أثقل الحالين عليه حتى قضاه وأداه. فإن ظن ذو غباوة أن الذي صامه لم يكن فرضه الواجب، فإن في قول الله تعالى ذكره: {يأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ ٱلصّيَامُ} {شَهْرُ رَمَضَانَ ٱلَّذِى أُنزِلَ فِيهِ ٱلْقُرْآنُ} ما ينبئ أن المكتوب صومه من الشهور على كل مؤمن هو شهر رمضان مسافراً كان أو مقيماً؛ لعموم الله تعالى ذكره المؤمنين بذلك بقوله: {يأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ ٱلصّيَامُ} {شَهْرُ رَمَضَانَ ٱلَّذِى أُنزِلَ فِيهِ ٱلْقُرْآنُ} وأن قوله: {وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} معناه: ومن كان مريضاً أو على سفرٍ فأفطر برخصة الله فعليه صوم عدة أيام أخر مكان الأيام التي أفطر في سفره أو مرضه. ثم في تظاهر الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله إذ سئل عن الصوم في السفر: «إن شئت فصم، وإن شئت فأفطر» الكفاية الكافية عن الاستدلال على صحة ما قلنا في ذلك بغيره] تفسير الطبري٢/٢١٠.

ثانياً: الفطرُ للمسافر في نهار رمضان رخصةٌ وليس واجباً،  فإن شاء صام وإن شاء أفطر، ولا حرج عليه في الحالتين،  وهذا أرجح أقوال أهل العلم، وهو الذي تؤيده السنة النبوية الصحيحة، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: [والصحيح الذي عليه الجمهور جواز الأمرين] مجموع الفتاوى22/336. وإنما الخلاف بين جمهور العلماء في الأفضلية، كما قال الإمام النووي: [فرع في مذاهبهم فيمن أطاق الصوم في السفر بلا ضرر هل الأفضل صومه في رمضان أم فطره؟ قد ذكرنا مذهبنا أن صومه أفضل، وبه قال حذيفة بن اليمان وأنس بن مالك وعثمان بن العاص رضي الله عنهم، وعروة بن الزبير والأسود بن يزيد وأبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث وسعيد بن جبير والنخعي والفضيل بن عياض ومالك وأبو حنيفة والثوري وعبد الله بن المبارك وأبو ثور وآخرون. وقال ابن عباس وابن عمر وابن المسيب والشعبى والأوزاعي وأحمد واسحق وعبد الملك بن الماجشون المالكي الفطر أفضل. وقال آخرون هما سواء. وقال مجاهد وعمر بن عبد العزيز وقتادة الأفضل منهما هو الأيسر والأسهل عليه، قال ابن المنذر وبه أقول] المجموع6/265.

ثالثاً: وردت أحاديث كثيرة تدل على أن فطر المسافر رخصةٌ وليس واجباً، منها: 

(1) قال الإمام البخاري في صحيحه [باب الصوم في السفر والإفطار. ثم روى بإسناده عن عائشة رضي الله عنها «أن حمزة بن عمرو الأسلمي رضي الله عنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم: أأصوم في السفر؟ وكان كثير الصيام، فقال: إن شئت فصم وإن شئت فأفطر». وفي رواية أخرى قال حمزة الاسلمي:   «يا رسول الله، أجدُ مني قوةً على الصوم في السفر، فهل عليَّ جناح؟فقال: هي رخصة من الله تعالى، فمن أخذ بها فحسن، ومن أحب أن يصوم فلا جناح عليه» (رواه مسلم).

(2) عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: «خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره في يومٍ حارٍ حتى يضعَ الرجلُ يدَهُ على رأسه من شدة الحر، وما فينا صائمٌ إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم وعبد الله بن رواحة» (رواه البخاري ومسلم).

(3) وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: «غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لست عشرة مضت من رمضان، فمنَّا من صام ومنَّا من أفطر، فلم يعب الصائم على المفطر ولا المفطر على الصائم» (رواه البخاري ومسلم). وفي رواية أخرى قال أبو سعيد الخدري رضي الله عنه: «كنا نغزو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان فمنًّا الصائم، ومنَّا المفطر، فلا يجد الصائم على المفطر -لا يعيب عليه- ولا المفطر على الصائم، ثم يرون أن من وجد قوةً فصام فإن ذلك حسن، ويرون أن من وجد ضعفاً فأفطر، فإن ذلك حسن» (رواه مسلم).

(4) وعن أنس رضي الله عنه قال: «كنا نسافر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يعب الصائم على المفطر، ولا المفطر على الصائم» (رواه البخاري ومسلم).

(5) عن ابن عباس قال: «لا تُعب على من صام، ولا على من أفطر، قد صام رسول الله صلى الله عليه وسلم في السفر وأفطر» (رواه مسلم).

رابعاً: ما قيل أن آخرين الأمرين من رسول الله صلى اللّه عليه وسلم هو الفطر في السفر، كما ورد عن ابن عباس رضي اللّه عنه «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج عام الفتح في رمضان فصام حتى بلغ الكديد ثم أفطر وأفطروا، وإنما يؤخذ من أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالآخر فالآخر» (رواه البخاري ومسلم)، وفي رواية أخرى:   «وكـان صحابة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يتبعون الأحدث فالأحدث من أمره» قائل هذه العبارة هو الإمام الزهري كما في صحيح مسلم (قال الزهري وكان الفطر آخر الأمرين وإنما يؤخذ من أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالآخر فالآخر. . . قال ابن شهاب فكانوا يتبعون الأحدث فالأحدث من أمره ويرونه الناسخ المحكم) قال العلماء المقصود بآخر الأمرين، أي في سفر رسول الله صلى الله عليه وسلم لفتح مكة، حيث خرج من المدينة صائماً حتى بلغ كراع الغميم فأفطر، وفي رواية أخرى حتى بلغ كديد -وهو ماءٌ بين عسفان وقديد- وتلك المنطقة تحتاج إلى سفر ستة أيام بالإبل، ومما يؤكد أن هذا هو الفهم الصحيح لآخرين الأمرين، ما ورد عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: «سافرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مكة ونحن صيام، قال: فنزلنا منزلاً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنكم قد دنوتم من عدوكم والفطر أقوى لكم) فكانت رخصةً، فمنَّا من صام، ومنَّا من أفطر، ثم نزلنا منزلاً آخر، فقال: إنكم مصبِّحو عدوكم، والفطر أقوى لكم فأفطروا، فكانت عَزْمَة، فأفطرنا، ثم رأيتنا نصوم بعد ذلك مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في السفر» (رواه البخاري ومسلم). فهذا الحديث نصٌ في المسألة، حيث إن الصحابة رضوان الله عليهم كانوا يصومون بعد فتح مكة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في السفر ولم ينكر عليهم. قال الحافظ ابن حجر: [وهذا الحديث نصٌ في المسألة، ومنه يُؤخذ الجوابُ عن نسبته صلى الله عليه وسلم الصائمين إلى العصيان، لأنه عزم عليهم فخالفوا، وهو شاهدٌ لما قلناه من أن الفطر أفضل لمن شق عليه الصوم، ويتأكد ذلك إذا كان يحتاج إلى الفطر للتقوي به على لقاء العدو] فتح الباري 4/184. وقال العلامة ابن القيم" [وأما كون الفطر كان آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالمراد به واقعةٌ معينةٌ، وهي غزاة الفتح، فإنه صام حتى بلغ الكديد، ثم أفطر، فكان فطره آخر أمريه، لا أنه حرَّم الصوم، ونظير هذا قول جابر: كان آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء مما مسته النار، إنما هو في واقعة معينة دُعي لطعام فأكل منه، ثم توضأ وقام إلى الصلاة، ثم أكل منه وصلى ولم يتوضأ، فكان آخر الأمرين منه ترك الوضوء مما مست النار. وجابر هو الذي روى هذا وهذا، فاختصره بعض الرواة، واقتصر منه على آخره، ولم يذكر جابر لفظاً عن النبي صلى الله عليه وسلم: إن هذا آخر الأمرين مني، وكذلك قصة الصيام، وإنما حكوا ما شاهده أنه فعل هذا وهذا، وآخرهما منه الفطر وترك الوضوء، وإعطاء الأدلة حقها يزيل الاشتباه والاختلاف عنها. . . وهذا موضع يغلط فيه كثيرٌ من قاصري العلم، يحتجون بعموم نصٍ على حكمٍ ويغفلون عن عمل صاحب الشريعة وعمل أَصحابه الذي يبين مراده] تهذيب سنن أبي داود 7/35-36.

خامساً: سبق في حديث حمزة الأسلمي المتقدم أن النبي صلى الله عليه وسلم قد بين أن الفطر في السفر رخصةٌ فقال: «هي رخصةٌ من الله تعالى فمن أخذ بها فحسن، ومن أحب أن يصوم فلا جناح عليه» والرخصة يجوز الأخذ بها ولا حرج في ذلك، وعليه يدل قوله صلى الله عليه وسلم:   «إن الله يحب أن تُؤتى رخصُهُ كما يحب أن تُؤتي عزائمه» (رواه أحمد وغيره)، وفي رواية: «إن الله يحب أن تُؤتى رخصُهُ كما يكره أن تُؤتى معصيته» وهو حديث صحيح بروايتيه كما قال العلامة الألباني في إرواء الغليل 3/9-13.

سادساً: فهمُ الصحابة رضي الله عنهم والتابعين رخصةَ الفطر في السفر، وأنها تعني الإباحة لا الوجوب، واستمرارهم على هذا الفهم، سواء في حياة الرسول عليه الصلاة والسلام أو بعد وفاته. انظر بحث ”رخصة الفطر في سفر رمضان” ص55. وقد قال الإمام البخاري في صحيحه [باب لم يعب أصحاب النبي بعضهم بعضاً في الصوم والإفطار] أي في السفر، وذكر حديث أنس السابق «كنا نسافر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يعب الصائم على المفطر، ولا المفطر على الصائم». وقال الإمام النووي: [باب جواز الصوم والفطر في شهر رمضان للمسافر في غير معصية، إذا كان سفره مرحلتين فأكثر، وأن الأفضل لمن أطاقه بلا ضررٍ أن يصوم ولمن يشق عليه أن يفطر] شرح النووي على صحيح مسلم7/229. ومما يدل على فهمهم هذا أيضاً، ما سبق من الأحاديث المذكورة سابقاً عن أبي سعيد وابن عباس رضي الله عنه، وكذلك ما رواه مسلم عن حميد قال:  (خرجت فصمت، فقالوا لي أعد، فقلت إن أنساً أخبرني أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يسافرون، فلا يعيب الصائم على المفطر، ولا المفطر على الصائم، فلقيت ابن أبي مليكة فأخبرني عن عائشة بمثله) . وكذلك روى النسائي عن العوام بن حوشب قال قلت لمجاهد: الصوم في السفر، قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم ويفطر» (سنن النسائي 4/184، وصححه العلامة الألباني). وروى عبد الرزاق عن الحسن البصري قال: "إذا أهلَّ الرجلَ رمضانُ في أهله وصام منه أيام ثم سافر، فإن شاء صام وإن شاء أفطر" المصنف 4/269.

وخلاصة الأمر أن المسافر في نهار رمضان مخيرٌ بين الصوم والفطر، وهذا القول هو الصحيح الذي دلَّ عليه قوله تعالى: {وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} أي فأفطر فليقض أياماً أخر. وهو الذي وقع من النبي صلى الله عليه وسلم كما هو ثابتٌ في عدة أحاديث (صام وأفطر)، ووقع ذلك من الصحابة «فلم يعب الصائم على المفطر، ولا المفطر على الصائم» وأن بعض أشباه طلبة العلم من قاصري العلم، يحتجون بعموم نصٍ على حكمٍ ويغفلون عن عملٍ صاحب الشريعة وعمل أَصحابه الذي يبين مراده. والله الهادي إلى سواء السبيل. 

حسام الدين عفانه

دكتوراه فقه وأصول بتقدير جيد جداً، من كلية الشريعة جامعة أم القرى بالسعودية سنة 1985م.

  • 48
  • 10
  • 283,998

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً