الجمع بين عدم إجابة الدعاء وبين قوله تعالى ”ادعونى استجب لكم“

منذ 2015-02-28
السؤال:

لي سؤال عن دعاء الإنسان بدعاء مثل شفاء مريض، مع توخي أوقات وأحوال الإجابة مع اليقين أن الله يجيب الدعاء، ثم لا يتحقق مطلوبه، فكيف التوفيق بين ذلك، وبين قوله تعالى: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر:60]. هذا، وهل النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يدعو لأبنائه وبناته بالشفاء، وهو مجاب الدعاء، أرجو الإفادة؟

 

الإجابة:

المسلم يشرع له أن يدعو ربه سبحانه وتعالى، وأن يسأله في جميع أحواله، وأن لا يحقر شيئًا مما يسأله ربه سبحانه وتعالى، وقد وردت في هذا الأدلة من الكتاب والسنة، أما ما يتعلق بالسؤال من جهة أنه قد يدعو ربه، ويسأله سبحانه وتعالى مسألةً معينة، فلا يجاب بعين هذه المسألة، فإنه ليس معناه أنه لم يُجب في مسألته التي سأل، فالله سبحانه وتعالى قال: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر:60]. وقال سبحانه: {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ}  [النمل:62]. 

الذي يدعو ربه لا يخلو من واحد من أمور ثلاثة، وهذا يفسر ما في هذه المسألة، ويبين معنى الآية، في قوله: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر:60]. وليس فيها أنه سبحانه وتعالى، أن من دعاه أنه يجيبه إلى عين ما سأل، إنما قال: {أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر:60]. ولم يقل أعطكم مسألتكم، أو أعطكم عين ما سألتم.

ولهذا في الصحيحين من حديث أبي هريرة، «أنه عليه الصلاة والسلام قال: إن الله ينزل فيقول هل من سائل فأعطيه، هل من داع فأستجيب له، هل من مستغفر فأغفر له» (1). غاير بين السائل فيعطى، وبين السائل فيجاب، فالداعي يجاب، والسائل يعطى، والله عز وجل أكرم عباده بأنه يجيبهم.

فلو أنه أعطاه عين ما سأل، لكان هذا نوع تخصيص في الإجابة، إنما هو سبحانه وتعالى يجيب عبده، وتكون إجابته له أكرم وأعظم مما سأل، والعبد لا يحسن أمر نفسه، والله عز وجا يعلم ما يصلح عباده، فقد يسأله مالا، وقد يسأله شيئًا من الأمور، فلو أجابه فيه، لكان عليه من الضرر والفتنة ما فيه.

وفي هذا وقائع معروفة، في هذا الباب، وفي الحديث الصحيح المروي من حديث أبي سعيد عند أحمد (2) ومن حديث أبي هريرة (3) كذلك عند أحمد، وحديث سلمان عند الترمذي (4)، وكذلك جاء عن جابر(5)، حديث صحيح أنه عليه الصلاة والسلام قال: «ما من داعٍ يدعو إلا استجاب الله له إحدى ثلاث، إما أن يجيب دعوته، وإما أن يدفع عنه من السوء مثلها» (6).

وفي حديث أبي سعيد، وفي حديث أبي هريرة «استجاب الله له إحدى ثلاث، إما أن يعجلها، وإما أن يؤخرها، وإما أن يدخرها الله له» (7). سبحانه وتعالى، فالمعنى أنه أجيب، لكن ليس في عين هذه المسألة، ربما فيما هو أعظم وأولى له، وأحسن عاقبة في الدنيا وفي الآخرة، وإما أن تدخر له، فيكون ادخارها له أعظم حظًا وثوابا يجده يوم القيامة، فيفرح بذلك، وربما يقع في نفسه، يفرح بهذا الشيء حيث إنه لم يجب إلى عين، ما دعا.

فالمقصود أن هذا وعدٌ منه سبحانه وتعالى وعده لا يتخلف أن الداعي يجاب، ومن أعظم في الحقيقة ما يحصل للداعي ما يقع في قلبه من الأنس بالله، واللذة، واللجأ إليه في هذه الحال، التي لم تكن تحصل له لو لم ينزل به هذا الأمر.

فقد يضطر العبد ويقع في بعض الأمور، فيسأل ربه الشفاء، أو يسأل ربه تحقيق هذا الأمر، فيقع في نفسه أنه لو لم يجب، يحب أنه لو لم يجب، لما يجد من الأنس في دعائه ربه، وسؤاله سبحانه وتعالى، وأنه لو أجيب قد ينقطع.

وقد ذكر ابن رجب (8) رحمه الله عن السلف رحمة الله عليهم في هذا قصص، وكلمات ممن ابتلي ببلاء، أو أمر من الأمور، فوجد من الأنس واللذة في دعائه ربه، قد يكون بليه أو مصيبة أصابته، فيسأل ربه أن يرفعها، وأن يزيلها، فهو مع دعائه وأنسه بالله، أنساه أنسه بالله ألم هذه المصيبة، وربما صارت عليه خيرًا (9). 

وهذا يحقق ما جاء في الأدلة في الكتاب والسنة، من أن المصائب التي لا اختيار للعبد فيها، أنها تكون عاقبتها خيرًا وحسنا، {وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ} [البقرة:216] . {فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا} [النساء:19]. وهكذا المؤمن.

فالأحاديث التي سبقت تفسر وتبين هذا المعنى، والنبي عليه الصلاة والسلام  يدعو لنفسه، ويدعو لأهله صلوات الله وسلامه عليه، لكنه عليه الصلاة والسلام أعلم الناس بربه، وبما يجب له سبحانه وتعالى.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) أخرجه البخاري: الدعوات (6321) مسلم: صَلاةِ الْمُسَافِرِينَ وَقَصْرِهَا (758). 

(2) أخرجه أحمد: (11149) وابن أبي شيبة: (29170) والطبراني في المعجم الأوسط (4368).

(3) أخرجه الطبراني في المعجم الأوسط (4591).

أخرجه أحمد (9784). والبخاري في “الأدب المفرد” (711). و”الترمذي” (3604).

(4) أخرجه أبو داود (1488) والترمذي: (3556). وابن ماجه (3865).

(5) أبو يعلى في مسنده: (1867).

(6) أخرجه مالك: 1/ 217 (504) وابن أبي شيبة: (29658).

(7) أخرجه أحمد (9784). والبخاري في “الأدب المفرد” (711). و”الترمذي” (3604).

(8) ينظر كشف الكربة في وصف أهل الغربة 18.

(9) قال ابن القيم في إغاثة اللهفان (1/ 35):
“من ينزل به بلاء عظيم أو فاقة شديدة أو خوف مقلق فجعل يدعو الله سبحانه ويتضرع إليه حتى فتح له من لذيذ مناجاته وعظيم الإيمان به والإنابة إليه ما هو أحب إليه من تلك الحاجة التي قصدها”.

عبد المحسن بن عبد الله الزامل

داعية في إدارة شؤون التوعية بالسعودية وحاصل على بكالريوس في التربية من جامعة الملك سعود

  • 1
  • 0
  • 33,296

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً