كثرة الوسوسة
الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومَن والاه، أمَّا بعدُ:
فاللهَ أسأَلُ أن يَشْفِيَكَ شفاءً لا يُغادِرُ سَقَمًا، وأن يُذْهِبَ عنْكَ تلك الوساوس.
فالوساوس من حبائل الشَّيطان ووسائله التي يُريد بها أن يُفْسِد دينَ المسلم وعبادَتَه وإيمانَه، وقد وصف لنا الشارع الحكيم العلاج الناجعُ لدفعُ تلك الوساوس، هو الإعراض عنها جملة وتفصيلاً، وعدم الالتفات إليها؛ لأنها من الشيطان وعمله؛ ومن ثم لا يكون دفعُها وإبعادُها لا يتأتى إلا بإهْمالُها، وقطعُ الاسترسال فيها، وعدمُ الالتفات إليها، أو الاستسلام لها - هو ما وصى به النبي - صلى الله عليه وسلم – فيما رواه الشيخان عن أبي هريرة قال: قال رسول الله: ((يأتي الشَّيطانُ أحدَكُم فيقول: مَنْ خَلَقَ كذا من خلق كذا؟ حتَّى يقول : مَنْ خَلَقَ ربَّك؟ فإذا بلغَه فليَسْتَعِذْ بِالله وليَنْتَهِ))؛ والمعنى: "إذا عَرَضَ له الوِسواسُ، فيلْجأْ إلى الله - تعالى - في دفعِ شرِّه، وليُعرضْ عن الفكر في ذلك، ولْيَعلمْ أن هذا الخاطر من وسوسةِ الشيطان، وهو إنما يسعى بالفساد، والإغراء؛ فلْيُعرِضْ عن الإصغاء إلى وسوسته، ولْيُبادرْ إلى قطعِها بالاشتغال بغيرها"؛ قالهُ الإمامُ النوويُّ في "شرح صحيح مسلم".
وإذا استسلمَ الشخصُ للوَسَاوِس، ولم يقطعْها، فقد تجرُّه إلى ما لا تُحمَد عُقباه - والعياذ بالله.
وقال ابن حجر الهيتمي: "للوسواس دواءٌ نافعٌ هو الإعراض عنه جملة، وإن كان في النفس من التردُّد ما كان، فإنَّه متى لم يلتفِتْ لذلك لم يثبت، بل يذهب بعد زمن قليل، كما جرَّب ذلك الموفَّقون، وأمَّا مَن أصغَى إليها فإنَّها لا تزالُ تَزدادُ به حتَّى تُخْرِجه إلى حيِّز المجانين، بل وأقبح منهم، كما شاهدناه في كثيرٍ مِمَّنِ ابْتُلوا بِها، وأصغَوْا إليها وإلى شيطانها" اهـ.
وقال العِزُّ بن عبدالسلام: "دواءُ الوسوسة أن يعتَقِدَ أنَّ ذلك خاطرٌ شيطانيٌّ، وأنَّ إبليسَ هو الذي أورَدَهُ عليه، وأن يُقاتِلَه، فإنَّ له ثوابَ المُجاهد، لأنَّهُ يُحاربُ عدوَّ الله، فإذا استَشْعَر ذلك فر منه" اهـ.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في –"مجموع الفتاوى" (22/608)-:
"والوسواس يَعرض لكل مَن توجَّه إلى الله، فينبغي للعبد أن يَثبُت ويصبر، ويلازم ما هو فيه من الذكر والصلاة، ولا يضجَر؛ لأنه بملازمة ذلك ينصرف عنه كيد الشيطان؛ {إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا} [النساء: 76]، وكلَّما أراد العبد توجهًا إلى الله بقلبه جاء الوسواس من أمور أخرى، فإن الشيطان بمنزلة قاطع الطريق، كلما أراد العبد أن يسير إلى الله أراد قطع الطريق عليه" اهـ.
ومما يُعين المسلم على التغلب على الوسواس وعلاج نفسه:
1 - الالتجاء إلى الله تعالى بالدعاء بصدق وإخلاص؛ كي يذهب عنك هذا المرض.
2 - الإكثار من قراءة القرآن والمحافظة على ذكر الله تعالى في كل حال، لا سيما أذكار الصباح والمساء، وأذكار النوم والاستيقاظ، ودخول المنزل والخروج، ودخول الحمام والخروج منه، والتسمية عند الطعام والحمد بعده، وغير ذلك؛ فقد روى أبو يعلى عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الشيطان وضع خطمه على قلب ابن آدم، فإن ذكَر الله خنس، وإن نسي الْتقَمَ قلبه، فذلك الوسواس الخناس))، وننصحكِ بشراء كتاب "الأذكار"؛ للإمام النووي، ومعاودة القراءة فيه دائمًا.
3 - الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم، والإعراض عن وسوسته، وقطع الاسترسال مع خطواته الخبيثة في الوسوسة؛ فذاك أعظم علاج، وفي الصحيحين عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يأتي أحدَكُمُ الشيطان، فيقول: مَن خلَقَ كذا وكذا؟ حتى يقول له: مَن خَلَق ربك؟ فإذا بلغ ذلك فليَستعذ بالله وليَنتهِ)).
وعن عثمان بن أبي العاص قال: "يا رسول الله، إن الشيطان قد حال بيني وبين صلاتي وقراءتي يُلبسها عليَّ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((فإذا أحسستَه فتعوذ بالله منه، واتفل عن يَسارك ثلاثًا))، قال: ففعلتُ ذلك فأذهبه الله عني"؛ رواه مسلم.
4 - الانشغال بالعلوم النافعة، وحضور مجالس العلم، ومُجالَسة الصالحين، والحذر من مجالسة أصحاب السوء أو الانفراد والانعزال عن الناس.
5 - الإكثار من الطاعات والبُعد عن الذنوب والمعاصي.
إذا تقرر هذا؛ فيجب على الأخت الكريمة أن تكف عن تلك العادة، فإن بلع الريق لا يؤثر على صحة الصوم بالإجماع، ولتكثر من قراءة القرآن الكريم بتدبر، خصوصًا سورة ق؛ فإن لها تأثير مجرب على قمع الشيطان،، والله أعلم.
- المصدر: