مكث المتوفى عنها زوجها في غير بيتها
أرملة عمرها 60 عامًا أو يَزيد، جَميع أبنائِها وبناتِها متزوِّجون ويقطنون بعيدًا عن بيتها، وجَميعُهم يشتغِل بوظائف حكوميَّة تفرض عليهم الدَّوام في العمل مدَّة ساعات النَّهار، هذا فضلاً عن التزاماتِهم الأسريَّة، بحيث يُخشى على هذه الأرْملة وهي تُعاني من أمْراض مختلفة دون أن تكون عاجزة إن هي مكثتْ في بيتِها وحيدة - أن تتعكَّر حالتُها الصِّحِّية والنَّفسيَّة.
فهل يُمكن أن يكون هذا الوضْع من قبيل الضَّرورات التي تُبيح لها التنقُّل فترة العدَّة بين منازل أولادِها وبناتِها، فتبيت عندهم؟
مع الشُّكر سلفًا.
الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومَن والاه، أمَّا بعدُ:
فالمرأة المعتدَّة يلزمها البقاء في بيت الزَّوجيَّة إلى أن تكمل العدَّة، فلا تخرُج إلاَّ لضرورة.
ولكن إن خُشِي على تلك المرأة أن تسوءَ حالتُها الصحِّية، فلها أن تقْضي النَّهار عند أولادِها وتعود للمبيت في بيتِها مساء، ويمكن الاستِعانة بأحد الأحفاد للمبيت معها، فإن لم يوجَدْ أو لم يكُن ذلك في الاستِطاعة، وخُشِي عليْها المبيت بِمُفردها - فلها أن تمكُثَ فترة العدَّة بين أولادِها.
فعن عائشة رضي الله عنها: أنَّ فاطمة بنت قيْس قالتْ للنَّبي - صلَّى الله عليْه وسلَّم -: إنَّ أبا بكر بن حفْص طلَّقني ثلاثًا، وإنّي أخافُ أن يتقحَّم عليَّ، فأمَرها النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - أن تعتدَّ في بيت ابن أمّ مكتوم.
قال ابن قدامة في "المغني" (ج 18 /ص 44): "وممَّن أوجب على المتوفَّى عنْها زوجُها الاعتداد في منزلها: عمر وعثمان - رضِي الله عنْهُما - ورُوي ذلك عن ابن عمر، وابن مسعود، وأمِّ سلمة، وبه يقول مالك والثوري والأوزاعي، وأبو حنيفة والشافعي وإسحاق، وقال ابن عبدالبر: وبه يقول جماعةُ فقهاء الأمصار بالحجاز والشام والعِراق ومصر.
وقال جابر بن زيد والحسن وعطاء: تعتدُّ حيثُ شاءت، ورُوي ذلك عن علي، وابن عبَّاس، وجابر، وعائشة - رضي الله عنهم.
قال ابن عبَّاس: نسخت هذه الآية عدَّتها عند أهله، وسكنت في وصيَّتها، وإن شاءت خرجت؛ لقول الله تعالى: {فَإِنْ خَرَجْنَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي مَا فَعَلْنَ فِي أَنفُسِهِنَّ} [البقرة: 240].
قال عطاء: ثمَّ جاء الميراث، فنسخ السكنى، تعتدّ حيث شاءت. رواهما أبو داود.
ولنا: ما روتْ فُريعة بنت مالك بن سنان، أخت أبي سعيدٍ الخُدْري: أنَّها جاءت إلى رسولِ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - فأخبرتْه أنَّ زوجَها خرج في طلب أعبُد له، فقتلوه بطرف القدوم، فسألت رسولَ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - أن أرجع إلى أهلي، فإنَّ زوجي لم يترُكْني في مسكن يملكه ولا نفقة.
قالتْ: فقال رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: « ».
قالت: فخرجتُ حتَّى إذا كنتُ في الحجرة أو في المسجِد، دعاني - أو أمر بي فدُعيت له - فقال رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: « » فرددتُ عليه القصة، فقال: « ».
فاعتددتُ فيه أربعة أشهر وعشْرًا، فلمَّا كان عثمان بن عفَّان أرسل إليَّ، فسألني عن ذلك، فأخبرتُه، فاتَّبعه وقضى به.
رواه مالك في "موطئه" والأثرم، وهو حديث صحيح، قضى به عثمان في جماعةِ الصَّحابة فلَم ينكروه.
إذا ثبت هذا، فإنَّه يجب الاعتِداد في المنزل الذي مات زوجُها وهي ساكنة به، سواء كان مملوكًا لزوجها، أو بإجارة، أو عارية؛ لأنَّ النَّبيَّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال لفريعة: « »، ولَم تكن في بيت يملكه زوجُها.
وفي بعض ألفاظه: « »، وفي لفظ: « »، فإن أتاها الخبر في غير مسكنها، رجعتْ إلى مسكنها فاعتدَّت فيه.
- التصنيف:
- المصدر: